الأحد: 09/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

الثقافة والتخريب الفكري

نشر بتاريخ: 27/08/2017 ( آخر تحديث: 27/08/2017 الساعة: 10:01 )

الكاتب: أحمد طه الغندور

إذا ما أردنا أن نقدم تعريفاً بسيطاً للثقافة فيمكن القول إنها “النسيج الكلي من الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والاتجاهات فـي مجتمع ما، وهي تعني ايضا ذلك الجزء من البيئة الذي صنعه الإنسان بنفسه ونظّمه بخبراته وتجاربه"، ومن الجدير بالملاحظة أن وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام تطل علينا هذه الأيام بأشكال من "الهرطقات" التي لا يقبلها العقل السليم أو الموروث الاجتماعي العام؛ فمنها من يُهاجم قيماً وطنية أو قومية يهدف مرتكبها منها أن يتقرب إلى الاحتلال والأعداء ويعلن ولائه لهم، مع العلم بأن هؤلاء وأمثالهم لا يحصدون إلا الاحتقار في نهاية الأمر، ولعل أشهر مثال لها هذه الأيام ذلك "الزول" السوداني ودعوته التطبيعية مع الاحتلال وافتراءه على الفلسطينيين وتاريخهم النضالي، والتي لاقت ردوداً غاضبة على المستويين الرسمي والشعبي في السودان الشقيق.
ومن الصور الأخرى ما يأتي للتشكيك في قضايا دينية هي من المسلمات بالنسبة لنا كمسلمين في شرعنا الحنيف في محاولة من الشخص الذي يطرح هذه القضايا أن يُظهر نفسه كإنسان مثقف ويُعنى بقضايا حقوق الانسان وكأن مثل هذه القضايا من وجهة نظره تعتبر مساً وخرقاً لهذه المبادئ؛ ومنها مسألة الميراث في الإسلام أو تعدد الزوجات ونحوها كثير من الطروحات، مع العلم أنه لو أمعن النظر في كتب الفقه الإسلامي أو التي ناقشت الحضارة الإسلامية لوجد ضالته في فهم مقاصد الشريعة الغراء من هذه الأحكام التي سنها الباري عز وجل دون أن يدع للبشر أي تدخل فيها تحقيقاً للعدالة التي قد يعمى البعض عن رؤيتها؛ فمن ثم يقوم الأعداء والحاقدون بمهاجمة تراثنا وثقافتنا بمثل هذه الصور مستغلين بعض ضعاف النفوس أو أشباه المثقفين لإدخال الشك إلى المجتمع الفلسطيني وإدخال الفتنة بين الناس في محالات بائسة لحرفهم عن قضاياهم واهتماماتهم الأساسية كالعمل على التحرر وانهاء الاحتلال.
وإذا أضفنا لتلك الصور النقد الدائم لمناهج التعليم الفلسطيني من قِبل دوائر غربية واعتبار أن هذه المناهج تقوم على التحريض وكراهية الأخر، ودافعهم إلى ذلك إلغاء البعد الديني والقومي من هذه المناهج عسى أن يبعث جيل لا يعرف فلسطين ولا يهتم بحقوقنا المشروعة في السيادة ونيل الاستقلال، فكيف يمكن أن نصف مثل هذه الصور الهادفة إلى المس بثقافتنا وقيمنا الحضارية عبر ما يسمى بالتخريب الفكري، وكيف لنا أن نفهم التخريب الفكري؟ وضمن أي مجال يمكن أن نُصنف هذه الأفعال؟
سبحان الله؛ نحن جزء من أمة يقوم موروثها الثقافي على الأمر " اقرأ " وخير ما نعتز ونتسلح به هم أبنائنا المتعلمين والمثقفين، وأن التخريب يعتبر فسادا في الدين لذلك نجد أن الحملة من العدو شرسة علينا بوسائل أو صور متعددة للتخريب الفكري كما بينا بعضا منها في السطور السابقة.
أما بالنسبة للتخريب الفكري (Ideological Sabotage) فيمكن تعريفه بأنه " نشاط موجه مباشر أو غير مباشر لعملية طرح بعض من الأفكار الهدامة أو الغير مقبولة والسلبية في مجال من مجالات الفكر أو الحياة؛ والتي قد لا يعكس شكلها جوهر الهدم أو السلبية فيها، بينما تعمل على خلخلة العقل أو الوعي الخاص بمُستقبِلها حتى تتكون لديه القناعة بمقدرته على تقديم التفسير الأمثل لما يراه هو وفقا لأسلوبه الشخصي الذي يتراوح بين الإقناع أو الإكراه حسب ملكاته ومؤهلاته الشخصية".
إن خطورة التخريب الفكري التي قد يستهين بها كثير من الناس، تنبع من كونها تنفذ بهدوء ونعومة منقطعة النظير قد يسهم بها كتاب أو مقال أو بضع كلمات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو لقاء تلفزيوني أو إذاعي مع إنها في الحقيقة حرب ضروس تقوم به أجهزة متخصصة تعمل في مجال الغزو الفكري (Ideological Invasion) والتجسس الثقافي (Cultural Espionage) ولها نتائج خطيرة ربما تكون أكثر فتكاً من الكثير من الأسلحة المستخدمة في الحروب لما تهدف من نشر الفتن والعمل على إضعاف النسيج الاجتماعي وإشاعة الفساد في المجتمع مع محاولة إنشاء أجيال شابة منفصلة عن واقعها ودينها وموروثها الثقافي.
من هنا يمكن القول بأن مثل هذا الشخص ومهما علت ثقافته أو الدرجة العلمية التي يتفاخر بها قد يعتبر ألعوبة في يد الغير إن كان لا يدري حقيقة استغلاله من قبل الأخرين لتحقيق أهدافهم التدميرية، ولعله انجرف إلى ذلك الأمر من باب الغرور العلمي أو حب الظهور، فعليه الرجوع عن خطائه، وأما إن كان يدري ـ فالمصيبة أعظم ـ فما هو إلا عميل خان دينه ووطنه.