نشر بتاريخ: 30/08/2017 ( آخر تحديث: 31/08/2017 الساعة: 11:26 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
لم تكن ثورات، ولم يكن ربيعاً عربياً، ولم تكن روافع تغيير للأحسن، بل كانت معاول هدم رجعية أعادت مجتمعات عربية بأسرها إلى مرحلة ما قبل الدولة.
الثورات التي عرفناها عبر التاريخ، كانت تنطلق تحت لواء شعارات وبرامج، حركتها قوى دفع أمامي تقدمية، فلا يوجد ثورة تشد المجتمعات إلى الخلف وتقذف بها في الهاوية.
أية ثورات هذه، التي يقودها رجعيون خارجون من الجحور بهيئات وملامح وتصرفات أقرب إلى الإنسان الأول، بل إن الإنسان الأول منهم براء، فقد كان يصطاد ويتجشم الصعاب ويعرض نفسه للخطر من أجل الجماعة، يحمل صيده إلى الكهف ليأكل الجميع ويستمروا في الحياة إلى يوم آخر، وإلى صيد آخر. أما هؤلاء فقد دمروا المجتمعات وقسمّوا الدول وسبوا النساء وقدموا "جهاد النكاح" على كل شيء، يتمتعون في القتل ويتمتعون في النكاح، والأصح بالاغتصاب.
ماذا يفهم هؤلاء الغارقون في جهلهم بالثورات الاجتماعية والعمل النقابي والحريات الفردينة والعامة؟ ماذا يفهمون في حقوق الإنسان؟
إنهم يتغذون على الدم، ويدوسون على الجماجم ويقطّعون الرؤوس ويجبرون النساء على "التلفع" بالسواد، على اعتبار أن المرأة عورة، أما اغتصاب طفلة أو سبي امرأة من زوجها وتحويل "الأزيديات" إلى جوار للمتعة، فكل ذلك في قاموسهم ليس له علاقة بالعيب أو "العورة"!!!
وأنا هنا لا أدافع عن أنظمة وإنما عن شعوب عربية ومجتمعات، حولها المتخلفون، المرضى نفسياً، المعقدون جنسياً، حولوها إلى لاجئين، ومشردين، يصلّبون على حدود الدول الغربية، محطمين، منكسرين، مرعوبين يبحثون عن مأوى، دواء، قطرة ماء، زجاجة حليب.
أطفال أيتام وجدوا أنفسهم في خيام بلا آباء أو أمهات، يواجهون مصيراً مجهولاً، في مستقبل عربي شديد الغموض، والأنكى من ذلك وفي حوارات أجريتها على مدى خمس سنوات في برنامجي التفلزي "فلسطين هذا الأسبوع"، أن اصطدمت بمحلليين يساريين لهم تاريخ في العمل النضالي، ما زالوا يصرون أن هذه ثورات اجتماعية ستُطوّر المجتمعات العربية وترتقي بها؟ وأنا اتساءل:- أية نظرية يعتمدها هؤلاء؟ وأية أدبيات ماركسية أو يسارية أو حتى ليبرالية يستندون إليها.
البترول قد سُرق والغاز نُهب والمصانع دُمرت وقصفت، وما تم تحريره من الإرهابين بعد دحرهم يحتاج إلى سنوات من أجل إعادته إلى الحياة.
هل ما جرى في حلب أو الموصل أو المدن اليمنية أو ما جرى في ليبيا، كل ليبيا، هو ثورات؟!
إن أشد المتضررين من خراب الوطن العربي، هم الفلسطينيون، فقد تراجع الاهتمام بقضيتهم، وبدل أن يتم الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم في مخيمات اللجوء، يتم الحديث عن أنواع أخرى من اللاجئين، فهناك اليوم لاجئون عراقيون وسوريون ويمنيون وليبيون وسودانيون وصوماليون لقد أصبح الوطن العربي بسبب الإرهاب هو أكبر مُصدّر للاجئين، فالصين تصدر الصناعات على أخلاف أنواعها، والهند تصدر التكنولوجيا وألمانيا السيارات وروسيا والولايات المتحدة الأسلحة وتركيا الملابس والمواد الغذائية واليابان التلفزيونات والثلاجات، ونحن أيضاً في العالم العربي أصبحنا نتبوأ مكانة "متقدمة" في الصادرات، لكن فقط بتصدير اللاجئين، بتصدير البشر المشردين، الجوعى، الحفاة.
إنها مفارقة مأساوية موغلة في التراجيديا، موغلة في البؤس، ومع ذلك لا يخجل بعض المحلليين اليساريين وأركز على اليساريين، حينما يركبون كلمات ومصطلحات ثورية على واقع يصول ويجول فيه الإرهاب.
الثورات هي في الأساس أخلاقية إنسانية، بل مرهفة في إنسانيتها، تحترم الإنسان وتقدره وتسمو به سلوكاً وثقافة وانتماءً وأنصهاراً في القضية العامة، وليست فعلاً همجياً تفتيتياً، الثورات يفجرها أنباء البلاد وليس المرتزقة، الذين تركوا بلادهم غارقة في الأوحال والظلم والكراهية، وتقاطروا إلى البلدان العربية، من كل أصقاع الأرض، من أجل أن ينصروا "الثورات"، فالأصل لو كنت ثورياً حقيقياً أن تُحدّث التغيير في بلادك، بدل أن تهرب منها مطلوباً أو مطارداً، وتتسلل إلى بلاد الآخرين، لتخربها وتدمرها وتقتل أبناءَها وتطردهم من ديارهم.
وفي اعتقادي، لن يتوقف مخطط استهداف الوطن العربي بعد داعش، فهذا التنظيم الأداة، انتهى دوره، وسيغيب عن المشهد، بعد أن فتك وفتتّ، لكن السؤال ماذا في انتظارنا؟
وأي مسمى جديد لجماعة جديدة، ولفزاعة أخرى، سيخترعونها لاستكمال دور داعش؟، فاستهداف الوطن العربي، ما زال قائماً، ومخططات التخريب، من المؤكد أنها ستخرج لنا بقوى مجهزة لاستكمال مؤامرة تدمير الأقطار العربية، لذلك المطلوب من العرب على المستويات الرسمية والشعبية والحزبية والمؤسسات والأحزاب الدينية الوسطية لا سيما مؤسسة الأزهر الشريف ومراكز البحث ووسائل الإعلام، المطلوب من رجال الدين والأكاديميين والمثقفين، شحذّ عقولهم والتنبه للخطر المحدق بمجتمعاتهم، فالمؤامرة لم تنتهِ بزوال داعش، فأجندات التخريب والتدمير ما زالت مفتوحة الأبواب والاحتمالات، فيما على أنظمة الحكم أن تفهم وتعي ان القمع وتكبيل الحريات وامتهان إنسانية الناس، تشكل جميعها تربة خصبة لعبور مخططات جديدة، تحت شعار نصرة الإنسان، لذلك فإن القيام باصلاحات جذرية، من شأنه أن يوصد الأبواب، أمام استغلال أوضاع بلادهم.