نشر بتاريخ: 30/08/2017 ( آخر تحديث: 30/08/2017 الساعة: 18:03 )
الكاتب: بهاء رحال
بعض القرارات هامة، بعضها تاريخي، بعضها مصيري وبعضها لا يتجاوز سطور الورقة التي كتُبت عليه. إلا أن من بين تلك الأنواع من القرارات على نحو خاص ما يكون علامة فارقة، لما فيه من الحكمة والشجاعة والفطنة، خاصة حين يتحول القصر الرئاسي ليكون مكتبة وطنية فلسطينية على أرض فلسطين بهذا الحجم وهذا الجمال العمراني الرهيب سوف يسكنه جمال الداخل الذي سيكون ثرياً بما فيه من مخزون ثقافي وإنساني وعلمي ومعرفي وارث تاريخي وحضاري عميق. المكتبة التي طالما حلمنا بها كركن أساسي من أركان الدولة العميقة الجذور، ذات الهوية الواحدة والتاريخ الواحد والمستقبل المشترك. ولهذه الخطوة الأثر الكبير الذي سوف نلمسه في الحياة الثقافية والإبداعية وهي تحفظ سجل الفلسطيني منذ البداية، ذلك الارث الذي لم يُجمع إلى الآن في مكتبة وطنية بفعل الاحتلال وظروف الحياة التي لم تكن تسمح بمثل هكذا صرح شاهق بحجم ما قدم الفلسطيني للعالمين، وسيكون منارة من منارات المنطقة ومرجعاً ابداعياً، علمياً ومعرفياً، وصورة حضارية مشرقة تليق بالشعب الفلسطيني وهويته الحضارية والثقافية ودوره في الوجود.
قرار حكيم، لما يشكله من علامة فارقة قوية لها دلالاتها التي ستعزز من صور الشعب الفلسطيني المشرقة، وهو خطوة جادة ومسؤولة، وسبق لم تعهده الشعوب العربية من قبل، بأن يتحول قصر رئاسي لمنارة ثقافية وإبداعية في اشارة واضحة وصريحة، أن الثقافة الوطنية والانسانية هي الأساس، وهي أحد أركان نمو وتطور الدول العصرية، وهي أحد الأعمدة الرئيسية التي يرتكز عليها بناء الدولة الحديثة التي هي غاية منشودة للكل الفلسطيني، دولة تعيش بحرية وسلام واستقرار، وشعب يقدم حضارة للبشرية جمعاء، ويقدم نماذج متميزة في مختلف الحقول المعرفية والعلمية والوطنية، وهذا يضع الكل أمام مسؤولياته، ونحن نرى هذه البوصلة التي ترشدنا لبناء الدولة الحديثة القادرة على أن تكون نموذجاً مزدهراً على قدر حجم الرؤيا وأبعد.
لقد جاء القرار على مستوى طموح الفلسطيني الذي يجول في كل المحافل، ويُقدم للبشرية ما استحق أن يُكرم عليه، فحظي بالكثير من الأوسمة والجوائز في كافة الحقول وعلى مختلف المستويات، وكانَ له أن يتقدم خطوات إلى الأمام دائماً، بيد أنه كان يفتقر لمكتبة وطنية تجمع تحت قبتها ملحمة الفلسطيني الانسانية والثقافية والعلمية والوطنية والإبداعية، وتحفظ إرثه الذي جاوز الميلاد وما قبله، وسطر منذ كنعان آيات وجوده لتكن علامة فارقة في الوجود، وكتب حضارته الخالدة وعلقها أوسمة على جدران الانسانية، ولا زال على ذات الخطى، يسير نحو فضاءات الابداع رغم كل الظروف، وكل أشكال القهر اليومي، ورغم تتابع النكبات والنكسات، ماضٍ بكل ما أوتي من اصرار وعزيمة على أن يبقى، وسيبقى.
الخطوة التالية لا تقل أهمية على خطوة القرار الرئاسي الذي جاء بهذا السخاء الكبير، وهي خطوة البدء بالعمل الذي يحتاج لجهود كبيرة وغاية في الأهمية لكي يتكلل هذا المنجز الوطني بالشكل الذي يليق بتاريخ فلسطين وحضارتها، ويكون مركزاً لحفظ الموروث الثقافي والحضاري، لشعب طالما كان ولا زال، يقدم ويعطي في شتى المجالات، على أرض تستحق الحياة.
المهام الصعبة قد بدأت، وعلى الجهات ذات العلاقة أن تباشر عملها على الفور لكي نحتفل قريباً بهذا الصرح الوطني، الذي سيحفظ الموروث الحضاري والثقافي، وسيكون منارة من منارات الدولة الفلسطينية المستقلة، وإحدى أهم دعائمها الصلبة في مواجهة كل المخططات التي كانت ولا تزال لشطب هوية الشعب وتاريخه وتغييبه عن الوجود.