نشر بتاريخ: 31/08/2017 ( آخر تحديث: 31/08/2017 الساعة: 22:57 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
السلوك الاستهلاكي السلبي أخطر من الفقر ذاته . لانه يتحوّل الى قبول جمعي، وسرعان ما ينتقل من مرحلة السلوك الفردي الى السلوك الاجتماعي وصولا الى امراض المجتمعات الفقيرة وانتشار الفهلوة والبطالة والنفاق والكذب والشيكات الراجعة والتقاعس والبروليتاريا الرثة والتسوّل والاتكالية والكسل والمباهاة وتقليد الارستقراطيين وامراض سلوكية اخرى قادرة على افشال أية خطط تنموية .
ان فقدان المواطن الثقة بالنظام الاقتصادي والسياسي، يدفع الأفراد والجماعات الى الكف عن محاولات التغيير بتاتا، والاكتفاء بمحاربة اي قصة نجاح، وهو سلوك مرده خلل في النظام نفسه، ما سيضرب قيمة التعليم والعلم والعمل .
مثال على ذلك أن الطالب الذي حصل على معدل 95 علمي في الثانوية العامة، وحصل على امتياز في الجامعة لا يجد عملا . وبالمقابل فان طالب متسرب من المدرسة، واتكالي بمستوى ذكاء منخفض يحصل على وظيفة حساسة ، هذا لوحده كاف لتدمير جيل ونزع الأمل من عيون الخريجين .
فلاسفة الاقتصاد الماركسي، ادّعوا ان تغيير النظام السياسي سيؤدي الى تغيير النظام الاقتصادي نحو عدالة اجتماعية. وهذا خيال جميل لكنه بعيد المنال وقد تنتهي حياة أجيال واجيال قبل ان يتحقق في افريقيا واسيا وقارات اخرى .
فلاسفة الرأسمالية يدّعون ان نجاح الفرد مرتبط بنفسه، وبالتالي يبررون لحفنة من الاغنياء احتكار السوق ، ويفسرون فقر الجماهير بانه كسل ذاتي فقط ، وهذا تنصّل من المسؤولية، واعفاء الدولة من واجباتها .
فلاسفة اسلاميون ، هم مثل الماركسيين تماما . ادّعوا هم ايضا ان صلاح الكون مرتبط باقامة حكم ديني ، وانه وعند اقامة هذا الحكم الديني وحين يتولّون هم الحكم، حينها سيحق العدل ولا يبقى مظلوم او فقير . ولكننا نرى الدولة التي يحكمها المتدينون كم هي متخلفة تكنولوجيا وحضاريا وانها مجرد دول فاسدة ومستهلكة . ولو وافقنا على الانتظار تكون أجيال واجيال قد ماتت قهرا وفقرا .
والى حين تتحقق أماني الفلسفات المذكورة . تبقى الدولة هي المسئولة عن حياة الناس اليومية ، ويبقى التغيير حق وواجب معا ومكفول بدستور الامم التي تحترم مواطنيها، وهذا ما نريده الان . فنحن لسنا بحاجة الى اظهار صحة او عدم صحة الفلسفات الثلاث المذكورة ، وانما بحاجة الى محاولات انقاذ المجتمعات العربية ، والمجتمع الفلسطيني المحاصر من الاحتلال ، والمسلوب الارادة ، والذي فقد السيطرة على موارده وحدوده . كي يجد فرصة للمشاركة في نجاح البشرية وضمان حياة كريمة .
ما يحدث الان .. هو مجرد تجارب فقيرة وغير مدعومة بنظريات حديثة، انها مجرد عمليات تجريبية من بعض الوزراء على المواطنين وكأنها عمليات فاشلة على البث المباشر ، وترى كل وزارة تدّعي كل عدة اعوام انها تملك خطة ناجحة، والواقع يشير الى ارقام مخيفة مغايرة لما نسمعه من المسئولين .
في زمن ياسر عرفات وصل مستوى النمو الى 30% والى 40% . وفي سنة 2008 مع سلام فياض وصلت نسبة النمو الى 13% . اما الان فان نسبة النمو في المجتمع الفلسطيني قد وصلت الى 2% فقط . مع الاشارة الى ان خبراء الاقتصاد يرون ان انخفاض نسبة النمو في أي مجتمع تحت 6% يعتبر كارثيا .
لا أعرف كم تبلغ نسبة النمو في غزة !! فعلا لا أعرف . كما لا أرى ان خبراء الاقتصاد يزودوننا بهذه الارقام بقدر ما تمتلئ مجلاتهم ونشراتهم بتقارير تشبه تقارير الصحافة ، ولا تهتم سوى بالعناوين وشد نسبة القراء .
لا أرى ان خبراء الاقتصاد الذين صدعوا رؤوسنا منذ الانتفاضة الاولى بدراسات "وهمية " حول رؤيتهم للاوضاع ، لا أراهم الان يقترحون علينا حلول بقدر ما تحتوي مقالاتهم على شتائم واتهامات . هم يجيدونها لتغطية فشلهم في طرح خطط انقاذ للاوضاع . ولو حاولت ان تسأل ايا منهم عن خطة انقاذ ، ستسمع منه وابلا من الشتائم والقدح ضد الاخرين !!!!
هل يوجد اية حلول عاجلة لجيش العاطلين عن العمل ؟
هل يوجد محاسبة اقتصادية اساسا ، تلاحق من كتبوا المغالطات وباعوا الوهم للمجتمع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس ؟ ام انهم ذاتهم خبراء جميع المراحل وأسياد كل المنابر ؟
هل يوجد مراكز تخطيط وتفسير ومتابعة لا تتبع لحزب او جماعة ؟
هل يوجد من يسائل التنظيمات : لماذا هي غنية ولماذا المواطن فقير ؟
ان تغيير السلوك الاقتصادي ، يبدأ يتغيير التفكير . وطلب التفسير .
ان النجاح والخروج من الأزمة يبدأ بانفتاح العقل ويبدأ بالملاحظة ، والمراقبة ، والتجربة ، وصولا الى الفرضية .
قرأت ما نشرته المراكز الاقتصادية في الاشهر الثلاثة الاخيرة .. ومرة أخرى لم أجد سوى المزيد من البكائيات واللطائميات والعنتريات لا تنتهي .
سيدي الرئيس
ان رام الله لا تحتاج الى مكتبة وطنية في قصر سردا . ومع احترامي لانفعال صديقي وزير الثقافة لهذه الفكرة ، فاننا لا نحتاج الى مكتبة في عصر الهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي . وانني ارجو من الرئيس والقيادة اعادة النظر في هذا المرسوم .
كان الأولى ان نجعلها مدرسة للذكاء الاصطناعي ، أو كلية لدراسة النانو ، او جامعة لتعليم "هاي تيك" .