الإثنين: 10/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

هل تؤثر الأفعال السلبية لمنظومة الأمن على السلم الاجتماعي؟

نشر بتاريخ: 09/09/2017 ( آخر تحديث: 09/09/2017 الساعة: 10:20 )

الكاتب: أحمد طه الغندور

إن الحديث عن الأمن في المجتمعات العربية يعتبر من الأمور الشائكة، فترى البعض يُعرض عن مناقشة هذا الموضوع طلباً للسلامة، وآخر يتحدث من خلال الجوانب التي تمُس حقوق الإنسان وهم عادةً يصدرون أحكام مسبقة في مثل هذه القضايا دون منح الجهات الرسمية الوقت المناسب لعرض ما لديها حول هذه القضايا، أما الشق الثالث فيبدو أنه يهاجم الأجهزة الأمنية وفقاً لأجندة خارجية يراها أهم من الوطن أو أمنه القومي.
لكن هل يعني هذا الحديث أن المنظومة الأمنية في أي بلد ما معصومة عن الخطأ في تأدية عملها ويقوم جميع أفرادها بالدور المنوط بهم على الوجه الأكمل؟ بالطبع لا فهناك مخالفات وقد تكون جسيمة تؤثر على المجتمع بكافة مكوناته تمس بالسلم الاجتماعي والأمن القومي للمجتمع.
ولعل جل تفسير هذا الأمر يمكن أن يُستفاد من نص الآية (82) من سورة الأنعام حيث ورد فيها “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"؛ فمرجع أمن الدنيا والآخرة بالنسبة للبشر يعود إلى كف الظلم الذي حرّمه المولى عز وجل على نفسه.
ولو نظرنا إلى تجارب الشعوب ولن نغوص عميقاً في التاريخ بل نعود إلى زمن الاتحاد السوفيتي وزمن المانيا الاشتراكية، فقد سعى هذان النظامان إلى حُكم شعبيهما بالحديد والنار لسنوات طويلة فماذا كانت النتيجة؟
لقد انهار النظاميين وتحررت الشعوب وتم صياغة نظم سياسية جديدة ذات مفاهيم خاصة بالأمن القومي تحمي السلم الاجتماعي.
فأين يكمن الخلل في تصرفات وأفعال المنظومة الأمنية التي يمكن أن تمُس بالسلم الاجتماعي؟
الله سبحانه وتعالى أرجع الأمر إلى "الظلم" وهذا يشمل صور متعددة؛ منها ما ينبع عن الغرور المصاحب للسلطة فتجعل صاحبها يتطاول على المواطن البسيط، ولعل أوضح مثال لها قضية "بوعزيزي" في تونس والتي أشعلت الثورة الأولى والحقيقية فيما يسمى بـ "ثورات الربيع العربي".
ومن أخطر المسائل التي تذهب بهيبة الأمن وتطيح به بعيداً عن دوره الأساسي الانشغال بالقضايا الثانوية؛ فما علاقات الأمن الخارجي بالخلافات الزوجية؟ وما علاقة الأمن السياسي بقضايا الميراث في المجتمع؟ لا يوجد أدنى نسبة من العقل تبرر قيام مثل هذه الأجهزة بكذا تدخلات إلا أنها تعكس فساد لدى القائمين بها.
كذلك من أخطر الممارسات التي قد يقوم بها أفراد المنظومة الأمنية محاولة التأثير أو التدخل في أعمال النيابة والقضاء، على أساس أنهم أمناء وحريصون على المجتمع فإن صدقت نواياهم أو كذبت فهم فاسدون ومفسدون فالقضاء لا سلطان عليه ويجب عدم التأثير في أحكامه أو اجراءاته.
ولا شك أن غياب الرقابة الداخلية والتستر على المخالفين من أبناء هذه المنظومة يعمل على سرعة تفشي الفساد بين أعضائها لغياب الرادع، بل هو إذن صريح لكل من تسول له نفسه بممارسة الفساد وتدمير المجتمع بل والقتل أحياناً بقصد أو بدون قصد، وهذا من أخطر الجرائم التي تضرب المجتمع.
لذلك فإن هذا غيض من فيض، وتمثيل لبعض المخالفات التي قد تكون في البداية صغيرة ولكن بالسكوت عنها هي تهدد أمننا القومي وسلامنا الاجتماعي، فمثل هذه القضايا خاصةً بعد أن أصبحت فلسطين طرفاً في العديد من الاتفاقيات الدولية وبالتحديد ميثاق روما الخاص بمحكمة الجنايات الدولية إذا ما أثبتت بأن هناك سياسة ونهج لدى هذه الأجهزة في ممارسة هذه المخالفات فإنها تُعرض المسؤولين في الدولة للمسؤولية الجنائية بداية من رأس الهرم ممثلاً في شخص رئيس الدولة أو رئيس الوزراء والوزراء وصولاً إلى رؤساء الأجهزة الأمنية المعنية وأفرادها.
لذلك علينا عدم التهاون مع مرتكبي هذه المخالفات والجرائم وكف أيديهم أن مثل هذه الأعمال المخلة حتى لا يدفع الشرفاء والمجتمع ضريبة فاسد تم التغاضي عنه، ولعله من الأنسب تكثيف الدورات العلمية والمهنية لكافة العاملين في المنظومة الأمنية مهما علت رتبهم ودرجاتهم، مع الأخذ بمبدأ التدوير في المناصب فلا يبقى أحدا كملك متوج على كرسيه يحصد رؤوس العباد.
ولعل قرار السيد الرئيس الخاص بتشكيل لجنة وطنية لتطوير قطاع العدالة ولمراجعة منظومة التشريعات القضائية، واعداد رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء، يعتبر خطوة هامة جدا لفتح الآفاق لدراسة كافة الجوانب التي تُعنى بها العدالة ومن ذلك ما أشرنا إليه فيما يخص المنظومة الأمنية، كي نحقق للأغلى ما فينا ألا وهو المواطن الفلسطيني البسيط حظه من الأمن والسلم الاجتماعي فقد كفاه ما يكابد من الاحتلال طيلة سنوات عديدة عجز التاريخ عن سبر غورها. والله المستعان.