الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في تعريف الصراع: على جبال القدس الغربية مثالا!

نشر بتاريخ: 01/10/2017 ( آخر تحديث: 01/10/2017 الساعة: 09:57 )

الكاتب: تحسين يقين

تسارعت أسئلة سارة حول الجنود بشكل خاص، فماذا أجيب غير تخفيف خوفها منهم؛ فتطمئن نفسها بأنهم لا "يطخون" الأطفال!
احتاجت لهذه المساحة من الأمان، لنكمل طريقنا من "روضة الطفل السعيد" إلى بيت دقو شمال غرب القدس، حيث موسم العنب يكاد يودعنا، سوى من نوع الحلواني الذي تظل حباته صامدة لحدود الشتاء..
سارة ابنة ال5 سنوات ورثت أسئلة أطفالي الثلاث: التوأم محمد وأسماء 15 عاما، وأحمد14 عاما،
وسوف تغرق عمها سعيد، استاذ العلوم السياسية، الذي اعتقل لساعات لاحتجاجه على على العقوبات الجماعية ضد الإنسانية المعذبة هناك في جبال القدس الغربية، من قبل جنود الاحتلال من على باب النفق الذي يربط قرى شمال غرب القدس مع شقيقاتها الجيب والجديرة وبير نبالا ورام الله.
ستستخدم كل أسماء الاستفهام، وستكررها وتنوع بشكل إبداعي بما يلائم ذكاء طفلة ووو...وخوفها!
ما الذي يمكن مخاطبة ابناء وبنات شعبنا به؟ المجتمع الإسرائيلي؟ والعالم؟ كل على حدة..أو متفرقين..
هناك على جبال القدس حيث يسكن العنب والزيتون والأسئلة..ثمة مجال لتعريف المسميات، بعضها لعلنا نلقي الضوء لمن لا يعرف عن المسألة شيئا، وسنقبل بحكمه على هذا الصراع!
عمها دكتور سعيد يقين، هو أحد قياديي الحركة الوطنية في القدس، وأحد عنابي بيت دقو، الذي ورث زراعة العنب في جبال بيت دقو التي تنام بحب في حضن القدس الحنونة، والذي يقضي وقته بين جماهير القدس والمحاضرات وكروم العنب؛ فلا يكاد يبدأ بقطف ثمار العنب، إلا وتراه يردّ على الصحفيين ورفاق الحركة الوطنية؛ فستفز الحاجة نعمة يقين:
وبعدين يا سعيد؟ بدنا نتخلص يا خييّ!
- .....................................
النفق: طريق بديلة للطرق التي سرقها الاحتلال الإسرائلي لصالح مستوطني/ات جفعات زئيف حداشا وجفعون، وشمويل، وهارادار. وقد بدأت السرقة قبل الانتفاضة الثانية!
جفعون: معسكر أردني صغير على أرض قرية الجيب الموغلة في تاريخها الفلسطيني-الكنعاني العريق، وما تلا ذلك من حضارات. والجيب لها سهل جميل، يطعمنا أجمل الخضار خصوصا الفقوس الحلو، ويطعمنا والقمح و"الفريكة"، والذي صار لسنوات مكبا للمياه العادمة القادمة من مستوطني جفعون. لو كانت نوايا الاحتلال سليمة لما حولوا المعسكر إلى مستوطنة تحترف تخريب تراب سهل الجيب بمياهها العادمة الوسخة الكريهة!
شمويل: مستوطنة على تلال قرية النبي صموئيل الجميلة، تتمدد بحرية وقحة، في حين تهدم سلطات الاحتلال سورا صغيرا يتم بناؤه اتقاء للكلاب الضالة! ما بين النبي صموئيل وشمويل أمتار، وفجوة زمانية عصرية، نتاج كذبة: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
هارادار: معسكر ربما عثماني فإنجليزي، فأردني، فمستوطنة على أرض قرويي بدو وبيت سوريك والقبيبة وقطنة..
وهارادار، اسم ذاع في عقب العملية الأخيرة، والتي ما زال خبراء الاحتلال يتساءلون عن كيفية حدوثها وبراعة الفعل، في ظل سهرهم طوال الليل للتفنن في تعذيب قرويي شمال غرب القدس؛ فقد كانت البوابة الحديدية الصفراء جاهزة من قبل، فركبها الجنود، وكانت رصاصاتهم موجودة فأطلقوها على الأطفال والفتيان، وكانت قنابل الغاز هي الأخرى موجودة وبكثافة، لتخرب فضاء القرى الجميل.
وسارة طفلتي، من روضة "الطفل السعيد" تكثر من أسئلتها، التي تثير فكري السياسي والوجودي والتربوي، وتثير شجني وغضبي كثيرا؛ فإلام سنظل تحت الاحتلال؟ وهل سيطول بما يكفي أن تورث سارة أسئلتها لابنتها مثلا!
وسارة ابنة روضة "الطفل السعيد"، هل ستكون هي وأطفال فلسطين سعداء؟ أم سنظل في مجال المجاز المرسل: باعتبار ما سوف يكون..!
وسارة التي هي من "الطفل السعيد"، يعنّ لها أن تصف روضتها بمحمود درويش، باسم المدرسة اللصيقة بها، وهي التي سألتني كثيرا عن محمود درويش والشعر..وهي التي صارت تؤلف كلمات بريئة تلحنها حينا وتحاكي من خلالها لحنا آخر.
ومحمود درويش هو من أنهى قصيدته الخالدة "بطاقة هوية:
سجل برأس الصفحة الأولى
"أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
ولكني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار حذار من جوعي
ومن غضبي"
وهو الذي قال في القصيدة كل ما يقال..لقد كفانا القول، وترك للإنسانية في هذا العالم: الفعل.
"أنا إسم بلا لقب
صبور في بلاد كل ما فيها
يعيش بفورة الغضب
.........
سلبت كروم أجدادي
وأرضا كنت أفلحها
أنا وجميع أولادي
ولم تترك لنا و لكل أحفادي
سوى هذي الصخور
فهل ستأخذها
حكومتكم كما قيلا؟"
وما الذي يمكن الحديث به داخل جدران البيت ونحن نشاهد أخبارنا؟ بل ما الذي نتحدث به ونحن نرى الحدث من نوافذ البيوت والسيارات؟
لعلنا نستطيع الاحتفاظ بأكبر قدر من الشعور الإنساني والعقلانية الملتزمة تجاه أنفسنا والإنسانية، وتجاه هذا الصراع المعقد هنا الذي نحياه لا مجرد نراه ونسمع به؟
كيف سننظر تجاه عقوبات الاحتلال تجاهنا هنا، والتي تندرج ضمن إرهاب الدولة، ونحن (المفروض) على ابواب استئناف العملية السياسية السلمية!
اعتقالات وارهاب المدنيين، تواجد مكثف..اصابات للفتيان، وطائرة تصوير لأهالي بلدة بدو وشمال غرب القدس؟ اخطارات بهدم بيوت، حتى بئر ماء لم يسلم من التهديد بالهدم!
ويتوّج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك كله بعدم النية بالانسحاب مستقبلا من أية مستوطنة؛ فعلام سنتفاوض معا؟
جدل هنا وجدل هناك؛ تحليل وبحث عسكري، ونقاشات عصبية منفعلة تارة وحزينة تارة أخرى، وتعبة تارة ثالثة، وإن استمعت للقرويين هنا وهناك، فستستمع لردود متنوعة، كلها تعكس الواقع!
وحده ربما الشاعر من ما زال يمتلك الإجابة الوافية لا الديبلوماسية، والذي جعل نهاية القصيدة استحقاقا لما منها...
إنها النتيجة يا خبراء علم النفس والاجتماع سواء من كنتم موظفين في جيش الاحتلال، أو في المراكز الداعمة له.
اقرؤا محمود درويش فقط اعيدوا قراءته تتجنبون كل هذه الدماء!
اقرؤا قوله:
"ولكني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي"، ستجدون بسهولة إن تعمقتم طويلا أن الجوع ليس لقمة خبز وماء، بل لعل كسرة الخبز رمز لجوع شعب للحرية والتخلص من القيود التي على أيدينا وأما عيوننا وعلى أرضنا وعلى طرقنا وفي فضائنا أيضا!
لكن منطق الغزاة هو نفسه، لذلك يؤثرون تفسيراتهم، بعيدا عن هذا الصراع، دون أن يدركوا أن فيما يفسون ويبررون يكمن الحق وتكمن الحقيقة: سبب كل ذلك مصدره الاحتلال!
وهكذا صرنا شعراء، فكيف سننفق فضاء زمننا هنا في هذا القفص الغريب، يضيق، ثم يضيق أكثر، وحين يعود لضيق أمس نشعر أن اتسع، فنضحك على خيبة الاحتلال، الذي إنما يصرّ بجنون على سجن نفسه في هذا الوحل!
وحدنا؟
ماذا ترى هناك في الأفق؟
أرى ما يراه الأطفال!
 الشعر؟
 وهل غيره يبقى بعد هذا الغبار!
 تعالوا نخلص من هذا الغبار!
كيف؟
 ننهي هذا كله، ننهي الاحتلال، ونعيش معا أو قل نتعايش..
- !!!؟؟؟
 لعل الإسرائليين أخيرا يفكرون بتجربة طريق بديل لكل هذا العبث والدماء!