الإثنين: 10/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

السنوار.. ليس نبي "حماس"!!

نشر بتاريخ: 01/10/2017 ( آخر تحديث: 01/10/2017 الساعة: 16:58 )

الكاتب: عماد عفانه

لم يكن شارل ديغول نبيا عندما قاد بلاده للتحرر من الاستعمار الألماني، تماما كما لم يكن نيلسون مانديلا نبيا عندما قاد حملة التحرر من التمييز العنصري، وعلى شاكلتهم كثيرون من العظماء عبر التاريخ الذين حققوا لشعوبهم قفزات وانجازات على طريق النهضة التحررية والتقدم.
فهؤلاء العظماء لم يكونوا بلا أخطاء، وكذلك هم زعماء أي أمة، تماما كزعماء شعبنا بدءا من عبد القادر الحسيني مرورا بعز الدين القسام وربما ليس انتهاء بياسر عرفات.
وعلى نهجهم يسير القادة والزعماء يجتهدوا في السياسة التي ليست لها قوالب ولا محددات، فيصيبون ويخطئون.
وعلى هذا النهج يسير قادة حركة حماس الذين برز من بينهم هذه الأيام يحيى السنوار، الذي يشاء الله أن تتحقق على يديه المصالحة التي سعى لها من سبقه من قادة حماس لسنوات طويلة، إلا أن الظروف الموضوعية وظروف الإقليم والإرادة الدولية كانت تحول بالقوة دون تحقيقها.
فلم يكن الأمر بحاجة إلى كل هذه السنوات لتعرف حركتي حماس وفتح أن لا مخرج سوى التوحد في خنادق المقاومة والصمود أمام المحتل ومخططاته التصفوية.
وليس يحيى السنوار وحده من يعرف أن حكم حماس لغزة أتفه من حياة طفل في المشفى لا يجد دواء جراء الحصار.
فالأمر قطعا وحتما لا يتعلق بانتخاب السنوار قائداً لقطاع غزة كما يعتقد البعض، كما لا يرتبط الأمر بنقل مركز ثقل حركة حماس لقطاع غزة كما يذهب البعض، ولكن الأمر أبعد وأعمق من ذلك.
الأمر يتعلق بتغيير إدارة في البيت الأبيض تمتلك رؤية جديدة لإعادة تقسيم الإقليم.
الأمر يتعلق بحكومة صهيونية ذات أجندة واضحة تقضي بإنهاك المقاومة في غزة لدرجة قبولها بانتقال ثقل السلطة من الضفة إلى غزة لتكمل مخططها في التهويد والابتلاع والضم.
الأمر يتعلق بانهيار محاور ونشوء أحلاف وتغيير أنظمة تختلف طرق عملها ونظرتها لتطويع الفلسطينيين.
الأمر يتعلق بهجوم عربي كاسح للتطبيع والسلام بمختلف مستوياته مع العدو الصهيوني بعدما تبادل الأصدقاء والأعداء المواقع وأصبحت "اسرائيل" حامية كراسي وعروش ملوك وأمراء العرب.
هونوا على أنفسكم أيها الكتاب والمحللون، فلم يكن خالد مشعل الذي شغل مقعد رئاسة المكتب السياسي لحماس لأكثر من عقدين عقبة في طريق المصالحة، بل كان ومعه كل إخوانه من قادة الحركة من أشد المتحمسين والداعين والساعين لها وما زال.
مستلهمين في ذلك درب الأب الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين الذي كان شعاره (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
من طالع كتب التاريخ يدرك أن للنهضات من الكبوات مسارات محددة بغض النظر عن القادة الذين عاصروها، ولكن للحقيقة التي يمكن رؤيتها بوضوح أن هناك بصمات واضحة ودورا مشهودا لشخصيات تمكنت من تغيير مجرى التاريخ، وعشر سنوات من الانقسام والحصار ربما لن تذكر في كتب التاريخ العظيم والطويل والممتد لأمتنا من المعالي والأمجاد، ولربما يذكرها كهفوة وقعت على حين غفلة.
في الكيانات والتنظيمات ذات المؤسسات الشورية العريقة يلعب الفرد دوراً في رسم السياسات بالرغم من ثبات الرؤية التي تضعها تلك المؤسسات، خصوصا إذا كان هذا الفرد يشغل منصب القيادة بشكل ديمقراطي في إقليم يموج بالهزات والتحولات، مثل القائد السنوار، وهكذا فعل من سبقوه في ذات المكان إلا أن ظروف الإقليم والفيتو الذي كانت تضعه الرباعية الدولية والعربية على المصالحة لم تخدم مساعيهم في تحقيقها.
لم تسيطر حماس على قطاع غزة بإرادتها المخططة عن سابق إصرار، بل دفعت إلى ذلك دفعا وكأنه كان فخا نصب لها لتتسلم حكم قطاع غزة الذي تسبب بإنهاكها على كافة المستويات، وتسبب في تأخر النهوض بالمشروع التحريري كما يجب لأكثر من عشر سنوات عجاف.
رغم ذلك فحركة حماس لم تغلق على نفسها الباب وحاولت دون كلل أو ملل أن تتقدم طوال عقد من الزمان وطرقت كل الأبواب لإعادة اللحمة إلى الوطن، ولفتح القنوات المسدودة بقرار دولي من جديد لكن دون جدوى، ووظفت كل علاقاتها الخارجية لتحقيق المصالحة عبر كثير من الاتفاقات مع الرئيس عباس، إلا أن الفيتو الدولي كان أقوى من هذه الاتفاقات.
ربما تآكلت شعبية حماس في قطاع غزة خلال سنوات حكمها، لكنها كانت سرعان ما تستعيدها عقب كل جولة مع العدو الصهيوني تمرغ فيها أنف صلفه العسكري في التراب.
لذلك لم تكن قصة الشعبية هذه من دوافع المراجعات أو سببا في تراجعها خطوة للخلف، بل كان مشروع حماس التحرري ونظرتها العميقة للنهوض الثوري بالشعب والقضية، هو الدافع الأهم لهذه الخطوة التي كانت تسعى إليها منذ زمن.
ليس السنوار وحده من يتمتع بالحنكة في إدارة السياسة وليس أكثرهم ذكاء في الحفاظ على حركته التي بدأ الكفاح فيها مع الكثيرين من اخوانه الذين يعلمون أن حكم قطاع غزة كان خطوة المضطر وأن الاستمرار بهذا الوضع لا ينهض بمشروع التحرير كما يجب أن يكون.
خصوصا وأن القضية الفلسطينية تمتلك الكثير من أوراق القوة وأسباب النهوض، وأن أحد أهداف المخطط الصهيوني هو حشر المقاومة في غزة وعزلها عن مختلف الساحات للحيلولة دون احياء مزيد من جبهات المقاومة على حدود فلسطين الطويلة.
بكل الأحوال نأمل ومعنا كل المخلصين من أبناء شعبنا أن تتسلم الحكومة بغزة مهماتها ووزاراتها، وأن يستفيد الكل الفلسطيني من تجربة الماضي وأخطائه وأن يبدي الجميع المرونة المطلوبة لإعادة تشكيل المؤسسات الفلسطينية الجامعة.
وأن يدخل الجميع الانتخابات بأفق منفتح وبرنامج أكثر انفتاحاً، ليس ليقصني أحدنا الأخر بل لنتشارك جميعا في التجذيف بالسفينة إلى بر الحرية والانعتاق، وأن تعمل حماس على رأب الصدع في جدار حركة فتح، لأن قوة فتح هي قوة للشعب الفلسطيني.