نشر بتاريخ: 07/10/2017 ( آخر تحديث: 09/10/2017 الساعة: 10:10 )
الكاتب: د.اسعد عبد الرحمن
الدولة الصهيونية مقتنعة، في أعماقها، بأنها أمام خيارين كلاهما مر: فهي بين تهديد وجود طابعها اليهودي إذا أرادت أن تكون دولة ديموقراطية يتساوى فيها الجميع، وبين أن تتحول إلى كيان فاشي وربما نازي يجلب عليها الإدانات والشجب وربما يعرض وجودها للخطر. وفي مواجهة هذا المأزق، ورغما عنه، ترفض الدولة الصهيونية أي حل أو تسوية مع الفلسطينيين وتفضل الحفاظ على الوضع القائم رغم أن بعض القوى المتنفذة فيها تسعى إلى تغيير الوضع الراهن إلى احتلال كامل للوطن الفلسطيني.
في القرن الواحد والعشرين حيث تسعى دول العالم الطبيعية، عبر تدريس “المدنيات” لطلبتها لتنمية وتكريس قيم الديمقراطية واحترام حريات وحقوق الآخر أفرادا وأقليات، تواصل الدولة الصهيونية التعامل مع فلسطينيي 48 كأعداء وطابور خامس، وتفتيتهم بصفتهم أقلية قومية لعدة طوائف مع التركيز على الهوية اليهودية للدولة، مع توغلها في مصادرة أراضي الفلسطينيين التي تقام عليها المستعمرات/ “المستوطنات” الصهيونية حتى من غير مصادقة حكومية، وصدور أحكام في قضايا مختلفة تجيز مصادرة أي أرض فلسطينية دون موافقتهم ودون حصولهم على مقابل “عادل”، في ظل مشاريع سياسية تظهر بين الحين والآخر، هدفها تصفية القضية الفلسطينية، لن يكون آخرها خطة عضو الكنيست من “البيت اليهودي” (بتسلئيل سموتريتش) وجوهرها القائم على التطهير العرقي، والتي تتلخص بفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية المحتلة وتكثيف الاستعمار/ “الاستيطان” وحل السلطة الفلسطينية وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة لخارج فلسطين التاريخية، أو أن يواجهوا ردة فعل عسكرية قوية في حال تصدوا لتطبيقه!.
هنا يظهر الوجه الحقيقي لحكومة الاحتلال واليمين الإسرائيلي المتطرف، على حساب الحق الفلسطيني، التي تؤسس لنظام فاشي ولربما نازي، تماما كما جاء في قانون “القومية اليهودية” الذي يعرف إسرائيل بأنها “دولة يهودية” و”البيت القومي لليهود”، أي تفضيل “يهودية الدولة” على “الديموقراطية". وعلى قاعدة “من لسانك أدينك”، يقول الكاتب الإسرائيلي (زئيف شتيرنهيل): “نحن لسنا بحاجة إلى أي ثقافة قانونية كي نفهم أنه اذا كان لشعب ما حق في تقرير المصير، فإن هذا الحق محفوظ لكل شعب آخر. اذا كان لنا، نحن الإسرائيليون، حقوق إنسان فليس من حقنا أن نسلبها من الفلسطينيين الذين لنا معهم صراع قومي، أو نحن معهم في حرب على تقسيم الأرض.. الديمقراطية الإسرائيلية موجودة في مرحلة متقدمة من التلاشي والتفكك. الاستيطان يسلب بصورة صريحة حقوق الفلسطينيين”.
في السياق، يقول الكاتب الإسرائيلي (حيمي شيلو) في حديثه عن تلك الأقلية التي تسيطر على اليمين الإسرائيلي من خلال مواقفها وشعاراتها المعادية للديمقراطية والعلمانية وحرية التعبير: “اليمينيون الذين يمكن أن نسميهم “اليمينيون الجدد” يحتقرون الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير وسلطة القانون، ويتملصون من المساواة في الحقوق ومن الإنسانية والرحمة، هم يحبون أرض إسرائيل القومية المتطرفة الموجودة في خيالهم، ويحتقرون دولة إسرائيل السيئة والقديمة في نظرهم. وفوق كل ذلك لديهم الوقاحة لإطلاق وصف "اليهود الذين يكرهون أنفسهم" على اليساريين والعلمانيين وجميع الإسرائيليين الذين يتمسكون بما بقي من حلم الدولة اليهودية والديمقراطية”!
والحال كذلك، فإن النظام القائم في الدولة الصهيونية قد تطور إلى شكل من أشكال الفاشية/ والنازية، وملامح هذه الفاشية/ شبه النازية تغزو بقوة المجتمع الإسرائيلي، فهو يشكل بيئة مناسبة للتطرف وميدانا واسعا لنشاط اليمين واليمين المتطرف وقاعدة للحركات الفاشية/ شبه النازية.
وفي هذا السياق، قارن الدكتور (عوفر كسيف) محاضر العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، القانون القومي الاسرائيلي بقوانين هتلر النازية، في محاضرة أثارت موجة غضب كبيرة، خاصة حين بين: “إن قوانين إسرائيل العنصرية تمنع العرب من السكن في مناطق محددة، وهي تشبه قوانين النازية ايام هتلر”. أما الكاتب اليساري (جدعون ليفي) فكتب يقول: “نازيون جدد؟ لدينا الكثيرين منهم، من إنتاج إسرائيلي، نازيون جدد عبريون، صيغة إسرائيلية. لدينا محتل وواقع تحت الاحتلال، يمين عنيف وأحيانا قاتل. كل هجوم للمستوطنين على المزارعين الفلسطينيين في أراضيهم يتم وصفه كمواجهة، وكل احتجاج فلسطيني ضد عنف المحتل… يشبه مواجهة بين شعبين. ما فوق اليمين الإسرائيلي ليس نازية جديدة، لكن على هامشه تنمو آلاف الأزهار النازية الجديدة التي لا يفكر أي أحد في ازالتها. الفاشية في إسرائيل موجودة منذ فترة طويلة. النازية الجديدة بدأت بالظهور: إذا كانت منظمة “لاهافاه” (منع الاندماج) ليست نازية جديدة فما هي النازية الجديدة؟ إذا كانت “لافاميليا” (منظمة يهودية من مشجعي فريق بيتار القدس الرياضي لكرة القدم تحرض على قتل وسرقة العرب والمسلمين) ليست نازية جديدة فما هي النازية الجديدة؟ إذا كان إحراق عائلة في قرية دوما وقتل الفتى محمد أبو خضير ليست أعمالا نازية جديدة فما هي إذا الأعمال النازية الجديدة، ناهيكم عن اللافتة التي تقول إن هذه المنطقة تحت سيطرة يهودية ودخول العرب الى هذه المنطقة ممنوع، لأنهم يشكلون خطرا على حياتنا”!!!
على وقع تحولات الدولة الصهيونية المتسارع نحو الفاشية/ النازية، لن يكون بالإمكان الرهان على فرص تسوية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي (اللهم إلا إذا اتفق قادة الغرب مع قادة الشرق وفرضوا مثل تلك التسوية). فالدولة الصهيونية اليوم، بصورة أوضح من الأمس، أضحت ملامح الفاشية/ النازية فيها حقيقة لا ينكرها إلا جاهل.