نشر بتاريخ: 08/10/2017 ( آخر تحديث: 08/10/2017 الساعة: 18:09 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
مزعجة هي التحاليل والقراءات السياسية، التي تتحدث عن منتصر وخاسر في المصالحة، من طراز أن حماس خضعت بعد أن سُدت أمامها الأبواب العربية والدولية، أو أن حركة فتح في المقابل قد استجابت لضغوط عربية، ولم تجد مناصاً سوى في القبول.
هذه توصيفات وإنْ أسندها أصحابها إلى معطيات ومواقف، لا تسهم في ترطيب الأجواء وتضميد الجراح وتهيئة الطريق، بل تعيدنا إلى المربع الأول.
لماذا يصر بعض المحللين السياسيين على تركيز النظر في النصف الفارغ من الكأس، ويتعامون عن الملآن؟ - ولماذا لا نقرأ الأمر بعين إيجابية تفاؤلية، منطلقين من حقيقة، أن المصالحة أصبحت خياراً لا يمكن التراجع عنه.
وبدل إجهاد أنفسنا وإغراقها في السلبي، لماذا لا نمسك بمفاتيح الإيجابي، كأن نقول وبالتحليل، إن حركة حماس تنظيم يتفاعل مع تطورات الساحة الفلسطينية، ويقرأ المتغيرات العربية والدولية ويستخلص ويقرر وأن حركة فتح في ظل انسداد الأفق التفاوضي، وأمام مخططات شطب القضية والانقضاض عليها، وجدت في توحيد الساحة وترتيب الأوراق الداخلية، سبيلاً لإعادة الاعتبار لقوة الفلسطينيين المتمثلة في عدالة قضيتهم أولاً، وفي تعزيز هذه العدالة بوحدة وطنية، تحرج المتربصين بنا، وتقوي مواقف الداعمين والمؤيدين على الساحة الدولية.
من الخاسر من استمرار الانقسام؟ حركتا فتح وحماس كانتا خاسرتين بالطبع، أما الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني، الذي زاده الانقسام وجعاً وألماً وتشظياً نفسياً وشتته في دروب البحث عن الحقيقة.
الجوهري والملح الآن أن نغادر مربعات الفئوية، وأن ننطلق إلى آفاق وطنية أوسع، ترى أبعد من الفصيل، ما دامت الفصائل والأحزاب هي وسائل وليست هدفاً بحد ذاته.
أما السؤال الذي يختزل كل الأسئلة الذي ينبغي التصدي للإجابة عنه، لمعرفة أي إنجاز وطني حقيقته في المصالحة، هو لماذا حكومة نتنياهو منزعجة من المصالحة وتعتبرها ضد إسرائيل؟
وأجابتنا عن السؤال المطروح تلخص أية هدية قدمها الإنقسام على طبق من ذهب لإسرائيل؟
فقد تأخرنا سنوات إضافية عن الوصول إلى أهدافنا في التحرر، وغرقنا في أزمات نفسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية وأمنية وفكرية، وجعلنا نسبة كبيرة من شعبنا تفقد الثقة بالفصائل والسياسة، ومن لا يصدق عليه الرجوع إلى استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الانقسام.
وكان على المحللين أن يتصورا مشهداً فلسطينياً مأساوياً لو استمر انقسامنا عشر أو عشرين سنة مثلاً. شعب مقسم منقسم تقوده استراتيجيتان وايدولوجيتان وتحالفات دولية مختلفة ومناهج تعليمية تفسر وتشرح للطلبة بأسلوبين متناقضين وإتحادات نقابية مشتتة وكتاب يتوزعون في جغرافيتين يتصدون إلى هموم جعلتها سياقات وضعين متباينين تأخذ اتجاهات وكأننا نعيش في بقعتين جغرافيتين، كل بقعة لها اهتماماتها وهمومها وتطلعاتها.
الأخطر في الانقسام لو استمر، هو التشظي الثقافي والنفسي، بمعنى أن ظروف الحياة في القطاع ستقود الأمور إلى مفردات ومصطلحات ومفاهيم ثقافية تتشكل في سياق زمني وتتفاعل مع واقع موضوعي مختلف، وبالتالي يصبح المواطن في قطاع غزة يتشارك مع مواطن الضفة، ربما في اللغة والمفاهيم العامة، بعيداً عن روح التفاصيل، كما هو حال شعوبنا العربية الشقيقة، البعيدة عنا جغرافياً، التي عندما نقرأ لكتابها ومثقفيها تجد أنهم يتفاعلون مع واقعهم في سياقاتهم الخاصة في ظروف موضوعية متباينة بين ساحة عربية وأخرى، بفعل تجزئة الوطن العربي وفرض خصوصيات وأولويات على ساحاته وشعوبه.
المأساة لو استمر الانقسام، لكنا أمام ثقافتين، وحينها تضيع الفرص، ويصبح الحديث عن التوحيد ضرباً من ضروب الخيال. فأن تصل متأخراً أفضل بالتأكيد من ألا تصل أبداً، فما ترسب من الانقسام، ما زالت الفرصة مهيئة لاصلاحه وترميمه وإعادة بنائه، فالكارثة الثقافية لم تحدث بحمد الله. فيما وإن مقدماتها السلبية، ما زالت معالجتها في متناول اليد، وفي متناول الإرادة، وهذا في رأيي من أخطر المعضلات التي كنا نخشى استفحالها في حال استمرار الوضع.
وأخيراً فإن الاستخلاص الذي يتطلب قراءة أعمق، من الانقسام والمصالحة، أن فتح وحماس هما اللاعبان الأساسيان على الساحة، وأن اللاعبين الآخرين ظلت أدوارهما محدودة وهامشية في الانقسام والمصالحة. ويتصل بهذا أن المستقلين ما زال دورهم محدوداً، مع أنهم قاموا ببعض المحاولات، وأن المثقفين على الساحة كان أداؤهم متواضعاً في التوحيد ونشر ثقافة التسامح، فهل تعيد الفئات الثلاث تقييم دورها وأدائها وحضورها لاستخلاص العبر ولعب دور أكبر وأهم في المرحلة الجديدة، نظراً لما تمثله وأقصد الأحزاب والفصائل الأخرى والمستقلين والمثقفين، بدل أن يكونوا خارج المصالحة والبناء كما كانوا ضعيفي التأثير في سنوات الانقسام.