أول رواية تشير إلى إنجاب المعتقلين عن بعد
"أكون..
أو لا أكون.."
هل اقتبسه الكاتب من فم الزمن ام من فم شخص عاش هناك؟ أو ركض وراء خياله وفكره الإنساني العميق، والذي من خلاله يبدع في فهم الإنسان من ردود فعله الحقيقية وقت الأزماتّ!
هل من رمز هنا؟
لماذا هاملت؟
أكان لا بد من الذهاب الى الدنمارك لأربعة قرون مضت!
هو الأدب، وفي حالتنا الفلسطينية لعله يكون إجابات وأسئلة أيضا عن واقع ومستقبل، خصوصا ان الكاتبة من جيل الشباب.
"أكون أو لا أكون، تلك هي المشكلة"، هو ما نطق به شكسبير، ترى ما الذي يربط حالتنا هنا بحالة قديمة؟ لماذا لجأت ابنة غزة إلى هاملت الدنمارك!
لعلنا نشوّق أسوة بما شوقتنتا به الكاتبة الروائية الشابة، فصرنا نخال الرواية فيلما!
حسن وأحمد، أخوان، أما حسن فأنجبه والده واعتقل بعدها، في حين تم إنجاب أحمد بعد اعتقال والده!
تعدّ رواية "هاملت فلسطين"، الرواية الأدبية الأولى فلسطينيا التي تناولت مسألة إنجاب المعتقل من زوجته عن بعد، من خلال تهريب الحيوانات المنوية له.
لكن لعل ذلك ليس هو الأبرز في الرواية بالرغم من اهتمامنا بحقوق المعتقلين.
يكبر حسن، ويكبر احمد، وتختلف الاهتمامات، فتقود حسن اهتماماته في اللهو واللعب إلى مصير غير مصير أحمد الذي يلتحق بالمقاومة، ويلتحق بأبيه، الذي يفرج عنه ضمن صفقة "شاليط" المشهورة. ثم ما يلبث أن يتم الإفراج عن أحمد، لتبدأ فصول إنسانية ووطنية، يتم تخليص حسن فيها من براثن الجاسوسية، حيث تسلك الرواية هنا الأسلوب البوليسي المنسجم مع عملية للمقاومة يقودها أحمد، بالاتفاق مع أخيه، الذي يصبح جاسوسا مزدوجا، فيتم الإيقاع بضباط المخابرات، الذين يقعون في كمين يتم نصبه لهم، وبذلك يتم تطهّر حسن، فيستأنف حياته شريفا. ويكون للشيخ، أي كنان دور في ذلك.
قامت الرواية على سرد مكاني معتقل عسقلان وبيت أي حسن؛ حيث يتحرك أمجد أبو حسن ضمن عدد من رفاقه، ويلتقي بشكل خاص مع طفل صغير يتم اعتقاله، والشيخ نزار. في حيت يتحرك حسن في محيطه الأسري، إلى أن يتم إنجاب أحمد.
في زيارة المعتقلين، يتظهر "شباك الزيارة وكأنه نافذة المعتقل للعالم"، كما أنه يصير أيضا نافذة الزائرين/ات صغارا وكبارا نحو عالم آخر، هو عالم الاعتقال والحرية والقضية الوطنية والمقاومة، وهذا ما سوف يبدأ بالظهور في شخصية الطفل أحمد.
تبدأ شخصية حسن بالتغير شيئا فشيئا مع ميلاد أحمد، وصولا إلى نفوره منه، بسبب الغيرة منه، والتي تظهر في الثلث الأخير من الرواية، ومعها يرتبط سلوكه اللاهي، ثم ارتباطه بالمخابرات الإسرائيلية، التي تطلب منه بشكل خاص مراقبة أخيه، والذي يقع أخيرا أسيرا بعد مداهمة جنود الاحتلال له ورفاقه.
في حين يرتبط أحمد بشخصية والده المقاوم والمعتقل، ويرتبط برفاق والده، ويكثر من التردد على المسجد كمكان عبادة، ومكان التقاء بالمقاومين.
أثناء بحث أحمد في البيت، يكتشف غرفة سرية، كانت ملتقى والده مع جاره المقاوم، وهناك يقرأ كل ما يرى من قصاصات، وحين يتصل بوالده، ينصحه بعدم الاستعجال قائلا: "ليس الآن عندما تكبر ستفهم وحدك".
خيانة العم في مسرحية شيكسبير: هاملت، تقابلها خيانة الأخ في رواية "هاملت فلسطين"، فإذا كان مصير عم هاملت " كلوديس" هو الموت قتلا، فإن مصير حسن سيختلف، بعد أن يمرّ في رحلة تطهّر.
لكن خيانة العم الملك "كلوديوس" تكون ضمن منظومة خيانة تشترك فيها أم هاملت زوجة الملك القتيل، التي تزوجت شقيق الملك، وهي تختلف عن الخيانة الفردية التي ظهرت هنا.
عانى الخائن هنا من توتر، وشعر بشك أخيه به، كما شعر "الملك كلوديوس" بشك الأمير "هاملت"، كل ذلك دفعه إلى الابتعاد عن الأسرة والسكن بعيدا، مع زوجته مريم. وقد صورت الكاتبة شخصية العميل التي تعاني التوتر والقلق.
صحيح أن "هاملت" أطل فقط في اسم هذا العمل الأدبي الروائي، والفقرة الأخيرة منه، إلا أن مضمون مسرحية وليم شيكسبير رافقنا حتى النهاية، حتى وإن نحت منحى آخر. والغيرة أمر آخر لعله أيضا كان مجالا لتناوله أدبيا من خلال الرواية أكثر مما ظهر.
أظهرت الرواية شعور الأب تجاه ولديه، ولكن لم تتم ذلك إلى مداه الممكن، والذي كان سيعمّق المشاعر في الرواية، من حيث منح فرصة القلق والحيرة.
"تراجيديا هاملت Hamlet واحدة من أهم مسرحيات الكاتب الانجليزى ويليام شكسبير. كتبت في عام 1600 أو 1602 وهي من أكثر المسرحيات تمثيلاً وإنتاجاً وطباعة، وهى أطول مسرحيات شكسبير وأحد أقوى المآسي، وتعتبر الأكثر تأثيراً في الأدب الإنجليزي ، فهي من كلاسيكيات الأدب العالمي، وربما ترجع شهرتها، كما يقال-إلي العبارة الشهيرة والسؤال الذي يناجي فيه هاملت نفسه قائلاً : أكون أو لا أكون. وقد استقاها شكسبير من حكاية بطولية رواها ساكسو غراماتيكوس. تلك العبارة التي ابتدأت المقال بها.
خيانة العم هناك، والأخ هنا، هل من رمز هنا وهناك؟ هل هناك ما يتجاوز حالة فرد عادي إلى أفراد غير عاديين!
قام أسلوب الرواية على السرد والخطاب، والشعر، ضمن إضفاء أسلوب الإنشاء، والذي عادة ما يؤثر سلبا على اللغة الساردة. لعل وصف التنقل السريع في سرد تتابع الأحداث كان من روافع الرواية، والذي أثار التشوّق فيها.
لذلك لو ركزت الراوية على السرد العادي، غير المتأثر بالخطاب السياسي، لكان السرد إنسانيا أكثر، ولنال المصداقية أكثر ايضا. وأزعم أن لغة الكاتبة لقادرة على القص والرواية.
كذلك تحتاج الراوية للتعامل مع الزمن بشكل مقنع، حيث نرى الطفل أحمد يكبر بسرعة ويلتحق بالمقاومة، وكل ذلك خلال اعتقال والده.
وكنا نودّ لو ركزت الرواية على مسألة إنجاب المعتقل من زوجته عن بعد، من خلال تهريب الحيوانات المنوية له، والاستغراق في الإبداع الروائي-الإنساني في علاقة الأب بابنه، أكثر من التركيز على جزئية النضال الوطني.
لكن يبدو أن التأثر بفكر الإسلام السياسي قد أثّر على الكاتبة، التي راحت تسقط الكثير من المفاهيم على الرواية، بل على أسماء الشخصيات، واللغة الخطابية، والتي جعلت الرواية تقترب من رواية الشعارات السياسية، خصوصا حين ربطت التدين بالإسلام السياسي، بل وصلت إلى جعل المسجد مكانا للمقاومين.
لربما يشفع للكاتبة أماني يوسف إسماعيل، من غزة، أنها ابنة 24 ربيعا، وأن هذه هي الرواية الأولى لها.
وبشكل عام، فإننا مع روائية شابة مثقفة، على معرفة بالأدب العالمي، وذات مهارة في التقاط عناصر روائية لافتة للنظر، مثل الإنجاب عن بعد لدى المعتقلين في فلسطين المحتلة، وذات اجتهاد في شدّ القارئ/ة لمتابعة النص تشوقا، من خلال الأسلوب البوليسي.
[email protected] صدرت الرواية عن أوراق للنشر والتوزيع-الجيزة، وقد وقعت في 110 صفحات، قام بتصميم الغلاف: أيمن رياض. وقد تلا الرواية قصائد شعرية لا تبعد عن موضوع وأحداث الرواية.