نشر بتاريخ: 30/10/2017 ( آخر تحديث: 30/10/2017 الساعة: 10:40 )
الكاتب: رفعت شناعة
منذ انطلقت فتح وهي تدرك أنها امام استحقاقات بالغة الاهمية، بل هي مصيرية. وتنظيم حركة فتح هو الحلقة المركزية في الحسابات السياسية، والتنظيمية، والنقابية، والأمنية. والتطورات السياسية الراهنة على الساحة الفلسطينية تتطلب من قيادتها، وكوادرها، وتنظيمها، اليقظة الكاملة، والانخراط الميداني في مختلف مجالات الاحتكاك والتفاعل بناء على خطط وبرامج واضحة.
فاليوم حركة فتح امام استحقاق المصالحة، والخروج من مستنقع الانقسام، وهذا يعني أن كافة القوى، والفصائل، والاحزاب امام الامتحان المعقَّد القادم، واجتياز الامتحان يتوقف على توفُّر مجموعة حقائق لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها وهي:
أولاً: أن تأخذ القيادة دورها الصارم والحاسم لضبط الاطر، وتنفيذ القرارات الحركية دون تردد أو تلكؤ.
ثانياً: أن تتم عملية إتخاذ القرارات بعد إخضاع المعطيات والتطورات على الساحة الفلسطينية للمعايير والآليات التنظيمية، والرؤية السياسية الواضحة والمعتمدة.
ثالثاً: التخلص من العفوية في الممارسات التنظيمية، ووضع النقاط على الحروف دائماً حتى نقرأ الوقائع جيداً، ونتعاطى معها بعيداً عن الارتجال، لأن مستقبل الشعب الفلسطيني، وتحصيل حق تقرير المصير يتوقف على صلابة ووعي، وممارسة حركة فتح لدورها، فهي العمود الفقري. من هذا المنطلق، ومن خلال الفهم الدقيق لدور الحركة الرائدة التي فجَّرت الثورة يمكننا الانطلاق كجسدٍ واحد، ورؤية واحدة، لتحقيق الهدف المشترك الواحد.
الاستحقاق العام الاول والمتعلق بمصير القضية الفلسطينية، هو المصالحة، والتخلُّص من الانقسام. وبغض النظر عن الاجتهادات والتوقعات، والاحتمالات المطروحة فنحن نعتبر أن طريق المصالحة أصبحت سالكة، وأن العربة تسير على السكة بشكل جيد، وفي الاتجاه الصحيح، وعلى حركة فتح قبل غيرها أن تحرسها، وتسهِّل طريقها، لأن هذا الانجاز التاريخي سيقربنا من تحقيق اهدافنا.
وكلما كانت حركة فتح متماسكة، متوافقة على استراتيجية سياسية، ملتزمة بالمسلكيات الثورية، منضبطة لأسس وركائز النظام الداخلي، واللوائح الداخلية، كلما استطاعت أن تؤكد دورها الطليعي، والقيادي، والتوحيدي، وأن تكون هي دائماً العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما الاستحقاق الثاني الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، فهو عقد المؤتمرات الحركية في المناطق التنظيمية، ثم مؤتمر اقليم لبنان. وعملية عقد المؤتمرات يجب أن تحظى باهتمام القيادات المعنية، لأنها هي التي تستطيع جعلها إنجازاً حركياً وطنياً يؤسس لمرحلة من النضج والصلابة، وتستطيع إذا شاءت أن تقزِّم الأمور، وأن توتّر العلاقات الداخلية، وأن تزرع الخلافات، والحساسيات، والبغضاء بين الكوادر، بسبب الحسابات الانتخابية الشخصية ، والعشائرية، والمحورية، والشللية، هذا الأفق الضيق الذي تتعاطى من خلاله بعض القيادات بعيداً عن الرؤية التنظيمية السليمة، سيؤدي إلى إغراق الأُطر المتصارعة في مستنقع الضغائن، والاحقاد، والكراهية، بدلاً من أن تخرج الأطر والقيادات موحَّدة، ومتفاهمة، وعلى أُهبة الاستعداد لأخذ زمام المبادرة، وتنفيذ البرامج والخطط المتفق عليها في المؤتمر.
الفارق بين النهجين هو أن هناك فريقاً أصيلاً تربى في أحضان حركة فتح، ورضع من ثدييها حليبَ الوفاء للشهداء، وهذا الفريق لا يبحث عن مصالحه الشخصية، ولا يرضى أن يصل إلى مرتبة معينة من خلال التحريض والاساءة لزملائه، أو التشهير بالكوادر الذين ينافسونه، ولا يقبل تحت أي ظرف من الظروف أن يصل إلى اي مرتبة، أو موقع تنظيمي من خلال دعم الغير له بعيداً عن صندوق الاقتراع، لأن الجهة أو المجموعة التي توصلك على حساب غيرك تستطيع إقتلاعَك متى شاءت، عندما تخالف تعليماتها ولا تلبي احتياجاتها.
أما أصحاب النهج الآخر، فهم الذين لا يعتمدون على رصيدهم التنظيمي والشعبي، فهم لم يقدِّموا من الانجازات، والمواقف المشرِّفة ما يستعينون به اليوم للوصول بشرف إلى ما يطمحون، فمسيرتهم بين المؤتمرين كانت فارغة من العطاء، ومن الأداء السليم، ولذلك أمام عقدة الفشل التي يعيشها الواحد منهم لا يجد أمامه إلاَّ أن يبحث عن فريق، أو مجموعة من الإطار، تتسلَّح في معركتها الانتخابية بالتشهير، والتحريض، وإثارة الفتنة بين هذا وذاك على حساب القيم الثورية، والمبادئ الحركية، لأن المهم عنده أن يصل إلى مراده ولو داس على جثث وكرامة الآخرين.
إن إنعقاد المؤتمرات التي تتكلل بالانتخابات تؤكد ما نقول وهو أن المؤتمر قبل كل شيء تقديم التقارير، ثم المداخلات التي هي من حق أي عضو، ثم رفع التوصيات بعد دراستها والتصويت عليها، ثم الاتفاق على القرارات بعد مناقشتها واعتمادها، ثم تأتي عملية الترشيح في نهاية المؤتمر بعد أن يكون الأعضاء قد تعرَّفوا إلى بعضهم، واستمعوا إلى الافكار المطروحة، والاعتراضات، والمداخلات، والتحليلات، والمميزات الشخصية لكل عضو، وهذه التفاصيل تساعد أعضاء المؤتمر على فهم طبيعة كل كادر سيرشِّح نفسه إضافة إلى المعلومات السابقة، والتي بناء عليها سيحدد خياراته بشكل دقيق.
ومع الاحترام للآراء التي تُطرح من هنا، ومن هناك فأنا أجد أن الاختيار والانتخابات للكوادر الجدد يجب أن يتم بناء على مواصفات خاصة أبرزها:
أ.أن يتمتع بالخلق الثوري السليم، وأن ينال احترام وتقدير من حوله من الجمهور، ومن معه من زملائه، وهذه مميزات ضرورية لأننا بأمس الحاجة إلى الكادر الذي يعزز ثقة الجماهير بأبناء الحركة.
ب.ان يكون معروفاً بنظافة الكف، وأن يحلِّل ويُحرِّم قبل أخْذ القرارات.
ج. أن يكون جماهيرياً، يتفاعل مع أعضاء مجتمعه، وينال ثقتهم، وهذا يتعزز من خلال المناسبات الاجتماعية، والوقوف إلى جانب المحتاج والمصاب، ومثل هذه النوعية هي التي تعزز علاقة التنظيم بالجماهير.
د. أن يكون محاوراً جيداً، ويعتمد الاسلوب الهادئ والمقنع للآخرين، بعيداً عن التوتر والتوتير، وأن يتقبل أفكار الآخرين، ويناقشها بشكل موضوعي.
هـ. أن يكون مبدئياً في علاقاته، وأن يُحكِّم ضميره في الأحكام التي يُصدرها، أو القرارات التي يأخذها.
و. أن يكون منفتحاً وليس مُغلقاً، وأن يكون صاحب عقل يوحِّد ولا يُفرِّق، يؤلف ولا يفتن، يُقرِّب ولا يبعِّد، يُعالج ولا يخرِّب.
ز. أن تحيا حركة فتح في ضميره ووجدانه، وأن تبقى الرقيب على سلوكه، وعلى مواقفه وأحكامه.
ح. أن يكون إنتاجه وعطاؤه خلال السنتين السابقتين محط إحترام، واعجاب، وتقدير، خاصة عند الازمات، والتحديات.
ط. أن لا يكون عقله تآمرياً، ولا نهجُه شللياً، ولا تفكره مصلحياً.
وعلى الكادر الحركي عندما يريد اختيار من يمثله أن يبحث عمَّن يحمل المواصفات السابقة، ليس بالضرورة كلها، ولكن بالقياس بين فلان وفلان أن تستطيع اختيار الافضل الذي يستطيع أن يترك بصماته في مجتمعه، ومسيرته وإياك ثم إياك أن تشتغل مستعيناً بعقل غيرك، وأن تُعطِّل فكرك، أو تؤجره لغيرك. ودائماً خذ أنت قرارك بنفسك، لأنَّ اختيار من يقود الحركة إلى لشاطئ الأمان هو أمانة عليك أن تتحملها بكل أمانة.
إستمع لنداء ضميرك عند الاختيار، ولا تخضع للمغريات،ولا تبخل بقول كلمة الحق في مكانها، وفي وقتها، وذلك أطهرُ للقلوب.
أمَّا دور المسؤول فهو قيادة العمل على خلفية حماية حركة فتح، وتطبيق نظامها. وأن ينظِّم العلاقات الداخلية بين أعضائه، وأن يزرع فيهم الثقة والمحبة، والالتزام بما يخدم حركة فتح ومستقبلها، وليس خدمة فلان أو فلان، أو هذه العشيرة أو تلك، ودور المسؤول التوحيدي هو بيضة القبَّان في تطوير الأطر التنظيمية.
الحاج رفعت شناعة
عضوالمجلس الثوري لحركة فتح