نشر بتاريخ: 30/10/2017 ( آخر تحديث: 30/10/2017 الساعة: 18:48 )
الكاتب: حسين حماد
بعد مرور مائة عام على الوعد المشئوم، تستمر بريطانيا في عنادها رافضةً الاعتذار عنه، بما يؤكدُ تعمّدها إقامة دولة لليهود في الشرق محلها فلسطين، التي تعاني أقدم احتلال في العالم منذ العام 1948م، وتسببها في معاناة الشعب العربي الفلسطيني طوال سنوات الاحتلال.
أرسل اللورد البريطاني "آرثر جيمس بلفور" (وزير الخارجية في حكومة ديفيد لويد جورج)، بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين ثانِ من العام 1917م، برسالةٍ إلى اللورد "ليونيل وولتر دي روتشيلد" قال فيها: "يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي.. إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر، وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح". وجاء هذا الوعد في وقت كان فيه اليهود في فلسطين لا يزيدون عن نسبة 5% من إجمالي عدد السكان، وقبل شهر من احتلال الجيش البريطاني لفلسطين.
وفي خضمّ هذه المعطيات دعمت بريطانيا تحت ستار الانتداب التي أولته إياها عصبة الأمم في 11 سبتمبر/ أيلول 1922م اليهود، وساعدتهم في تشكيل مجموعات مسلّحة مارست فيما بعد أعمال العصابات، وبطشت وارتكبت الجرائم بحق الفلسطينيين المدنيين، الذين تركوا وحدهم في ميدان المعركة بإمكانيات شحيحة بدائية، واستغل اليهود معرفتهم بأهم التهديدات المؤثرة على العربي، فاستهدفوا النساء والأطفال ونشروا الخوف في المنطقة، كي يجبروا سكانها على الرحيل، وذلك بدعم وتغطية من الجيش البريطاني، حتى إعلان الاحتلال دولته في 14 مايو/ آيار 1948م.
وبعد مُضي 100 عام على الوعد المشئوم الذي أسس قيام الكيان الغاصب على أرض فلسطين العربية، قارئ التاريخ قد يجد إجابات منطقية لما حدث وما يزال يحدث بحق فلسطين، فالصهيونية العالمية ضغطت على المملكة المتحدة لكي تصنع كياناً لها في فلسطين بالذات، التي تشكل الرئة العربية، وتصل شطري الوطن العربي الآسيوي والأفريقي، فيما وجدت بريطانيا في ذلك فرصةً لإيجاد صراع في هذه المنطقة التي قد تشكل خطراً في يوم من الأيام، وبعد أن سلمّت راية القيادة للولايات المتحدة الأمريكية، دأبت الأخيرة على دعم الكيان بضغوط اللوبي الصهيوني هناك، في حين أن تدخل الاتحاد السوفيتي لم يكن كبيراً، بل توازن مع مصالحه في المنطقة، ورغم المحاولات الفنية من الولايات المتحدة ودول العالم الأول للظهور بدور الحاضن والراعي لمصالح الفلسطينيين وإقرار اتفاقيات السلام ما بين دولة الاحتلال والأردن ومصر ومنظمة التحرير الفلسطينية بدءاً من العام 1978 وحتى 1994م، نستنتج أنها كانت عبارة عن ضمانة لأمن ومستقبل هذا الكيان أكثر من كونها فرصة للسلام الحقيقي.
بعد مُضي 100 عاماً على الوعد المشئوم لا نزال نؤمن بحقنّا التاريخي في فلسطين، ونصرّ على ضرورة اعتذار بريطانيا عن خطأها الفادح، ونعولّ كثيراً على أحرار العالم بمواصلة التضامن مع قضيتنا وحقوقنا التاريخية والإنسانية، كما نعوّل على عودة إخوتنا العرب إلى ميدان المعركة آجلاً أم عاجلاً، وإلى حين ذلك وسندوس على جراحنا ونصون وحدتنا ونستمر في النضال بالطرق كافّة. وفي يوم من الأيام سوف نمسح وعد من لا يملك لمن لا يستحق من حياتنا، وسنبقيه وصمة عار على جبين بريطانيا في صفحات التاريخ، ولن ننسى ولن نغفر.