نشر بتاريخ: 31/10/2017 ( آخر تحديث: 31/10/2017 الساعة: 19:22 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
ما زال الحزب الشيوعي الصيني قادراً على الامساك بالتفاصيل الاقتصادية في البلد العملاق بشرياً واقتصادياً، فقادة هذا الحزب ليسوا مغلقين، وصينهم ليست صين الاربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي، إنها الصين المفتوحة على العالم بأسره اقتصاداً وثقافة وتكنولوجيا، فيما التجربة الصينية هي تجربة فريدة على المستوى العالمي، فالحزب هو اشتراكي البناء والتوجه، والسوقان الداخلية والخارجية منسجمتان ومتوافقتان مع الأسس الاقتصادية الرأسمالية، من حيث الربح والتنافس وطريقة التبادل، في حين تسيطر الدولة على المفاصل الاقتصادية المهمة في البلاد، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى متى يستمر التوافق بل التزاوج بين العام الاشتراكي والخاص الرأسمالي، إذا مازاد وتضخم الرأسمال الخاص ووجد تجلياته في أنماط ونماذج أخرى. لكن الواضح ان القيادة الصينية تمتلك خططاً قصيرة وبعيدة المدى، وهي قادرة على رؤية الأمور لسنوات قادمة، وهذا ما بدا واضحاً في قرارات وتوجهات المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني.
الفارق بين الصين "بيريسترويكا غوربتشوف" التي اطاحت بالاتحاد اللسوفيتي وبقية الدول الاشتراكية، ان المواطن الصيني مفتوح على العالم اقتصادياً وتكنولوجياً ويستطيع السفر والاستثمار في الخارج، كما أن بلاده مفتوحة في المقابل لمستثمرين من الخارج، فهو لا يعيش عزلة أو حرماناً أو قهراً، فكل السلع والكماليات متوافرة، ولا ينظر إلى الغرب بدونية وانكسار، وإنما يتعامل مع العالم وظهره يستند إلى جدار دولة قوية ومؤثرة في الاقتصاد العالمي، وهي مرشحة بعد عقدين أو ثلاثة إذا ما سارت خططها في الاتجاه الصحيح أن تتربع على هرم الاقتصاد العالمي، في ظل الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية التي تعانيها الدول الرأسمالية الغربية.
وما يدعّم الموقف، أن الصين على المستوى الاقتصادي ناجحة في توظيف التكنولوجيا، وانها تعمل على تنظيم صناعاتها وفق اولويات، في إطار تحديث مستمر في بنية مصانعها. إلى جانب أن ما تصنعه يلقى اقبالاً من الشرائح الاجتماعية في العالم، بصرف النظر عن المستوى الاقتصادي، فهناك درجات في المواد و النتاجات المصدرة، تتراوح بين الفاخر الذي يتمتع بمواصفات تنافس المواصفات الأوروبية وبين الشعبي الذي يتناسب مع القدرات الشرائية للشرائح المتوسطة والفقيرة.
ما يجعل طريق المنتوجات الصينية سالكة إلى الأسواق العالمية، أن الصين بلد رغم قدراته العسكرية الهائلة، ينتهج طريق السلم والحوار في التعامل مع الدول، وليس لها تاريخ عدواني لا في الماضي، ولا الحاضر، هي لا تتحدث إلى العالم وأصابعها على الزناد، بالرغم من وجود تناقضات لها مع الدول الغربية، سببها الرئيس شعور هذه الدول بأن العملاق الاقتصادي قادم ليتبوأ الموقع الأول. وفي الأزمة السورية أدركت مبكرأ أن التكفيريين ليسوا من فصيلة الثوريين، وانهم لا يتبنون برامج تطويرية وتنويرية، بل هم مجرد قوة تدميرية ظلامية هدامة، ما جعلها ترفع "الفيتو" بشكل متكرر بالتزامن والتكامل مع الموقف الروسي، والسؤال ما الذي يجعل الصين تتصدر الصفوف العالمية على المستوى الاقتصادي؟. الجواب يكمن في مجموعة من العناصر في مقدمتها المناخ الداخلي الآمن وشعور المواطن بالاستقرار واطمئنان المستثمر الأجنبي على نفسه ومشروعه إضافة إلى تركيبة الانسان الصيني، من حيث الانتماء الى بلده، وتمتعه بالنشاط وحبه للعمل والإنتاج، فالمواطن الصيني هو دائماً في حالة سباق مع الزمن، وكذلك نجاح الصين في توظيف أحدث التكنولوجيا في مصانعها، جنباً إلى جنب مع الاصلاحات التي قامت بها قيادة الحزب الشيوعي، من خلال اجتثاث مستمر لمصادر الفساد و البيروقراطية وإعطاء الفرصة لقيادات شابة متنورة مثقفة تثقيفاً عالياً، في إدارة دولة تنهض بسرعة.
الثقافة الصينية ليست ثقافة عنجهية استعلايية، تنظر للآخرين بفوقية واحتقار، لانها قائمة على التسامح والتواضع، والتركيز على المفاهيم الإنسانية. ثقافة تصل إلى البلدان الأخرى باللين والرفق والمسايرة وتبادل المصالح والمنافع، لذلك يستمر القطار الصيني في عبوره السلس لكل الدول، فيما تتعطل قطارات رأسمالية ترفع شعارات الحرية وحقوق الإنسان، فيما بعضها يدعم أنظمة رجعيه وأشكال استعمارية كما هو حاصل في فلسطين، حيث تتباهى بريطانيا مثلاً على المستوى الرسمي بوعد بلفور، في انفصام بين شعاراتها عن حقوق الإنسان وبين ما تمارس، وكأن حقوق الانسان يمكن ان تجزأ، تُمنح في ساحة و تُحجب في ساحات أخرى.