نشر بتاريخ: 02/11/2017 ( آخر تحديث: 02/11/2017 الساعة: 10:56 )
الكاتب: د.وليد القططي
بعد اغتيال المناضل العربي الكبير سمير القنطار على الأراضي السورية قبل حوالي عامين كتبت مقالاً بعنوان ( ماذا لو وردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؟) أنهيته بالإجابة على سؤال العنوان "... لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى لما وصلت الأمور إلى آخر هذه الاعتداءات باغتيال سمير القنطار، وبالتأكيد لما تجرأ العدو على مواصلة هجماته المتكررة على سوريا، وبالتأكيد لكانت ضريبة العزة والكرامة أقل بكثير من ضريبة الذل والمهانة. فهذا العدو لا يفهم إلاّ لغة القوة ولا يردعه شيء عن جرائمه إلاّ بقوة ردع مضادة وتوازن رعب متساو، ولنا في المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية أسوة حسنة حيث يخشى العدو من تنفيذ عمليات الاغتيال على أراضِ قطاع غزة ولبنان في أوقات (السلم) تجنباً لرد فعل المقاومة التي حققت نوعاً من توازن الرعب بين المقاومة والكيان الصهيوني.".
وفي هذا السياق فإن عملية استهداف نفق لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين واغتيال مجموعة من قادة ومجاهدي المقاومة الفلسطينية عملية عدوانية موجعة ومهمة في حد ذاتها بما أحدثته من خسائر في الأرواح وتدمير لنفق المقاومة، ولكنها قد تكون أكثر وجعاً وأعمق أهمية إذا ما كانت بداية لتغيير قواعد الاشتباك بين العدو والمقاومة، قواعد الاشتباك التي أعقبت حرب 2014 العدوانية على غزة، وتم تثبيتها من خلال تفاهمات القاهرة التي أوقفت الحرب على غزة، ورغم أن هذه التفاهمات تقيّد المقاومة وتجعل عملها المقاوم ذو طابع دفاعي بحت إلا أنها أرست قواعد اشتباك فيها قدر كبير من الندية، ورسّخت معادلة ردع متبادل نسبية، وفرضت توازن رعب يستطيع لجم عدوان الكيان إلى حدٍ ما. ويبدو أن العدو يريد التحرر من هذه القواعد ويكسر معادلة الردع ويعدّل توازن الرعب لصالحه مبتدءا بعملية النفق.
استهداف نفق المقاومة في هذا التوقيت السياسي يعتمد على تقدير موقف عند أصحاب القرار في الكيان الصهيوني مضمونه أن المقاومة الفلسطينية لن ترد على الضربة الإسرائيلية حرصاً على عدم جر قطاع غزة لحرب جديدة تكون تكلفتها البشرية والمادية باهظة الثمن على الشعب والمقاومة، وتؤدي إلى خلط الأوراق في الساحة الفلسطينية وتخريب جهود المصالحة التي لا تزال في مرحلتها الأولى، إضافة إلى ثقة الكيان بأن الضغوط الخارجية لا سيما المصرية على المقاومة ستؤدي إلى منع أي ردود فعل للمقاومة تخرج التهدئة الهشة الموجودة.
وفي هذه الحالة من عدم الرد على العدوان فانها ستكون فرصة سانحة لفرض قواعد اشتباك جديدة بالتدريج من خلال اعتداءات متباعدة وبجرعات متصاعدة يتكرر فيها السيناريو حتى ترويض المقاومة على تلقي الضربات دون الرد عليها وصولاً إلى الخروج نهائياً من تفاهمات حرب 2014، وبالتالي تستعيد توازن الرعب ومعادلة الردع لصالحها.
أمام ذلك فإن خيارات المقاومة صعبة ومحدودة فعدم الرد على العدوان سيفتح المجال أمام العدو لتكرار عدوانه وتغيير قواعد الاشتباك، والرد على العدوان قد يؤدي إلى التصعيد الذي قد يؤدي بدوره إلى الحرب بكل نتائجها القاسية على الشعب الفلسطيني المُحاصر والمُعاقب في قطاع غزة. وفي كل الأحوال وبغض النظر عن قرار المقاومة فيما يتعلق بطبيعة الرد وزمانه ومكانه على عملية النفق الأخيرة، فإن المقاومة تدرك من المنظور الاستراتيجي عدم إمكانية الصمت على اعتداءات العدو المتكررة، لإن كُلُفه الرد ستكون أقل بكثير من كُلفة عدم الرد على المدى البعيد، وأنها قد تحتاج إلى عملية (كسر الصمت) مرة أخرى وربما أكثر من مرة كي تحافظ على توازن الرعب وقوة الردع التي تمنع العدو من استباحة غزة أرضاً وشعباً.