بعد 100 عام على وعد بلفور وما يقارب من 70 عام من إحتلال فلسطين عام 1948 مازال الصراع على أشده مع الحركة الصهيونية والإحتلال الإسرائيلي على كافة المستويات بداية من الرواية التاريخية وحتى تفاصيل الهوية الوطنية الفلسطينية. مازالت الأرض الفلسطينية هي مركز هذا الصراع ومازال الشعب الفلسطيني هو محور هذا الصراع. ومع مرور الأيام وتعاقب السنوات على هذا الصراع الممتد عبر الأجيال يبرز التحدي الأكبر وهو تحدي الزمن أمام القضية الفلسطينية. والمقصود بتحدي الزمن هنا هو ثلاثة أمور أساسية: الأول الصمود على أرض فلسطين، الثاني وحدة الشعب الفلسطيني، الثالث الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.
أولا: الصمود على أرض فلسطين:
كانت ومازالت الأرض الفلسطينية هي الهدف الأساسي للكيان الصهيوني من بداية موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ عام 1870 وحتى يومنا هذا مع إستمرار عمليات الإستيطان في القدس والضفة الغربية والتي لم ولن تتوقف أبدا في أي وقت من الأوقات وذلك للإيمان العميق لدى الحركة الصهيونية بأن الأرض هي جوهر هذا الصراع وكذلك لخلق رابط عضوي بين الصهاينة وأرض فلسطين وتغيير الصورة النمطية عن اليهودي المنبوذ في أوروبا الذي لا يعمل في الزراعة (المسيري، عبدالوهاب: تاريخ الفكر الصهيوني، جذوره ومساره وأزمته).
الإحتلال الإسرائيلي يدرك ذلك جيدا، فكل سياساته قائمة على تقويض صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، بشكل مباشر كما في القدس والضفة الغربية وبشكل غير مباشر من خلال الحروب وإستمرار الحصار على قطاع غزة. ومع الأسف فإن الحركات والأحزاب الفلسطينية بصراعها المستمر على السلطة أضعف قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء على أرض فلسطين.
وعليه، صمود وبقاء الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية عامل أساسي في إستمرار هذا الصراع عبر الأجيال وفي إستعادة فلسطين يوما ما. لهذا فإن تعزيز الصمود وتثبيت هذا البقاء للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين يجب أن يكون هدف أساسي وإستراتيجي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وجميع أحزاب العمل السياسي الفلسطيني الوطني والإسلامي. ويجب أن يشارك في هذا الصمود والبقاء ليس فقط الفلسطينيين في فلسطين وإنما كل الفلسطينيين في كل أنحاء العالم.
ثانيا: وحدة الشعب الفلسطيني:
ليس المقصود بوحدة الشعب الفلسطيني إنهاء الإنقسام فقط، ولكن المقصود بها وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وفي كل أماكن تواجده ضمن إطار عمل موحد وأهداف موحدة وتحت مظلة العمل السياسي المشترك في منظمة التحرير الفلسطينية. ومن هنا تأتي أهمية تفعيل وتحديث منظمة التحرير الفلسطينية على أسس التمثيل الديمقراطي المطلق للشعب الفلسطيني في فلسطين وفي كل مكان في العالم.
الفلسطينيون في دول اللجوء العربية والمقمين في أوروبا، أمريكا الشمالية والجنوبية، في آسيا وأستراليا يجب أن يكونوا جزء من عملية صناعة القرار الوطني الفلسطيني، يجب أن يكونوا شركاء في إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. يمكن الإستفادة في هذا المجال من تجربة الحركة الصهيونية العالمية في تفعيل الجاليات اليهودية عبر العالم من خلال مجالس الجاليات، حيث كان التمثيل في الحركة الصهونية يتم من خلال ممثلي الجاليات في الجالس المنتخبة وكان يشترط دفع رسوم الإشتراك للمنظمة الصهيونية حتى يمكن المشاركة في المؤتمرات الصهيونية السنوية (المسيري، عبدالوهاب: تاريخ الفكر الصهيوني، جذوره ومساره وأزمته).
فكرة تكوين مجالس الجاليات الفلسطينية عبر العالم وربطها بالتمثيل في منظمة التحرير الفلسطينية تستحق البحث والدراسة وتحديد كيفية الإستفادة منها وفي جميع الأحوال فإن تفعيل الرأسمال البشري والإجتماعي والسياسي والإقتصادي للشعب الفلسطيني في الشتات عامل أساسي في معادلة الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي وبدونه لن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
ثالثا: الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية:
بعد 100 عام من الصراع و 70 عام من الإحتلال والتهجير وما نتج عنه من وجود ما يقارب من سبع ملايين فلسطيني خارج فلسطين في كل أنحاء العالم وعبر القارات الخمس وميلاد أجيال جديدة خارج فلسطين، لم تزر فلسطين ولم تعش في فلسطين يوما واحدا ولا تعرف عن فلسطين الشيء الكثير بعد أن رحل جيل الأجداد المهاجرين وجاء جيل الأحفاد وأبناء الأحفاد المواطنين في دولهم الجديدة يبرز سؤال الهوية الوطنية الفلسطينية. ما هي فلسطين؟ ومن هو الفلسطيني؟ وماذا بقي من فلسطين؟ وماذا تعني تلك الخارطة على الجدار؟ ولماذا ترمز الكوفية الفلسطينية؟ ومن أنا في هذا العالم الكبير المتغير؟
إن الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية لما يقارب من سبعة ملايين فلسطيني عبر العالم يمثل التحدي الأكبر أمام مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني الفلسطيني جميعا. وهذا التحدي لا يمكن التعامل معه بالوضع الحالي القائم لمنظمة التحرير الفلسطينية والجهود الفردية لأفراد الجاليات الفلسطينية في بلدان الشتات، ولكن يمكن مواجهة التحدي من خلال العمل المؤسسي وبناء المؤسسات الوطنية الفلسطينية الجامعة وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية.
أخيرا وبعد 100 عام من الصراع مزال ميزان القوة يميل لصالح الكيان الصهوني بشكل كبير جدا ولكن الأهم من ذلك أن الميزان الديمغرافي في المدي الطويل يميل لصالح الفلسطينيين ومع مرور السنوات سوف يكون عدد الفلسطينيين في فلسطين ما بين النهر والبحر أكبر من عدد مواطني دولة الإحتلال وهذا هو العامل الإستراتيجي الأهم في الصراع مع الإحتلال.
لن يدوم الإحتلال الإسرائيلي 100 عام أخرى وفلسطين سوف تعود لأهلها من جديد طال الزمان أو قصر ما بقي هذا الشعب العظيم صامدا على أرضه متمسكا بحقه التاريخي في فلسطين إلى الأبد.