نشر بتاريخ: 07/11/2017 ( آخر تحديث: 07/11/2017 الساعة: 15:18 )
الكاتب: د.هيثم إبراهيم عريقات
عندما نَظَمَ الشّعراء العظماء - مَن شَهِدت لهم العُصور، وخلّدتهم كُتُب الأدب والسيّر - أبياتِ شعرهم واصفينَ العِلم ومكانته، فأصبحنا نستلهم نظمَهم جادّة وطريقًا في حياتنا، وسعينا المُقدّس نحو العلم والمَعرفة، فمن الإمام علي – كرّم الله وجهه - ومرورًا بالامام الشافعيّ، وأبي العلاء المعري، وأبي تمام الطائيّ وأبي الطيب المتنبي وانتهاءً بشعراءِ فلسطين طوقان، والكرميّ، ودرويش وغيرهم، هذه الأبيات التي حَمَلت في ثناياها الكثيرَ من العِبر لمن أرادَ المعرفة، فلا زال المثقفون منا يستلهموها في ردود أفعالهم، وتقلباتِهم الفكرية، وسعيهم الدّؤوب للرّقيّ بعجلة الثّقافة في المُجتمع، ومما لا شكّ فيه أنّ المثقفين في يومنا هذا نَهلوا من بحر شعر أدباء العصور التي سبقت، وكانت أساسًا بَنوا عليها الحكم والقواعد في الاحترام والمعرفة، لكن في المقابل هناك أناسٌ بغرورهم علوا على المُجتمع، ووضعوا ذاتَهم في برجٍ عاجيّ، فمسّهم غرورٌ كأبي الطيب المتنبي عندما قال:
" انا ابن اللّقاء أنا ابن السّخاء ** أنا ابن الضِّراب أنا ابن الطِّعان
أنا ابن الفَيافي أنا ابن القوافي ** أنا ابن السّروج أنا ابن الرّعان
طويلُ النّجاد طويل العماد ** طويل القناة طويل السّنان
حديدُ اللّحاظ حديد الحِفاظ ** حديد الحُسام حديد الجَنان"
في وقتِنا هذا يسهَر العُلماء والنقادُ والمُثقفون ويوصلونَ ليلهم بالنّهار؛ لأجل اشهار مجهود علميّ، أو بحثيّ، أو أدبي تعمّ الفائدة والوعي للمجتمع والعالم من خلاله، ويضيفون به للمدرسة الكونية ما يجعل أجيالها قادرة على البناء والعمارة التي أمرنا الله – جلّ وعلا - بها، هؤلاء المميّزونَ لا يلقونَ المنافسة والمكاثَرة بين زملائِهم في العَمل، بَل يلقوا بدلًا من ذلك محاولات التّثبيط والإحباط لما يقدّموا من إنتاج علميّ، أو بحثيّ، وهنا يحضُرُني دومًا ما قالَه الإمام الشافعيّ:
" كم يرفع العلم أشخاصًا إلى رُتَبٍ ** ويخفض الجهل أشرافًا بلا أدب"
التّصرفات الفردية من هنا أو هناك، تجعل من دوران عجلة الرّقي في المُجتمعات، والمؤسسات أمرًا أشبه بالمحال، يتطلّب وقتًا إضافيًا طويلًا جدًا لتطورها، وازدِهارها، ولحاقِها بركبِ الحضارة.
ختامًا يُراودني سؤالٌ غريب: لماذا نرسل أبناءنا إلى الغرب، فيتعلّموا العلمَ وأساليبَ الحياة، ويعودوا بالشّهادات العلميّة، والخِبرات العمليّة، إن لم نَستطع إيجادَ أرضٍ خصبةٍ لهم؛ ليطبّقوا ما تعلموا واقعًا على الأرض، يعودُ بالنّفع على الوَطنِ وأبنائِه، فما حاجتنا لإرسال أبنائنا إلى الغربة إن لم يكن الهَدف كما وصفه ابن الوردي: "في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى ** وجمالُ العلمِ إصلاحُ العمل"
يبقى هذا السّؤال في أذهانِ الجميع، حتّى نضعَ الكفاءات، ونمكّن الخريجين الذينَ كسبوا خبرةَ دولٍ متقدمةٍ أداريًا، واقتصاديًا، كي نَصل إلى دَولة المؤسساتِ الانموذج، والوَطن الذي يقدّر أبناءه، ولنفتح صفحةً مشرقة في ركبِ الحضارة للأجيال القادِمة، بسواعِد العُلماء، والمثقفين، وليكن شِعارنا دومًا: " وقل ربّ زِدني علمًا " صدق الله العظيم.
[email protected]