نشر بتاريخ: 08/11/2017 ( آخر تحديث: 08/11/2017 الساعة: 19:41 )
الكاتب: د. نايف جراد
الأحداث التي تعصف في المنطقة، لم تعد تحتمل ترف الكلام: جملة من الأوامر الملكية السعودية بتغييرات طالت مناصب قيادية حساسة في المملكة (اقالة وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله وقائد القوات البحرية والقبض على عدد كبير من الأمراء والمسؤولين بيتهم الفساد ومنهم بشكل خاص أباطرة المال من المنطقة الغربية من السعودية وذوي الأصل اليمنية، ومقتل الأمير منصور بن مقرن بن عبد العزيز ومسؤولين آخرين)، واستقالة رئيس وزراء لبنان السيد الحريري من الرياض والمخاوف من تداعيات هذا الموقف على الاستقرار والوحدة والأمن في لبنان، واستخدام "أنصار الله" لصواريخ نوعية جديدة طويلة المدى أصابت محيط مطار الرياض، وتطورات الأزمة العراقية الكردية، وتحرير دير الزور في سوريا والصراع على الرقة والحدود مع تركيا وتقدم جيش النظام السوري في بقاع واسعة والوصل الاستراتيجي لبيروت بطهران عبر البوكمال، والتدهور الأمني في ليبيا والصومال، والمصالحة الفلسطينية وفتح ملف السلاح والأمن في قطاع غزة، والمناورات الاسرائيلية العسكرية الضخمة بمشاركة (40) دولة والتقارب غير المسبوق بين بعض أقطاب العرب مع دولة الاحتلال).
إن ما يجري في السعودية ليس أمرا بسيطا وعابرا، وليس معزولا عما يجري في اليمن ولبنان وقطر وإيران وسوريا والعراق وكردستان وفلسطين وليبيا وحتى المغرب وتركيا، وبالطبع اسرائيل، وحتى وصولا لكوريا الشمالية.
فهل ما قام ويقوم به "خادم الحرمين الشريفين" وولي عهده الأمير الشاب محمد بن سلمان ( الملك القادم) هو في سياق عملية التطوير والإصلاح الشامل والتحديث والنهضة، تستهدف حقا نقل السعودية إلى دولة عصرية، ملكية دستورية، تتخلص من "إدمان النفط" والفكر السلفي الوهابي المتشدد، وبالتالي إن ما يجري هو "ثورة" لتحقيق رؤية المملكة 2030، التي قرر بها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يرأسه ولي العهد، وصادق عليها مجلس الوزراء السعودي في 25 نيسان/ أبريل الماضي؟
وهل التصعيد في المواجهة السياسية التي وصلت الى مجلس الأمن بين السعودية وإيران، والذي جاء على خلفية إدعاء أو حقيقة استخدام نوعيات جديدة من الأسلحة في اليمن ( منظومة صواريخ "مندب" وصاروخ بركان إتش 2، الذي وصل هدفه بدقة بالغة، كما أفادت وكالات أنباء)، ببعيد عن سياسة الرئيس الأمريكي ترامب وحليفه نتنياهو تجاه إيران وحزب الله في لبنان، وما يجري في اليمن وسوريا والعراق وكردستان؟
السعودية من جانبها اعتبرت أن استهداف الرياض بالصاروخ الباليستي ( بركان اتش 2 ايراني الصنع، المطور عن سكود الروسي)، والذي قطع ألف كيلومتر في الأجواء السعودية، تطور نوعي خطير وخرق واضح للقرار الأممي رقم ( 2216)، يعطي المملكة، كما جاء في قرار مجلس الوزراء السعودي بتاريخ 7 تشرين أول الحالي، " حق الدفاع عن أراضيها وشعبها وفق ما نصت عليه المادة (51 ) من ميثاق الأمم المتحدة"، وقامت بتشديد الحصار على اليمن عبر إغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية.
أما إيران فرفضت اتهامات السعودية، ودعت المجتمع الدولي للضغط على السعودية للكف عن التهديد باستخدام القوة ضد الآخرين، معتبرة أن ما تقوم به السعودية تجاه اليمن جريمة حرب، وأن التهديدات والاستفزازات السعودية انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة.
واعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "تحركات المملكة العربية السعودية في كافة الاتجاهات تعكس حزما بتوازن فائق"، داعيا الى مواجهة التحديات بالوحدة والتكاتف مبديا تخوفه من الانزلاق نحو المزيد من اللاستقرار في المنطقة.
أما واشنطن، فقد اعتبرت من جانبها أن الهجمات الصاروخية لـ "أنصار الله" على السعودية تهدد الأمن الاقليمي.
وبغض النظر عن صحة المعلومات عن صاروخ "أنصار الله"، وهل للأمر علاقة باستنفار الجيش في العاصمة الرياض على خلفية التسونامي الداخلي أم لا. من الواضح أن الأحداث تتسارع، والأوضاع تتعقد، ووتيرة المواجهة تتفاقم وتستعر. ومن الواضح أن دعاة تسعير المواجهة يلقون تأييدا علنيا وصريحا من دولة الاحتلال، التي لا تخفي رغبتها في تدمير إيران، واجتثاث حزب الله من لبنان، واستدراك أية تحولات ليست في صالحها في كل من العراق وسوريا وفلسطين.
ولعل السؤال الذي بات يطرح بقوة اليوم هو: هل ما يجري في السعودية وجوارها يأتي في إطار تهيئة الأجواء، بما فيها الجبهات الداخلية، ومحاور الحلفاء، تمهيدا لنقل "حروب الإنابة" في المنطقة، إلى حرب مباشرة بين أطرافها الحقيقيين الكبار؟
وهل سينجح الأمير الشاب، بعد هذا الاستهداف للأمراء وقادة الجيش ورجال الأعمال والاعلام، الذين يتمتعون بنفوذ داخلي وخارجي كبير، في أن يحقق الاستقرار وتماسك الجبهة الداخلية؟
لا شك أنه لن تقتصر أي حرب قادمة على دولتين فقط هما السعودية وإيران، بل ستشمل مشاركة دول وأطراف عديدة بشكل مباشر وغير مباشر، كالامارات والبحرين والعراق وسوريا وقطر واليمن وإسرائيل، وقد تدخل تركيا على الخط، ومن وراء الجميع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ومع وجود ترسانة عسكرية ضخمة ومتطورة بأيدي جميع الأطراف في المنطقة، واستعداد الدول العظمى لتزويد كل طرف بما يحتاجه من سلاح وعتاد ما دام قادرا على دفع الفاتورة وتلبية مصالحها، فإن أي حرب قادمة ستكون مدمرة لجميع دول المنطقة. وبالتالي فإنها ليست في صالح أحد، وأن تبعاتها ستكون كارثية على شعوب المنطقة ومقدراتها. والخوف كل الخوف، أن تكون مصيدة وشركا للسعودية، يستهدف تفتيت وحدتها، كما استهدفت وحدة أقطار عديدة في المنطقة.
وعلينا نحن الفلسطينيين أن ننأى بنفسنا عن مثل هذه الحرب، وان نبقى أوراق اللعب قريبة إلى الصدور.
وإذ لا أغامر في الاستنتاج بسبب عدم وضوح الرؤية، ومع التأكيد على صحة القول: " إن مع اليوم غدا، وإن غدا لناظره قريب"، فإنني آمل أن تتغلب لغة الحكمة والعقل على لغة التهور والعاطفة، فتجنب شعوبنا دمارا جديدا يستنزف ما تبقى من ثرواتها وأي امكانيات ومقومات لنهضتها اللاحقة ويبقيها تابعة وخاضعة للضواريخ الدوليين إلى مدى بعيد جدا جدا.