الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو عمار.. ذكرى خالدة وحلمٌ لا يموت

نشر بتاريخ: 09/11/2017 ( آخر تحديث: 09/11/2017 الساعة: 11:19 )

الكاتب: د.وليد القططي

في سبعينات القرن العشرين أثناء مرحلة الدراسة الثانوية كبرنا- أنا وأبناء جيلي- على سطوع نجم الزعيم الراحل ياسر عرفات وتشربنا منذ الصغر حب فلسطين وحب ياسر عرفات وكأنهما اسمان لشيء واحد هو الوطن، وكلاهما- فلسطين وأبو عمار- وجهان لحلم واحد مفرداته: التحرير والعودة والاستقلال. 
فلم نكن نُفرّق آنذاك بين حب فلسطين الوطن المفقود وحب أبي عمار الزعيم المنشود. فلقد كان رمزاً لكفاح الشعب الفلسطيني يُعبّر عن نكبته ومأساته وآلامه بنفس القدر الذي يُعبّر عن بطولته وأحلامه وآماله. وكان عنواناً لثورة شعب رفض أن يعيش على هامش التاريخ وأصر أن يقتحم المخاطر ليشم عبق الحرية. وكان قائداً لثورة عظيمة تحمل مضامين جميلة وصفها بنفسه بأنها ليست مجرد بندقية بل نبض شاعر وريشة فنان وقلم كاتب ومعول فلاح ومشرط طبيب وإبرة فتاة تخيط قميص فدائيها وزوجها.
ظلت هذه الصورة المشرقة للزعيم الراحل ياسر عرفات محفورة في عمق القلب والوجدان حتى دارت الأيام دورتها ومضت السنون نحو غايتها وتوالت الأحداث تباعاً يُدفع آخرها بأولها فحطت الثورة رحاها في محطة أوسلو، فدخلت في سجنها الطوعي في اتفاقية أوسلو فبدلت الثورة والدولة بالسلطة، فذهب الناس في الرجل مذاهب شتى، وتوّزعت الآراء بين تطرفين: محبٍ غالِ لا يرى في الرجل أي سيئات ومبغضٍ قال لا يرى في الرجل أي حسنات. وذهب الأول في تطرفه حد التبجيل والتمجيد وربما التنزيه والتقديس، وذهب الثاني في تطرفه حد اتهامه بالتفريط والضلال وربما التخوين والتكفير. وغاب في غمرة الخصام بين المحبين والمبغضين الصوت الوسطي المعتدل الذي يُعطي الرجل حقه حتى لو انتقده، ولا يبخس الرجل أشياءه حتى لو أبرز عيوبه، ولا يغض الطرف عن حسناته وإن تكلم عن سيئاته.
ولم ينقطع الجدل في شأن الزعيم الراحل ياسر عرفات حتى اندلعت الانتفاضة الثانية – انتفاضة الأقصى – عام 2000 وعادت الأمور إلى طبيعتها شعب يقاومٌ محتليه، معلنة بطريقة عملية نهاية مشروع التسوية السلمية القائم على اتفاقية أوسلو بعد انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999 دون أن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على جزء من فلسطين، فسقط حل الدولتين فعلياً الذي قامت عليه اتفاقية أوسلو، واتضح للجميع أن (إسرائيل) أرادت من مشروع أوسلو أن يكون مقبرة للمشروع الوطني الفلسطيني، وجسراً لدخول كل العواصم العربية، ونهاية حل الدولتين. بخلاف ما أراده الزعيم الراحل ياسر عرفات منها بأن تكون محطة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ومرحلة في طريق اكتمال المشروع الوطني الفلسطيني بالتحرير والعودة والاستقلال.
ما أن أدرك زعماء الكيان الصهيوني بأنه ليس بالإمكان تطويع الزعيم الشهيد ياسر عرفات باتجاه خدمة أهدافهم المنشودة من وراء مشروع أوسلو، وما أن أدرك أبو عمار بأن الحد الأقصى الذي سيقدمه الكيان الصهيوني للفلسطينيين لا يرتقي للحد الأدنى الذي يستطيع أي فلسطيني قبوله، ولن يصلح كنقطة ارتكاز لاستكمال الحلم الوطني الفلسطيني فضّل أن يستشهد على أرض الوطن أو على الأقل أن يموت صامداً فوق ثرى الوطن رافضاً بكل عنفوان وإصرار التوقيع على موت الحلم الوطني الفلسطيني مفضلاً موته نفسه على موت الحلم الفلسطيني لأن موته واستشهاده يعني بقاء الحلم في الأجيال القادمة التي ستحمل الراية وتواصل طريق الثورة حتى تحقيق الحلم الوطني الفلسطيني بالتحرير والعودة والاستقلال، وليموت شهيداً كما تمنى ليبقى الزعيم الراحل محتفظاً بصورته المشرقة لدى كل الأجيال الفلسطينية تاركاً لهم ذكرى خالدة لبطل عظيم بذل حياته ثمناً لقضية وطنه من أجل الحلم الذي لم يتحقق في حياته ولكنه حافظ على الحلم حياً في وجدان كل فلسطيني فأصبح ياسر عرفات والحلم الفلسطيني سيين لا يفترقان والحلم لا يموت.