الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاستقلال الوطني وحقيقة تجسيده فلسطينيا

نشر بتاريخ: 15/11/2017 ( آخر تحديث: 15/11/2017 الساعة: 11:26 )

الكاتب: نبيل دياب

ان الحقيقة الثابتة في بلوغ الفعل الكفاحي والنضال التحرري لذروته في مسيرة التحرر الوطني هي تحقيق الاستقلال الذي بموجبه يتم انهاء كافة أشكال الاحتلال وعبره يصبح بسط السيادة الوطنية على التراب الوطني أمرا واقعا ومعه يسترد أصحاب الحق حقوقهم المسلوبة ويحققون ما ضحى من اجله الالاف من الشهداء والاسرى والجرحى والمشردين لتحيا الاجيال حياتها بطمأنينة واستقرار وكرامة وطنية وانسانية غير منقوصة.
ولم يكن الاعلان عن "الاستقلال" لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الذي جاء في نص وثيقة الاستقلال التي صدرت عن م . ت . ف أثناء عقد مجلسها الوطني لدورته التاسعة عشر " دورة الانتفاضة " في العاصمة الجزائرية " الجزائر "بتاريخ 15/11/1988 مصادفةً ، بل تتويجاً لمسيرةٍ طويلةٍ من النضال والكفاح خاض غمارها شعبنا الفلسطيني منذ احتلال ونهب وطنه وارضه عام 1948.
فقد جاء هذا الاعلان في أوج اشتعال "انتفاضة الحجارة" التي فجرّها شعبنا في 9/12/ 1987 من شوارع مخيم جباليا وكل أزقة مخيماتنا وقرانا وبلداتنا الفلسطينية رفضاً للظلم والاضطهاد الذي مارسه الاحتلال الاسرائيلي على شعبنا وتنكره لحقوقه المشروعة، هذه الانتفاضة الشعبية الرائعة التي فرضت حالها على المشهد السياسي محليا وعربيا واقليميا ودوليا هي التي شكلت قوة الدفع الحقيقية لدى القيادة الفلسطينية للإقدام على خطوة اعلان الاستقلال دون تردد سيما وان الانتفاضة أعادت الاعتبار لزخم التضامن الدولي مع شعبنا وقضيته التحررية وان صدى هذا الاعلان سيكون مسموعاً في شتى أرجاء المعمورة بفعل استمرارية وشعبية وجماهيرية الانتفاضة الباسلة وهنا تتجلى حقيقة انه لا يمكن احراز اي هدف سياسي في معركة التحرر والتخلص من الاحتلال بمعزل عن الاسناد الشعبي والجماهيري بالغ الاثر والتأثير في المعادلة السياسية وهذا ما ندعو له دائما بضرورة تعزيز الصمود الوطني للناس لضمان انخراطهم في الفعل الكفاحي دون عزوف أو انقطاع.
واليوم ومع مرور 29 عاما على اعلان الاستقلال فقد واكبت قضيتنا الفلسطينية الكثير من التغيرات السياسية التي ألقت بظلالها على مجمل حياتنا السياسية " الوطنية منها و النضالية " و الاقتصادية و الاجتماعية و أصبحت الحركة الوطنية تواجه الكثير من التحديات التي أثرت على أدائها و في القلب منها ما تشهده من هبوطٍ حاد في الانتماء الوطني و تآكل العديد من القيم و المفاهيم الوطنية التي و بكل اسف جرى استبدالها باللهاث بحثاً عن المصالح الذاتية و تبرير الوسائل لتحقيقها و بفعل هذا اللهاث فقد وقعت القضية الوطنية مجددا بين مطرقة الاحتلال و سندان تداعيات و افرازات هذه التغيرات التي أطالت في امد الاحتلال و لم تقصر من عمره و أحدثت شرخا كبيرا في التكوين الوطني و السياسي الفلسطيني بعد ما جسد تماسكه في حقبة يشهد لها العالم بأنها من أبهى الحقب التي مر بها الشعب الفلسطيني – حقبة الابداع في النضال و الكفاح الشعبي – في مقارعة الاحتلال و انتزاع الحقوق من بين أركانه المتطرفة .
ان هذه الذكرى لإعلان الاستقلال تتميز عن غيرها من السنوات بفعل تزامنها مع مرور المئوية الاولى لوعد بلفور المشؤوم و الاصوات التي تنادي بريطانيا الاعتذار لشعبنا الفلسطيني و قد تناسوا ان الحقوق لا تُستجدى بل ينتزعها أصحابها انتزاعا و الانتزاع يتطلب توفر القوة لتحقيقه و ان المرتكز الرئيس لهذه القوة يكمن في وحدتنا و تلاحمنا شعبا و قوى و فصائل نحو بناء الاستراتيجية الوطنية الموحدة و الالتفاف حولها ببرنامج سياسي موحد يجيد هذا البرنامج مخاطبة العالم من جهة في ظل اختلال موازين القوى ، برنامج يعيد توصيف المرحلة ليجري بموجبها كيفية التعامل مع الاحتلال من جهة أخرى ، برنامج يتضمن الاليات الواقعية في الرؤية و الفعل و الحكمة في اتخاذ القرار السياسي الوطني الموحد دون مغالاة أو مغامرة تجدد قرنا اخرا من الزمن للوعد المشؤوم ، برنامج يحقق ما حملته وثيقة الاستقلال من المباديء و القيم المُثلى كي يصبح استقلالا ناجزا يستحقه شعبنا ليضاهي تضحياته الجسام ، استقلال يلازم الحرية و التمتع بالسيادة الوطنية و ممارسة المواطنة الفعلية في كنف دولة مستقلة يحكمها قانون يحمي الحقوق و يضمن القيام بالواجبات على حد السواء و لا يكبح جماح الحريات العامة ، استقلال يضمن احترام انسانية الانسان الفلسطيني و يصونها و لا ينتقص منها و قد أذاقها التمييز العنصري الذي مارسته اسرائيل صنوفا متنوعة من المعاناة و الالم ، استقلال وطني يؤكد حقنا في فلسطين ارضها ترابها حدودها خيراتها .