نشر بتاريخ: 18/11/2017 ( آخر تحديث: 18/11/2017 الساعة: 16:03 )
الكاتب: د.اسعد عبد الرحمن
يجمع "المجتمع الإسرائيلي/ اليهودي" على أهمية تغذية الروح اليهودية – عرقيا - ما يرسخ ثقافة الكراهية والنظرة الدونية ضد الآخر. من هنا لم يكن غريبا ارتباط الدين اليهودي بالقومية الصهيونية، وتحويل اليهودية من عقيدة دينية إلى قومية يهودية تعادي الآخر كائنا من كان. وعليه، وإن كانت طرق تنفيذ السياسات متغايرة، فلن نظلم أي حزب إسرائيلي إن وضعنا - أيديولوجيا - كل الأحزاب السياسية الإسرائيلية في سلة اليمين المتطرف، ومن بينها حزب "العمل" الذي طالما تبنى سياسات أكثر ميلاً للاشتراكية المطعمة بعناصر ليبرالية، وينادي بتسوية سلمية مع الفلسطينيين والعرب، تؤدي إلى إنهاء الصراع وإقامة الدولتين!!!
تصريحات (آفي غباي) رئيس حزب "العمل" في الآونة الأخيرة المتمسكة باستمرار المشروع الاستعماري/ "الاستيطاني"، والمتنكرة للحقوق الفلسطينية، والداعمة للعنصرية ضد فلسطينيي 48 تتماهى تماما سياسيا مع مواقف (بنيامين نتنياهو) رئيس الوزراء لأكبر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ الدولة الصهيونية، وتكشف عن عدم وجود اختلاف جوهري في سياسة الأحزاب الإسرائيلية، و(غباي) وكأنما يفصح عن وجه ما يسمى "معسكر السلام" الذي يغلف عنصريته ومشروعه الاحتلال الإحلالي بجمل رنانة عن "السلام المنشود". وهي في الأصل مواقف تكاد لا تختلف عن مواقف من سبقوه في قيادة حزب "العمل"، فقد قال ذات الشيء بل وفعلوا أكثر (اسحق رابين) و(شمعون بيرس) (وإيهود باراك)، وهؤلاء من قدموا حزب "العمل" على أنه حزب اشتراكي معتدل يسعى للسلام، رغم أنه في حقيقة الأمر سلب الأرض ومارس الاحتلال والقتل، واليوم، يعبر (غباي) عن مواقف هؤلاء جميعا: "إسرائيل بحاجة إلى الجيش الأكثر قوة ويجب علينا دائما أن نكون عدوانيين وهجوميين... هكذا فقط يفهمون في منطقة الشرق الأوسط!!!"، وذلك بعد يوم واحد من تصريحاته في أنه "لن يجلس مع أعضاء القائمة المشتركة (النواب العرب) في ائتلاف حكومي". وتابع تصريحاته الشبيهة بتصريحات اليمين الفاشي: "قبل كل شيء علينا أن نعرف أمرا واحدا، نحن الأقوياء هنا، وكل الوقت يخيفوننا، ولكن نحن الأقوياء هنا، نحن أقوى من العرب، يجب أن لا نخاف منهم، بل هم يجب أن يخافوا منا".
وفي تصريح آخر، أراد به المزايدة على المعسكر اليميني واستعادة، من جديد، بريق حزبه الخافت، وبمناسبة الاحتفال بمرور خمسين سنة على "الاستيطان" في غور الأردن قال (غباي): "إن المشروع الاستيطاني يمثل وجه الصهيونية الجميل والمخلص، وعلى إسرائيل أن تحافظ على سيطرتها على غور الأردن في إطار أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين". ثم إنه توجه بحديث حماسي "للمستوطنين" قائلاً: "لقد أظهر المشروع الاستيطاني على مر السنين الالتزام والعزيمة ومحبة "الوطن"، وأنكم أيها المستوطنون رواد الأجيال الإسرائيلية، فأنتم رجال تعملون وسط المصاعب وتحققون المستحيل وتعمرون البراري". وهذا الموقف بالضبط موقف (نتنياهو): "على إسرائيل أن تحتفظ بغور الأردن الذي يمثل حزاماً دفاعياً استراتيجياً لإسرائيل لن تتخلى عنه". بل إن (غباي)، وقبل أيام قليلة فقط، جدد رفضه إخلاء "مستوطنات" في أي تسوية مع الفلسطينيين في المستقبل، كما واصل هجومه على القائمة المشتركة ووصفها بأنها معادية لإسرائيل. وقال: "يجب العمل على إيجاد حل إبداعي للحفاظ على المستوطنات في الأراضي المحتلة".
في السياق، وفي كتابه الجديد، "عشر خرافات عن إسرائيل"، كتب المؤرخ الإسرائيلي البارز والناشط الاشتراكي (إيلان بابي) يقول: "يبدو أن صانعي السياسة الإسرائيليين مصممون على إبقاء الاحتلال حياً طالما ظلت الدولة اليهودية سليمة ومتماسكة. ويشكل هذا جزءاً مما يعتبره النظام السياسي الإسرائيلي الحالة الراهنة، التي تظل دائماً أفضل من دون أن يطرأ عليها أي تغيير. سوف تسيطر إسرائيل على معظم فلسطين، وبما أنها ستضم دائماً عدداً كبيراً من السكان الفلسطينيين، فإنها تستطيع تحقيق ذلك فقط بوسائل غير ديمقراطية". وفي مقال بعنوان "تعريف بأبرز طروحات اليمين الجديد في إسرائيل" كتب المحلل السياسي (حيمي شاليف) يقول: "الكارهون والمحرضون يتصدرون المشهد في الحلبة السياسية وفي شبكات التواصل الاجتماعي ويسير اليمين الإسرائيلي كله وراءهم. وليس مبالغة القول إن اليمينيين المعتدلين الذين يرغبون ببناء جسور مع سائر ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي تم طردهم من الساحة وحلّ مكانهم الذين يريدون إحراق هذه الجسور. يمكن تسمية هؤلاء باليمينيين الجدد، والسمة الأبرز التي تلازمهم هي احتقار الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير وسلطة القانون ومبدأ المساواة في الحقوق والقيم الإنسانية. إنهم يحبون أرض إسرائيل القومية المتطرفة. ويطلقون وصف "اليهود الذين يكرهون أنفسهم" على جميع الإسرائيليين اليساريين والعلمانيين وغيرهم من الذين يتمسكون بما بقي من شعار "الدولة اليهودية الديمقراطية".
لا فروق جوهرية بين (غباي) و(نتنياهو) ولا حتى مع رئيس "البيت اليهودي" (نفتالي بينيت) أو حتى زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" (أفيغدور ليبرمان) فجميعهم أبناء للصهيونية فكرا وممارسة، أما المتغيرات بينهم فلها علاقة بطبيعة الحزب وحجمه وموقعه في إدارة دفة الحكم.