نشر بتاريخ: 19/11/2017 ( آخر تحديث: 19/11/2017 الساعة: 17:38 )
الكاتب: محمد خضر قرش
لا اعلم فيما إذا كنت موفقا في استحضار حكاية المهندس سنمار النبطي الأصل الذي بنى قصرا رائعا ليس كمثله قصر في ذلك الزمان لملك الحيرة النعمان بن أمرؤ القيس اللخمي بوسط العراق (محافظة الكوفة حاليا) وبين حكاية سعد الحريري مع ملك شبه الجزيرة العربية. فالأول قام ببناء قصر لملك الحيرة أطلق عليه أسم الخَوَرنَقُ، وكان جزاؤه أن أُلقي به من أعلى سطح القصر بعد أن أكمل بناؤه.
وقد جاء ذلك بعد أن كشف للملك سرا مفاده" ان هناك طوبة واحدة في القصر إذا تم نزعها من مكانها هُدم القصر كله فورا" ولا أحد يعلم مكانها إلا هو (أي سنمار). وبعد ان تيقن الملك ان لا أحدا غيره يعرف مكان الطوبة، اخذه إلى اعلى سطح القصر وهوى به إلى الأرض فمات سنمار، فبات مثلا يضرب لنكران الجميل وجزاء القيام بالمعروف.
واما الثاني الذي أسدى الخدمات الكثيرة وقدم الكثير من المعروف والإخلاص والولاء للسعودية فاق كل الحدود ليس لكونه يحمل الجنسية السعودية فحسب بل لأنه وضع نفسه ومستقبله المالي والسياسي بما في ذلك تياره في العباءة السعودية بالكامل وبات محسوبا ضمن حصتها. والذي تناغم مع كل سياساتها ودافع عن كل أخطائها وبرر كل اعمالها وجند معه فريق 14 آذار بعجره وبجره. لكن سعد وبحكم حداثة عهده وجهله في التعامل مع الملوك وولاة الأمر وتشابك اعماله ومصالحه الواسعة والكثيرة هناك مع العديد من الأمراء ممن جرى اعتقالهم والتحقيق معهم. وقد سمح له وضعه بطريقة او بأخرى بالأطلال على الكثير من الخبايا والأسرار المتعلقة بهم بما في ذلك معرفته ربما اليقينية بالجهة التي قتلت أبيه، وعليه فإن مصيره كله ومصير تياره المستقبلي وفريقه السياسي اللبناني بات مرتبطا برضا ولاة الأمر في شبه الجزيرة العربية.
ومع بداية التغيير الذي جرى هناك عقب موت الملك عبد الله واستلام اخيه وابنه الحكم وإشعالهما لحرب اليمن والعلاقات السرية ومن ثم العلنية مع إسرائيل والنتائج التي ترتبت على زيارة ترامب والصفقات الهائلة التي تم توقيعها معه والصراع الدائر بين الأمراء من أبناء العمومة، حيث من المبكر جدا القول بان بأن الأمور وأولها عصا الحكم واستمرار البيعة قد آلت للملك وابنه بشكل نهائي. خاصة بعد فشل كل السياسات التي اتبعت في سوريا والعراق وليبيا واليمن مما أدى إلى استنزاف موارد المملكة وارصدتها واحتياطياتها المالية واخفاقها في الحؤول دون توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا وانكشاف علاقتها التمويلية مع بعض المنظمات الإرهابية وتراجع أسعار النفط العالمية والتي جعلتها في موقف لا تستطيع معه الاستمرار في إغداق الأموال لشراء ذمم الدول والأحزاب على حد سواء كما كانت تفعل حتى وقت قريب جدا. وأخيرا وليس اخرا تأزم علاقتها مع قطر وانهيار منظومة مجلس التعاون الخليجي عمليا وميدانيا مما لم يمكنها من قيادة دول الخليج العربي والتحدث بالنيابة عنهم باعتبارها كتلة متجانسة في كل شيء. فقد تجمعت كل حالات الفشل والإخفاق سالفة الذكر لتعكس نفسها على سلوك واعصاب القائمين على إدارة دفة البلاد سياسيا واقتصاديا. وحتى تعوض القليل من فشلها وجدت ضالتها قبل الأخيرة باستخدام "سنمار الحريري" في لبنان ومطالبته برد خدمات ميدانية لإرباك الساحة اللبنانية الهشة ذات التركيبة الموغلة بالطائفية والمذهبية، مقابل العطايا المالية التي حصل عليها هو وفريقه. ولم تكتف به، بل اتصلت بغيره من أعضاء فريقه والمصنفين ضمن قائمة غلاة الطائفيين الذين يضمرون ويكنون العداء والحقد لكل ما هو قومي عربي حقيقي وبعضهم اغتال رئيس وزراء لبنان السني الأسبق رشيد كرامي فهم من المتحالفين والمؤيدين للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. ولما لم يستطع "سنمار الحريري" وحلفاءه رد الالتزام الميداني لأسباب عديدة طُلب منهم دفع قيمة الكمبيالة القابلة للصرف غب الطلب، بعد حلول تاريخ استحقاقها من خلال اشعال الفتنة المذهبية والطائفية بغرض واحد وحيد هو اشغال وإنهاك حزب الله في المقام الأول من خلال تأجيج إوار الحرب الداخلية وزيادة سعيرها وإطالة امدها والتي تعتبر محطة ضرورية لإضعاف حزب الله والحركة الوطنية اللبنانية كلها، تمهيدا لعدوان إسرائيلي واسع على لبنان بغرض إنهاء الوجود المادي لكل ما هو وطني وقومي مما سينتج عنه إضعاف وبالأدق إخراج إيران من لبنان كله ولاحقا من سوريا على الأقل. فالحكام الجدد في الرياض لم يعودوا يكتفون بالتأييد والولاء النظري "لسنمار الحريري" من خلال وجوده رئيسا للوزراء وما يقدمه هو وفريقه المتحالف معه من خدمات استثنائية بمجاهرتهم ومناصبتهم العداء العلني لحزب الله وإيران وسوريا بل يريدوا مشاركتهم الفعلية والميدانية لمواجهة الحلف المذكور. فلم تعد تكفيهم المواقف النظرية المؤيدة والمبجلة لمواقفهم من خلال التصريحات والانحياز والاصطفاف في فسطاط الشر والتآمر، بل يريدوا ترجمة التأييد ميدانيا على الأرض من خلال إيقاظ الفتنة المذهبية والطائفية بين مكونات الشعب اللبناني. فالفتنة المذهبية والحرب الداخلية إذا استعر لهيبها فلن ينطفأ إلا بعد عقد من الزمان على الأقل، قبل ان يتجمعوا في طائف جديد، بدون وجود حزب الله والقوى الوطنية. ملك الحيرة قام بنفسه بإلقاء سنمار من اعلى سطح القصر إلى الأرض فأرداه قتيلا في الحال، أما "سنمار الحريري" فقد تمت إهانته والتحفظ عليه وسجنه ولكنه لم يلق به من أعلى سطح القصر بعد. من يعتقد أو يظن بان خروج الحريري من محبسه وعودته إلى لبنان سوف يترتب عليها إعادة اصطفافه في فريق جديد غير الذي ينتمي إليه حاليا سيكون واهما وسيقع في مغالطة كبيرة وربما قاتلة ايضا. "فسنمار الحريري" سيعود أكثر التصاقا بحلفه. هدف الحريري الان هو إبقاء لبنان في وضع غير مستقر وغير آمن. فتكوينته وماضيه وتاريخه لا يمكن ان تجعل منه وطنيا حريصا على استقلال لبنان ووحدته. فهو ليس أكثر من أداة تستخدم كمعول هدم للبنان وكرأس حربه في إشعال الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان. سيبقى الحريري أسيرا للضغوط السعودية والأميركية ولتربيته ولن يخرج من هذا الثوب ابدا. حجزه في الرياض ليس أكثر من شدة أو قرصة أُذن واحدة له. فإذا كان المهندس سنمار قد توفي في الحال بعد قيام الملك بإلقائه بنفسه من سطح قصر الخورنق في الحيرة، فإن "سنمار الحريري" سيموت بطيئا وسيخسر ما تبقى له من رصيد وتأثير فشقيقه بهاءالدين جاهز ليحل مكانه على الفور. فمن لم يتعلم من درس المهندس سنمار يستحق كل الذي يجري معه وله وأكثر. وختاما نقول لسنمار الحريري " ما هكذا تورد الأبل يا سعد ولا هكذا تؤكل الكتف". شعب لبنان ذاق الأمرين من الحرب الأهلية وفقد خيرة شبابه من اجل لا شيء أو من أجل زعماء فاسدين. وعليه فهو سيفكر طويلا جدا قبل أن ينجرف نحو حرب او فتنة داخلية جديدة لن يستفيد منها سوى أعداء لبنان وفي مقدمتهم إسرائيل. شعب لبنان وقف مع الحريري ليس حبا فيه او له وانما نصرة للكرامة اللبنانية.