نشر بتاريخ: 21/11/2017 ( آخر تحديث: 21/11/2017 الساعة: 09:09 )
الكاتب: د.محمد المصري
عشية اللقاء المرتقب بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة، فإن من الواجب الإشارة إلى الملاحظات التالية:
أولاً: من نافلة القول أن الاتفاق بحده الأدنى، هو أكثر من ضروري، فهذا اللقاء يُعقد والوقت ينفذ والحصار يضيق والمواجهة وشيكة، وخاصة بعد قرارات إسرائيل الأخيرة التي تعمل على تطبيع الاحتلال وشرعنته بعد أن أقرت محكمة إسرائيلية على أن من الممكن السيطرة على أية أرض فلسطينية لرفاهية المستوطنين، وبعد اعتبارهم أصلاً وجزءا من التكوين السكاني في الضفة الفلسطينية، وبعد قرار وزارة الخارجية الأمريكية بعدم تجديد الرخصة لفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية.
إن هذه القرارات تعني شيئاً واحداً: فرض الاستسلام على الفلسطيني، وحتى نُفشل كل ذلك، فإن الاتفاق في القاهرة يعني إفشال كل ذلك وما وراءه من خطط ومبادرات وتحركات مشبوهة، علنية أو سرية.
ثانياً: نحن لا نطالب الفصائل المجتمعة باتفاق مثالي وشامل، سنعفيهم من هذا بسبب عدم واقعيته، نحن نطالبهم باتفاق يسمح بالحركة والمرونة، للخروج من عنق الزجاجة الذي نتواجد فيه الآن، ولمواجهة المرحلة القادمة التي أعتقد أنها ستشهد مواجهة مع أطراف متعددة في الإقليم وفي الخارج، ولهذا، فإن هذا الاتفاق سيسمح للفلسطينيين بالمواجهة، ولمنع أية محاولات تعبث بشئوننا الداخلية أو ساحاتنا الخلفية أو قراراتنا أو شرعيتنا.
ثالثاً: الفشل في القاهرة – لا سمح الله – سيضرب مصداقية الفصائل والشعارات والشخصيات، وسيسمح لكل الأطراف أن تستخدم الورقة الفلسطينية كما تريد، خاصة وأن المنطقة تدخل استقطاباً غير مسبوق، ونحن لا نريد أن نتورط في أية أحلاف أو استقطابات لا تفيد ولا تقربنا من أهدافنا الوطنية قيد أُنملة، وبهذا فإن الفشل ممنوع في هذه المرحلة.
رابعاً: بناءً على النقطة السابقة، فإن الدور المصري والأردني معاً، لابد لهما من أن يدفعا باتجاه هذه المصالحة وهذا الاتفاق، لأن الجميع على المحك، إن الخطوة الأمريكية الأخيرة المتعلقة بإغلاق مكتب منظمة التحرير، إنما هي خطوة متعجلة وطائشة ولا تخدم سوى إسرائيل، وبالتالي فهي موجهة أيضاً إلى التيار المعتدل في المنطقة، إن الضغط على الفلسطينيين أو على السلطة الوطنية بالتحديد بهذا الشكل، إنما هو تعطيل وتشويش على الدبلوماسية المصرية والأردنية، وهو إحراج لهما أيضاً، وبالتالي فإن الدور المصري والأردني في محادثات القاهرة هو دور محوري، لأن مصالح أبناء المنطقة غير مصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي استمرأت سياسة الغطرسة والبلطجة، هذه المرة نعتقد أن الدور المصري في إبقاء المصالحة وتغطيتها وحمايتها مسألة بالغة الأهمية والحساسية، لأنها ستمنع المواجهة بين الأطراف وستمنع الانهيارات وستمنع ما قد يحدث جراء الضغط اللامنطقي واللامبرر على الفلسطينيين.
خامساً: ندرك جميعاً أننا لسنا ضعفاء في الإقليم، ولسنا منعزلين، ولسنا عديمي الحيلة، وأعتقد أن الولايات المتحدة أخطأت كثيراً جداً بقرارها الأخير، ذلك أنها أخرجت نفسها من القدرة على التأثير على الفلسطينيين على الأقل، وهي التي تدعي طيلة الوقت أنها تريد أن تقدم تسوية غير مسبوقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أن إدارة ترامب تنسف بهذا القرار كل ما فعلته الإدارات السابقة وراكمته منذ عام 1988، كما أنها تواجه القانون الدولي، وتكشف عن وجهها وانحيازها السافر للسياسات الأكثر عنصرية في إسرائيل الحالية، هذا القرار لا يعري ولا يضعف الشعب الفلسطيني ولا قيادته، ذلك أن عدم إرضاء الفلسطينيين أو الانتباه لمطالبهم ومخاوفهم وأهدافهم، سيجعل من ما يعرف بصفقة القرن مجرد حلم، كما أن سياسة أميركا في الإقليم ستواجه بكثير من الصعوبات إذا لم يتم التعامل مع القضية الفلسطينية كما يجب، فهذه القضية قضية مركزية لا يمكن لأي كان أن يتجاهلها، لا ترامب ولا غير ترامب، الدكتور صائب عريقات لامس هذا المعنى عندما قال أننا سنقاطع أميركا أيضاً، هذا كلام مهم ودقيق، نحن شعب على الخارطة، لا أحد يتجاوزنا ولا أحد يمكنه عدم الاهتمام بمطالبنا، لقد أفشلنا خططاً ومؤامرات كثيرة من قبل، وبالتالي نحن لسنا عديمي الحيلة ولا نملك يدين من مرغرينا.
سادساً: في القاهرة، ليس من الضروري تقديم كل الإجابات على كل الأسئلة، المصالحة من هذا النوع يجب أن تدار بكثير من الحكمة الحذر واللطف، هناك أطعمة تحتاج إلى نيران هادئة لطهيها، فمن الممكن أن تُرحّل القضايا الشائكة إلى أوقات أخرى، ومن الممكن أن تكون هناك اتفاقات سرية، ومن الممكن أن يسكت عن قضايا أخرى، هذا يعني أن المجتمعين في القاهرة، وهم يواجهون ما يدور في الإقليم كله، عليهم أن يقودوا شعبهم إلى بر الأمان، هذه هي المهمة التي انيطت بهم، وهم يستطيعون أن يقولوا "لا" كبيرة لأي مؤامرة أو مخاطرة أو مغامرة، ومن هناك لا يجب عليهم قول كلمتهم وكأنهم يخاطبون قواعدهم ومناصريهم، ومن الأهمية بمكان أن ييقنوا بأن الشعب الفلسطيني كله ينظر إليهم وينتظر منهم القول نعم للوحدة ولا كبيرة وبدون حدود للضغوطات على القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وعلى رأس هذه القيادة الرئيس أبو مازن، الذي يمتلك الشرعية كي يواجه كل المشاريع التي يراد منها التنازل عن حقوق شعبنا.