الخميس: 13/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

حقيقة المصالحة

نشر بتاريخ: 28/11/2017 ( آخر تحديث: 28/11/2017 الساعة: 10:37 )

الكاتب: أحمد طه الغندور

يقال في علم المفاوضات أن أساسيات التفاوض لها نقطة انطلاق، وأن هذه النقطة تُجسدها المقولة:
"إذا لم تستطع أن تدور حوله، أو تقفز من فوقه، أو تنفذ من خلاله فمن الأفضل أن تتفاوض معه".
وإذا ما أردنا الحديث عن المصالحة الفلسطينية من باب علم المفاوضات، فقد يجمع المختصون أنها قد كسرت قوالب تفاوضية كثيرة؛ وربما يعود ذلك في الأساس إلى معرفة طرفي المفاوضات دواخل بعضهما البعض بشكل تام فليس هناك ما يخفيه عن الطرف المقابل، فبات الأمر برمته صراع مع النفس.
فكم هي المرات التي جلس فيها الطرفان مع بعضهما البعض، وكم هي الأطراف التي تدخلت بينهما كوسيط لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وكم الاتفاقات التي تم صياغتها لتشكل المرجع القانوني للممارسة على الأرض.
وربما يمكن إرجاع السبب في ذلك إلى العديد من التدخلات الخارجية والضغوط الداخلية التي أثرت ولازالت تؤثر على المصالح المشتركة بين الطرفين، وبالتالي تعيد عملية التفاوض إلى مرحلتها الأولى والتي تسمى مرحلة التحضير للمفاوضات أو المفاوضات الداخلية، مما زاد من عملية التعقيد وخلق مزيد من المعيقات التي لم يستطيع أي من الطرفين أو الوسيط المصري إنهائها أو حتى العمل على تحيدها.
ولعل السؤال المشروع الأن؛ القول إلى أين وصلت مسيرة المصالحة؟
بدايةً؛ أقول إن المصالحة بخير ولا رجوع عنها من قٍبل الفرقاء؛ فالنية واضحة للمضي قدماً برغم استمرار التدخلات الخارجية والضغوط الداخلية والصراع الهائل مع رافضي مبدأ وحدة الشعب الفلسطيني، ولعل صمام الأمان الأقوى لتحقيق المصالحة يعتمد بالأساس على التطور الذي واكب الدور المصري.
هذا الدور الذي تجاوز الدور النمطي للوسيط بين الأطراف في المفاوضات إلى المسهل والمشرف والرقيب على ما يمكن تنفيذه فعلياً على الأرض؛ وهنا لابد من توجيه الشكر للأشقاء في مصر على هذا الدور التاريخي رغم ما يحاك من مؤامرات ضد الشقيقة مصر، وربما جاء بعضاً من هذه المؤامرات لثنيها عن حرصها على إنجاز المصالحة وتحقيق الوحدة الفلسطينية.
فها هم جنود مصر على أرض فلسطين يعملون لتحقيق هذا الهدف القومي، مما يفرض علينا دوراً يجب القيام به لإنجاح المصالحة؛ فما هو المطلوب منا لمباشرة التنفيذ من أجل انقاذ أنفسنا وتحقيق وحدتنا؟
لعله من المناسب الأن أن ندرك طبيعة الوضع الإقليمي والظروف التي تحيط بالقضية الفلسطينية مما يوجب على الكل الفلسطيني إثبات حُسن النوايا في التعامل مع بعضها البعض، وعدم وأد الفرصة الأخيرة لقيام دولة فلسطين على الأرض.
كما أنه المستحسن عدم الخروج عن نصوص الاتفاق بخلق مسميات وفرضيات لا مجال لها، والعمل على قتل الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني، لأن الأطراف تعلم تماماً أن مرجعها في كل القضايا يعود إلى اتفاق 2011 المعتمد لدى الجميع.
كذلك يجب وقف الجدل والاشتباك الإعلامي الذي يعمل على التوتير وإثارة النفوس دون فائدة مرجوة، وتسويق خطوات النجاح مهما كانت صغيرة، والإسراع في وقف العقوبات ضد غزة، فهي بالجملة لم تمس أطراف الانقسام؛ بل قد ينظر إليها البعض كمخالفة للقانون والأصول المرعية، وأن يترافق ذلك مع العمل المتزامن على إرجاع الحكومة بشكل تام إلى مؤسساتها ودورها المعروف في المحافظات الجنوبية دون المساس بأي شكل كان بها أو مؤسساتها أو موظفيها، حتى تتمكن من القيام بالمرحلة الثانية من دمج الموظفين والشروع في عمليات التطوير المناسبة.
على الفصائل الفلسطينية والمؤسسات بكافة أشكالها القيام بدورها بمنع الفرقاء من المضي بالانقسام، فإن الشعب ينتظر الكثير؛ وعلى الجميع يعلم أن الشعب قادر على عقاب أي طرف في الوقت المناسب، وأنه لابد أن تكون هناك انتخابات مهما حاولت الأطراف تأخيرها، وأن ذاكرة الشعب لا تنسى من أساء لها.
أخيراً وليس بأخر؛ إننا ننظر إلى الأشقاء المصريين نظرة إكبار وتقدير وهم خير من يعلم بأن الوقت لا يجري لمصلحتنا أو مصلحة قضيتنا؛ فلا بأس بمزيد من الضغط الفاعل في سبيل تحقيق المصالحة، ولو كلف الأمر بكشف من يضع العصي في دولاب المصالحة وتعريته أمام الشعب الذي لازال يعاني من أجل حريته، فليس من المقبول أن تكون مصالح حزب أو فريق أهم من المصالح العامة للشعب الفلسطيني، فسيروا وعين الله ترعاكم.