الخميس: 13/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

متلازمات الحرية

نشر بتاريخ: 21/12/2017 ( آخر تحديث: 21/12/2017 الساعة: 11:17 )

الكاتب: عوني المشني

بعد استماعي لمحاضرة للدكتور سري نسيبة حول الحرية في السياق العربي الاسلامي، ضجت الأسئلة الكبيرة في أعماقي حول متلازمات الحرية، وان كنت لا اعتقد ان الحرية يمكن حشرها في سياق ثقافي اجتماعي كونها حاجة انسانية غريزية، فان الإضاءات التي قدمها الدكتور سري لم تنه اللبس في موضوع الحرية والذي اشعر به، ريما ان ابداع الدكتور سري في محاضرته يكمن في اثارة الأسئلة المهمة اكثر من الإجابة عليها، وهذا ما لا يستطيعه الا مفكر فذ، لقد اثار قلق كبير بأفكاره الإبداعية وأحاط البديهيات التي نتعايش معها بكثير من الأسئلة ، انها الأسئلة التي تستدعي اعادة التفكير في تلك البديهيات .
كبعض عناصر الطبيعة التي لا توجد بمفردها وإنما وجودها مقترنا باتحادها بعنصر اخر هكذا هي الحرية ، الحرية دائما تأتي في متلازمات ، لا يوجد حرية مطلقة مستقلة عن الأشياء الاخرى ، الحرية والعقل " الوعي " ، الحرية والغرائز الانسانية ، الحرية والقانون ، الحرية والتحرر ، الحرية والايدلوجيا ، الحرية واللغة ... هذه ابرز متلازمات الحرية وليس جميعها ، فهناك العشرات من المتلازمات والتي تأتي في درجة أهمية اقل من هذه ، سنتوقف في هذا المقال عند بعض المتلازمات ، والتي لا ادعي انني افهمها تماما ولكني هنا افكر بصوت مرتفع لامارس تمرين عقلي عساه يساعدني على الفهم .
بادئ الامر يصدمني التساؤل عن كوّن الحرية فعل غريزي او مكتسب ، ربما الخليفة المسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعني ما قاله " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا " ، اقصد انه كان يعني ان الحرية تولد مع الفرد ولا تكتسب ، يولد الانسان متخلفا من كل قيد على حريته حتى ملابسه ، وتبدأ القيود مع ولادته مباشرة ، لباسه اولا ثم قيود " القماط " ثم ترتقي القيود الى مستويات معرفية واجتماعية ، قيود العيب والحرام ، وبعدها قيود القوانين ، وأكثرها جرأة وإجحاف قيود الأيدلوجيا التي تصل لحد إقناع الانسان بتقييد حريته بفكرة محددة !!!! واذا كانت الحرية مسألة غريزية اصيلة فما هو المكتسب في الحرية ؟؟؟؟ ربما ان المكتسب هو القيود التي تكبح جماح الحرية ، او بتعبير اكثر تحفظا ، الحدود التي تنظم الحرية ، السؤال : هل يمكن ان تبقى الحرية غريزة اصيلة بمعزل عن محدداتها او كوابحها ؟؟!!!! في الميتافيزيقيا الانسانية لا يمكن ، فالاختيار الحر باكل التفاحة اخرج آدم من الجنة ، وقبل ذلك فالاختيار الحر لأحد الملائكة بعدم السجود لآدم أوقع عليه عقابا أبديا ليس له فحسب بل للإنسان بان يبقى حائرا بي إغوائه بالشر المطلق من جهة وبين الخير المطلق الذي يمثله الاله . في المفاهيم الاخرى ايضا لا يمكن فالحرية متلازمة مع قيودها والذي أهمها هي العقل الذي هو اصيل في الانسان وينمو معه وغير مكتسب . بتكثيف مختصر نقفز الى استنتاجات هي اقرب الى مفاتيح للنقاش
الحرية والعقل : الوعي الفردي هو المنظم للحرية والكابح الاول لها ، لكن الوعي الفردي يستمد عناصره الكابحة من الإدراك للمنظومة الجماعية للحياة الانسانية ، هذه المنظومة التي في الوضع السوي تمثل الوعي الجمعي .
الحرية والغرائز : الغرائز بطبيعتها احتياجات انسانية وهي اهم متلازمات الحرية ، العقل وحده هو ما ينظم حرية إشباع الغريزة ، وهنا يصبح العقل كابحًا ضروريا ، الوعي بالحاجة لا يكفي فالعقل ينظم الوعي بكيفية إشباعها .
الحرية والقانون : لا اعلم على وجه الدقة اذا ما كان يجب ان يخضع القانون لمتطلب الحرية او العكس ، لكن ان تستمد القوانين شرعيتها من كونها تستجيب للحاجات الفردية المتفق عليها المجموع بما فيها الحرية ، هذا يعني ان القوانين يفترض ان تكون اخلاقية حتى تكون شرعية ، ومثلما ان القوانين لا تعني العدالة فان استبدال متلازمة الحرية بالقانون الى الحرية بالعدالة يصبح هو المطلق الذي يشكل هدفا انسانيا لا يمكن الوصول اليه
الحرية واللغة : اللغة هي وعاء الفكر ، ولكن امام الحرية تتحول اللغة الى احدى تعبيرات الحرية والتي يقال عنها حرية الرأي ، لا يوجد حرية فكر دون ان تلازمه حرية الرأي اي دونما لغة ، يوجد لغات تكون فيها مفردات كابحة للحرية واحيانا اللغة ذاتها ليست حرة بما يكفي لتتسع لحرية الرأي .
الحرية والايدلوجيا : هي تتويج لعملية غسيل الادمغة ، فان تصل الى القناعة بالقيود التي توضع على العقل في التفكير هذا يعني سجنا ذاتيا بارادة واعية ، لا يوجد قيدا اكبر على الحرية من الايدلوجيا التي تضع مسارا إجبارا للتفكير ، الإبداع الإنساني هو تحرير الحرية من قيود الايدلوجيا ، لهذا فارتباطها الحرية بالقانون هو محاولة متواضعة لإخراج الحرية من تحت سلطة الايدلوجيا .
الحرية والتحرر : المقاربة بين التحرر والحريّة ليست دائما ناجحة ، كثيرا من الشعوب المستقلة والتي لها سيادة ليست حرة ، إسكتلندا اختارت حريتها ولم تختار تحررها ، الشعب في إسكتلندا اكثر حرية من شعوب تحررت !!!! المفارقة ان من يقاتلون من اجل التحرر ربما لا يقاتلون من اجل حريتهم في ظرف اخر ، انا انتمي لنوع من البشر يفضلون حريتهم على تحررهم .