الخميس: 13/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

تجربتي مع الكتائب..(معركة شرسة في قلب جنين) -7

نشر بتاريخ: 25/12/2017 ( آخر تحديث: 25/12/2017 الساعة: 11:24 )

الكاتب: منذر ارشيد

مقدمة...
شعبنا عظيم يتأقلم مع الظروف والواقع بسرعة مذهلة.. فبالرغم من أن المقاومة المسلحة إنعكست سلبا على حياتهم وتوقف الأقتصاد والنمو إلا أنهم كانوا متعاطف ين مع المناضلين والمقاتلين تعاطف كبيرا لأنهم يدركون أن العدو هو من دفع الشباب إلى السلاح والرد عليهم
لم نرى من يطالب بوقف المواجهة بل على العكس كان الجميع يحمي المقاومة والمقاومين ويمدهم بالمساعدات
عاش الوطن أيام عز وفخر رغم الألم والمصائب التي حلت على الناس جراء فقدان الإخوة والأبناء والأصدقاء من الأبطال الذين سقطوا في سبيل الحرية إلا أن الوحدة التي تجلت بين الناس وخاصة المقاتلين الذين أصبحوا يشكلون عائلة واحدة وقد تجلت روح المحبة والألفة بين الجميع .
أنا شخصيا لم أكن أعرف أن هذا حمساوي أو جبهاوي ولا جهادي من الفتحاوي اللهم سوى عدد قليل جدا مثل الشهيد محمود الطوالبه الذي كنت أعرف أنه من الجهاد الأسلامي وذلك لأنه اعتقل مرة من قبل الأمن الوقائي وحصلت ضجة إعلامية على مستوى الوطن والخارج
والقائد بسام السعدي لأنه اعتقل مرة
والأسير الشيخ جمال أبو الهيجا الذي عرفت أنه حمساوي لأنه كان يخطب بإسم حماس
فمثلا الشهيد البطل حسام جرادات إبن تنظيم الجهاد الإسلامي كانت علاقتي به شبه يوميه وأهله أحبائي خاصة والدته أخت الرجال وأم الأبطال رحمها الله وعلاقتي بهم منذ أن وعيت على الدنيا كجيران وأهل وخاصة شقيقه المرحوم محمد لطفي الذي كان معي منذ بداية الثورة حتى دخل إلى الوطن بعد عامين من أوسلو ومن يتذكره رحمه الله ..يعرف كم عانا هذا الرجل ، دخل وعُين في بداية الأمر جنديا .. والله جنديا وحارسا على أحد الحواجز في جنين وكان سعيدا جدا لأنه عاد إلى وطنه .. حاولنا أن يأخذ حقه حتى أخذ بعد سنتين رتبة ملازم والسبب لأن لا أحد من الكبار يريده ولا يعنيهم بشيء وهو يستحق رتبه عقيد رحمه الله
كان خفيف الروح طيب القلب ضحوكا يحب الناس وظل مبتسما رغم كل الظروف التي مرت عليه
محمد لطفي جرادات (أبو لطفي) الحبيب الغالي على قلبي وكان بيتهم قبل عام 67 مقرا لنا كمجموعة ثوار وطنيين كنا نقوم بالمظاهرات أيام الحكم الأردني مع بعض وسجنا قبل النكسة معا ..حتى جاء الإحتلال وتم اعتقاله كأول أسير بعد الإحتلال في جنين ولم بعترف على أحد منا إطلاقا وخرج وقد حذرنا من الإقتراب منه إلا أن قرر العدو إعتقاله بعد أن وصلت معلومات مؤكدة عنا فهربنا من بيوتنا واختفينا ومن ثم غادرنا إلى سوريا معا .

بيتهم ظل عامرا بالوطنية والطهارة حتى عدنا للوطن .كنت أزورهم باستمرار وادخل الغرفة التي كانت مقرا لنا وغرفة عمليات وكم كنت أشعر بالسعادة وأنا أعيد عبق التاريخ والذكريات الجميلة بعد 27 عاما

كان الشهيد الجميل حسام جرادات يحبني وبشكل غير عادي وأنا أيضا كنت أحبه لأخلاقه وشهامته
وما شدني إليه أكثر .. أنه كان ديناميكيا فعالا نشيطا بامتياز
هذا البطل الذي كان يعمل بصمت والذي لم يكن ربما يعرف عنه أ حد في بداية الأمر أللهم سوى أهله
كان لديه ورشة في غرفته أسفل عمارتهم هذه الورشة كانت مصنعا للعبوات الناسفة
تدخل الغرفة تجد المواسير والأكواع وقطع الحديد وأكياس الفحم اليعبداوي ..وهو يعمل لوحده
العمل كان شاقا وصعبا ومعقدا للغاية رغم المواد البسيطة التي كان يستخدمها في صناعة العبوات والأكواع
والأدهى من ذلك منظره الذي كنت أحيانا أتفاجأ به وأكاد لا أعرفه ووجه معفرا بالسواد ... ( عبد أسود )
ولم أكن أعرف السبب إلا بعد أن دخلت عنده وهو يطحن الفحم ... المطحنة كانت عبارة عن مفرمة لحمة يدوية .... يا إلهي ماذا تعمل يا حسام..!؟
يقول وهو يضحك ..بفرم لحمة.بدي اعمل كفته توكل كفته .! تعال أنظر ...
مشهد لن أنساه يقضي يوما أو ليلة كاملة وهو يطحن الفحم
والفحم المطحون عندما يضاف للعبوة مع بعض نترات الأمونيا يصبح بارودا ، ً وعندما يحشر في عبوة يصبح قنبلة
كان يعمل كل هذا لوحده ويوزعه على المقاتلين في المخيم
كان حسام صديقا للجميع وأحيانا عندما يشاهدني في الليل في الشارع لوحدي ، وبشكل مفاجئ يصبح كظلي لا يتركني إلا بعد أن أصل إلى هدفي سواء البيت أو أي مكان آخر
عندما فتحت موضوعه مع الإخوة خاصة جمال كان يقول لي هذا حبيب الكل بيشترى لوحده واترك على راحته ، ولم أسمع انه مع الجهاد إلا بعد سنتين أو ثلاثة كنت أعتقد أنه فتحاوي ولم أكن أصلا أسأل
ولم أعرف إلا بعد أن غادرت الوطن أنه مع الجهاد حتى أستشهد إغتيالا وكان قائد الجهاد الإسلامي في جنين.....
البطل حسام جرادات حكاياته طويل وكثير رحمه الله

* نماذج التضحية لمواطنين مرفهين *

كثير ما نكرر أن الفقراء فقط هم من يضحكون. . وهذا ربما يكون صحيحا ولكن ليس بالمطلق ... فهناك من الأغنياء والترفيه من لديهم مشاعر وطنية كبيرة
فبعد ما إشتدت المعارك والإقتحامات حتى للبيوت لم أكن أنام في بيتنا خاصة أن دورية عسكرية مكونة من ثلاث مجنزرات صارت تلازم الشارع فوق سكة الحديد وتحتها التي تفصل بيتنا عن المخيم .. وبدأت تدور معارك شبه ليلية عند مدخل كراج البيت ... وقد عرض علي أخ وصديق طفولة وهو من الطبقة المرفهة وليس له علاقة بالمقاومة على الإطلاق ودون سؤال واذا به يفاجئني ويقول إسمع انت يا أخي مستغني عن عمرك .. !
نحن مش مستغنين عنك تعال هنا وهذه غرفة أمينة نام فيها
تقع الغرفة بجانب بيته لا بل أسفل البيت وهي غرفة صغيرة مهجورة لا تكاد تُرى لأنها مغطى بفروع بشجرة ،
ولا يمكن أن يكتشفها أحد إلا ببحث دقيق مساحتها مترين بمرتين ، وأصر وا أن أنام بداية في منزلهم العامر حتى يتم تجهيز الغرفة .. وجدت زوجته حفظها الله تدهن الغرفة وتنظفها بيدها رغم وجود خادمة ..قلت لها له يا اختي دعي الخادمة تقوم بهذا... قالت لا لا نريد أن يعرف أحد عن الغرفة... وبالفعل بعد ثلاثة أيام كانت الغرفة نظيفة صحية من أروع ما يكون ، وضعوا لي فيها سريرا صغيرا وكنت أقضي معظم الليالي هناك ولم يكن يعرف أحد ولحد الآن لا أحد يعرف هذا الأمر رغم أني قضيت عندهم 6 أشهر
البيت كبير وموقعه حساس جدا وعندما تمر المجنزرات تتوقف أمام المنزل وتقصف داخل المدينة او المخيم .. كنت أخاف عليهم خاصة لديهم أطفال .. ولكن كانوا هم يخافون علي أكثر من خوفهم على أنفسهم .. كنت انطلق من البيت أمام عيونهم وينتظرون عودتي بفارغ الصبر

* جنود مجهولين وما أكثرهم في وطني *

كنت على تواصل مع المخيم والمدينة على حد سواء وكانوا في المخيم حريصين علي ويفضلون أن لا أتواجد هناك حتى أنهم كانوا ينهون الحديث معي بسرعة خاصة أن الهجمات الإسرائيلية كانت تأتي بشكل مفاجئ
كان تواجدي معظم الوقت في الحارة الشرقية نتنقل بين وادي عز الدين وطلعة العطاري ونمكث أحيانا في حوش بيت المرحوم عفيف العبد الله أبنائه أبطال .. يقدمون لنا الطعام والشاي أو في بيت لآل السعدي قريب من سينما العرابي ومعظم الأحيان في حديقة منزل المرحوم قدورة
المنطقة مطلة و مشرفة على المخيم وعلى طريق الجلمة
كانت مجموعات من المقاتلين تقوم بأعمال الدورية هنا وهناك ليراقبوا أي تسلل للعدو وكان الاتصال معهم دائم عبر الاسلكي
منهم من الوقائي والمخابرات والإستخبارات والشرطة
مفاجئه أبكتني. .
كنت مع ثلاثة مقاتلين نجوم في منطقى تطل على الشارع المؤدي إلى نابلس نزلنا إلى تلة بين البيوت لنلتقي بمناضلين من آل السوقي الكرام يحرسوا منطقتهم مادونا كي نشرب الشاي معهم.... وصلت إلى صخرة وكان صاعقا كهربائيا صعق فخذي فوقعت أرضا ... وجلست على الصخرة وأحد الأخوة يدلك فخذي.. نظرت وقلت ... أين ماتورات الكهرباء وأين المدرسة العربية. ..!؟
أشاروا إلى المكانين .. صرخت وبدأت أبكي ... تعجب الإخوة بكيت وبصوت عالي وقلت أتعرفون أين أجلس الآن ..!
قالوا مالك يا أبو العبد شو جرى لك يا زلمه. ....

قلت أتعرفون هذه الصخرة وحكايتي معها ...والصعقة التي فاجأتني الان ..!
على هذه الصخرة وقبل 30 عام جلسنا أنا والشهيد حسن أبو عريشة وفخري عيسى ...من على هذه الصخرة كانت أول عملية فدائية في جنين عام 67 انطلقنا من على هذه الصخرة والتقنيا بالشهيد رياض عواد وأسد بغداد وشريف يونس واشتبكنا مع العدو في أول معركة تحدث في جنين بعد الحرب من على هذه الصخرة كانت بدايتها يا إخوان ولم أما لك نفسي وأنا أذكر لهم عن أحبائي الشهداء حسن ورياض وشريف وأسد

معركة شرسة في قبل جنين

شاهدنا رتل من العربات تتقدم نحو البلد عبر طريق المقاطعة
توجه الشباب إلى المطلقة ووجدنا شباب من المخيم وصلوا عند تقاطع الطيار الألماني وستوديو الأهرام . وكانوا يحملون أكواع.. طلبنا منهم العودة للمخيم لحمايته لانها ربما تكون خدعة .. بالفعل تركوا للشباب الأكواع وعادوا إلى المخيم
توزع الشباب حول المكان ....
بدأت المجنزرات تتقدم وتطلق النيران الكثيفة على كل شيء
وعند وصولهم على بعد مئة متر فتح الأبطال النار باتجاه اول مجزرة وكان شابين قد التفوا من خلف ستوديو الأهرام
وقفوا المجنزرة بزجاجات حارقه وأكواع

بدأوا القصف بمدفعية باتجاه الدكاكين المواجهة وأصيب بعض المواطنين بدايات القذائف
ولكن أشهد الله رغم أن الشباب لم يكونوا أكثر من عشرة مقاتلين إلا أنهم منعوا القوة المكونة من دباباتين وخمس مجنزرات من التقدم مترا واحدا... وقد حدث إصابات بين جنود الناقلة الأولى وقد تم سحبها بواسطة إلية أخرى
المهم ما شاهدته بعيني أن أحد الأبطال وهو من إل ألسعدي ولم أكن أعرف اسمه حينها (بالمناسبة كثير من الأشخاص أعرفهم ولكن نسيت أسمائهم)
ولكن هذا الشاب كان طويل القامة قوي البنية و كان يحمل أم 16 ويتمترس خلف تمثال الطيار الألماني كان يطلق النار والمجنزة تتقدم نحوه وكأنه لا يراها وأنا أصرخ عليه وأقول له.. إرجاع للخلف ..، لم يكترث حتى أجبرها على التراجع .... وسبحان الحامي وكيف لم يصاب رغم كثافة النيران لحد الآن لا أكاد أصدق.... حسب ما أذكر و إلله أعلم أسمه عامر السعدي

يتبع الحلقة 8 (الثامنة)