الكاتب: منذر ارشيد
الحلقة (8) الثامنة..
سرد الأحداث ليست بتسلسل زماني فمن الممكن أن أروي حكايا أو أحداث بأثر رجعي وأعود للحدث نفسه وليس بالتتابع . .. فكما قلت لكم إنها الذاكرة التي تتفجر مع كل مرحلة أو حتى أشخاص يأتي ذكرهم...
إخواني أخواتي ..أشكركم على تفاعلكم مع الموضوع وصدقا أقول لكم أني نسيت الكثير من الأحداث وسبحان الله وكأن الذاكرة تكون مدفونه في غياهب العقل
ومجرد أن تفتح الحديث عن الماضي وكأنك تنكش في التراب وتبحث عن كنز مخبأ وكلما حفرت طبقة تكتشف طبقة جديدة حتى تصل إلى الكنز..
انتعشت ذاكرتي ولكن ليس تماما وكما أن هناك ما لا يمكن الإفصاح عنه ليس السرية فقط ولكن لعدم فائدته
فما أكتبه هنا ما أشعر أنه مفيدا ومعبرا عن قيمة وطنيه
البعض ارسل لي وقال انت لم تنصف الريف وركزت على المخيم ... أنا لا أتحدث كصحفي أو إعلامي
أتحدث عن تجربتي الشخصية التي عشتها أنا ورأيتها أنا وسمعتها أنا وليس قال لي فلان أو قيل لي..أو سمعت..!
الوضع العام في جنين
لم أكن لأنام حتى صلاة الفجر فالمدينة والمخيم لا ينام أهلها إلا القليل منهم
كيف ينام الناس وصوت الدبابات كهدير البركان لا تعرف أين ستصل قذائفهم العمياء... أو الطائرات التي لا يهدأ صوتها .وهي تقصف أهدافها .!
كنت أجول بين شوارع المدينة ومعظم الأحيان لوحدي
كنت أمر على أبو سرايا من الأمن الوجني أو الشرطة القوة الخاصة وألتقي بأبوفادي الشرقاوي ومعه مجموعة من قواته الخاصة وهو بلا حول ولا قوة وأذكر من الشباب الذين كنت أراهم وأتحدث إليهم بعد أن تعرفت عليهم ( وائل أديب الحنايشة وأخوه وهم أبناء الحبيب القائد الأديب الزرعيني.. وهم في خيرة الضباط ولكن الأوامر كانت الإنتشار فقط.
بعد أول قصف للمقاطعة ذهبنا نتفقد الأوضاع هناك التقيت بقائد الأمن الوطني العميد فايز عرفات رحمه الله كان أخ وصديق ، رجل خلوق معشره طيب ولكنه لم يكن مبادرا على الإطلاق منفذ أوامر (حاضر يا فندم ) كبقية قادة المناطق في الضفة ومن نفس الصنف هكذا اختارهم قائد الأمن الوطني العام لا رضي الله عنه حتى لا يرضيه
شاهدت أبا حسام العميد عرفات ، في حالة يرثى لها من الحزن والألم والضياع وكأنه يقف على الأطلال ...
وكان يقف بعيدا مقابل المستشفى وقد كان في حالة من الذهول والغضب ، سألته وماذا بعد..!؟
فقال .. شو ماذا بعد ..غير أكل الخراء ضل في شيء. ..!
يا أخ منذر من يومين وانا مبلغينني الإسرائيليين أن أخلي المقاطعه
اتصلت بالقيادة في رام الله أخوك الحاج قال خليكم في مكانكم وما تردوش عليهم....قلت له إيش يعني..!
نموت أنا وضباطي وجنودي تحت القصف ..!
قال.. مش راح يقصفوكم مجرد تخويف
تصور يا أبو العبد لو رديت عليه أمس ..ولو لم أخلي المقاطعة ..!
كان إحنا الآن تحت الدم .. مش كده..!؟
قلت له ..الحمد لله أنك لم تلتزم بقرار ه
قال.. شايف أنا هيك التزمت بقرار الإسرائيلي ولو لم ألتزم لمات الجميع مش هيك..!
وتابع قائلا .. شوف أخوي أبو العبد أنا من الآن راح أروح على بيتي وخلي نائبي يتولى المسؤولية .. مهو عامل فيها أبو علي وقضايا من بعيد لبعيد.. يتفضل وانا بلغته الكلام هذا من يومين وبلغت القائد في رام الله
وأنا أرفض أن أبقى بهذه الظروف ... بصراحة مش قادر أتحمل وانا شايف العدو يدمر ويقتل وما عندي أوامر أرد ولا أحمي الناس...عيب على شرفي
قلت.. والله يا أبو حسام مش عارف شو أقول لك..!
قال لا تقول لي ولا على بالك .. إسمع في في المستودع أسلحة وذخائر وانا بدي أريحا ضميري خلي الشباب يدخلوا
وتحت الردم في مدخل مباشر للمستودع يدخلوا ويأخذوها
حسب ما أتذكر بالفعل دخل الشباب وأخذوا كل شيء
أما ما كان يدهشني ويقرفني مشهد قائد آخر وهو يحمل عصى يتعكز عليها ومعه مجموعة من الضباط والجنود وكأنه يرعى شلية من الأغنام وهو بلا خجل ولا حياء يتجول في شوارع المدينة ويشاهد المقاتلين عن بعد وينظر إليهم بشزجر دون حتى أن يسلم على أحد منهم بينما عندما يصل بجانب الدبابات الإسرائيلية يتوقف ويصافحهم ويبدأ الحديث معهم ويدعي أنه كان قائدا في الجنوب اللبناني وأنه صاحب بطولات
أما عن الريف القرى المجاورة
كان لي علاقات مع الكثير من أهلنا في القرى خاصة في قباطية وعقابا والمغير وطوباس والجلمة وبرقين واليامون
والسيله وكفرأذان وغيرها من قرأنا الحبيبه ولكن وكما تعلمون لم يكن هناك أحداثا كبيرة في تلك القرى اللهم في قباطية التي كان العدو كل فترة يداهمها بحثا عن المناضلين فيها خاصة أنها منبع الرجال الأشداء أيام الفهد الأسود
وهنا تعود بي الذاكرة لبعض الإخوة في قباطية الذين التقيتهم في تلك الأيام العظيمة رغم معرفتي بالكثيرين منهم أحدهم المرحوم ياسر نزال الذي جاني مع بداية الإنتفاضة إلى مقهى النباتات حيث كنت تجلس وأكتب مقالاتي أو أقرأ كتابا وادخن أرجيلة (كنت أجلس في نفس ( مكان والدي وأصدقائه قبل 30 عاما رحمهم الله )
كان ذلك بعد بداية الإنتفاضة وبعد المجازر التي حدثت وبدأ تشكيل الكتائب ،جائني هذا الشاب الذي قابلته أول مرة وعرفني على نفسه وقال أنا أخوك ياسر نزال تذكرت إسمه وكان أسيرا
دار حديثا مطولا انتهى بقوله (اعتبرني أحد جنودك وأي خدمة أنا جاهز الرجال تحت ءأمرك السلاح موجود والذخيرة وأي شيء تطلبه..
أجبت. . أني ليس لي علاقة بهذا الأمر شوف شباب المخيم فهم أحوج للمساعدة ..
قال يا أخونا الكبير انت تأمر وأنا بنفذ.....
مرت الأيام وأنا نسيت الموضوع تقريبا
كنت في يوم متوجها إلى مزرعتنا في قريتنا يصر أوقفت سيارتي في قباطية ونزلت إلى مقهى سلمت على إخوة
وجلست معهم زهاء ساعة وعند خروجي لم أجد سيارتي
والسيارة بيك أب أستعمل للمرة لم أجدها
بعد بحث أخبرني أحد الإخوة أنه شاهد شخص يعرفه يقود السيارة ولديه كراج في مدخل البلد من ناحية الإبادة
ذهبت إلى المكان وبالفعل وجدت السيارة وكان ثلاث أشخاص يكونها ... رفعت سلاحي عليهم وكادت تكون مجزرة.. في هذه الأثناء واذا بسيرة يقودها المرحوم ياسر نزال ورجل من السيارة وقام بحل المشكلة وأعاد لي السيارة ....
توجهت إلى المزرعة وفي أليوم التالي حضر الأخ ياسر وقد عاتبني بشدة عتاب المحب لاني لم أتصل به خاصة عند حدوث المشكلة .. وقال.. يا رجل انت لك إخوة ورجال في قباطية كيف تتصرف لوحدك ... يعني كان صارت جريمة الله يسامحك..!
بعدها سألني وقال نريد أن نساعد الإخوة في جنين ولدينا مجموعات جاهزة للمساعدة عند أي طاريء....
قلت.. خليكم انتم في منطقتكم ولا تتركوها...
ولكن الإخوة في المخيم بحاجة للسلاح والذخيرة
أعتقد أنهم أمنوا لهم كل ما أمكنهم تأمينه وقد علمت ذلك لاحقا من الأخ جمال ...
الحقيقة كان لي رأي في القرى أن تكون بعيدة عن الإشتراكات مع العدو ... حتى تبقى مصدرا للمزروعات التي تنتجها وتصدرها للمدينة ... حتى يكون هناك تكاملا ولا يتم محاصرتها ومنع المزارعين من الإنتاج.
أقمت في المزرعة بضعة أيام وكنت على اتصال مع الأخ جمال وقد زارني ومعه الشهيدين عكرمة ومجدي الطيب
وقضينا ساعات جميله مع أعظم الرجال رحمهم الله
حدثني عن مشاكل تواجههم من قبل أولاد يريدون القتال وهؤلاء منهم من أحضر سلاح ولكنهم كانوا عبئا غلى المقاومين بسبب عدم خبرتهم وسوء استخدامهم للسلاح
وإطلاق للرصاص بلا وعي ولا فائده... خاصة عندما تتقدم الدبابات التي لا تتأثر بالرصاص .. ناهيك عن المجنزرات المصفحة.....عدا عن عطب السلاح من شدة إطلاق النار
ولديهم مشكلة في نقص كبير للذخيرة ..
غريب زارني وكانت الكارثة
وفي يوم وكان في رمضان شاهدت شخصا ينزل من سيارة بيك أب محملة بالخرفان سافرت السيارة وأقبل الشخص سيرا نحوي باتجاه البيت في أعلى الجبل
وصل تحت البيت وكنت أجلس على الشرفة وقال الأخ منذر
دخل وعرفني على نفسه قائلا أنا ضيف ثقيل الدم
ممكن أن أقضي معك يوم أو يومين...!؟
إستغربت خاصا بعد أن سألته مش تعرفني على حضرتك
قال.. ممكن أقول لك أي إسم !؟
قلت لا أعطني هويتك
قال ... لا داعي ويكفي أن تصدق أني أحتاج لك فقط لتأمين ربما ساعات ولن تندم صدقني أنك ستنال رضى الله
قلت ... ماشي وانا متل على الله
قال..إسمع أنت رجل معروف منذ زمن وقبل ان تكون في أريحا ومنذ نشأتك سمعتك وطنيتك
قلت... يا أخي مش ممكن تكون إسرائيلي..!
قال.. ممكن ولكن انت توكلت على الله خليك مع الله
ولا تنسى أنا ضيفك ... اعتبرني عابر سبيل .
قلت..يا أخي حياك الله ولكن شو الغلط لو عرفني على نفسك
قال... كل الغلط... لاني أريد أن أقضي عندك ليلة دون أن تعرفني وهذا أفضل لي ولك
وأخرج من كيس كان يحمله رشاش كلاشنكوف وقال إحنا مثل بعض...
قلت أهلا بك يا أخي ودار حديث حدثني خلاله عني وأنه يعرف تفاصيل التفاصيل ولذلك لجأ إلي
كان حذرا جدا ودائم المراقبة حول المزرعة
الحقيقة كنت أحاول معرفته وانا أتعرض الأسماء ولكني فشلت
في المساء صلينا المغرب وجلسنا نتناول الإفطار
كنت أوقد الحطب أسفل البيت وأعد به طعامي
ووضعت أبريق الشاي على النار
كان يجلس جانبي وسلاح معه وانا أيضا سلاحي جانبي
فجأه وإذا بصوت طائره مروحية تقترب من المكان
ضجيج رهيب ... الشجر يتحرك من شده الرياح التي أحدثتها المروحية التي ظهرت فوقها
ليس طائرة بل ثلاث طائرات في الأجواء...نظرت إلى ضيفي الذي كان يتبول على بعد عشر أمتار مني تحت شجرة
وناديت عليه ولكنه لم يجبني. ..أو لم أسمعه من ضجيج صوت الطائرة الذي كانت فوق رأسي ربما على ارتفاع 100 متر فقط ربما أقل ..!؟
ملاحظة.. الصور صورها الضيف الغريب الذي استشهد بعدها......!!!!!!!
يتبع ....الحلقة ال ( 9 ) التاسعة