نشر بتاريخ: 30/12/2017 ( آخر تحديث: 30/12/2017 الساعة: 11:31 )
الكاتب: وليد الهودلي
مناقشة رواية الصوفي والقصر للدكتور احمد رفيق عوض في مركز بيت المقدس
" بوصلتنا القدس ولأنها كذلك فإن قلوب العاشقين ترنوا اليها، تدور حولها أقلام المبدعين وتستهدفها عقول المفكرين.. ليس مفاجئا أن ترتعش لها قلوبنا ولا أن تبقى في عيوننا ولا أن نطرز لها شعاراتنا ولكن المفاجىء أن نسبر غور مقومات تحريرها بدقة وعمق ، فنحرر العقل والفؤاد لنعرف اجابة السؤال الصعب: كيف نحررها وكيف تضيع منا ؟؟
الرواية بالمناسبة دارت دورة كاملة حول القدس وفي فترة تاريخية مشابهة لما نحن عليه اليوم .. وضعت النقاط على الحروف ،كانت جريئة وصارخة وقوية وعميقة وكانت جميلة وذكية وممتعة في نفس الوقت .. اجابت بوضوح على : لماذا وكيف تضيع القدس ؟ عندما تضيع الامة وتدخل صحراء التيه والجهل والمذلة والهوان والقيادي المتآمر الجبان تضيع القدس والعكس صحيح تماما .. "
بهذا التقديم بدأت مناقشة الرواية في قاعة مركز بيت المقدس للادب في مدينة البيرة وبحضور كاتبها الدكتور احمد رفيق عوض والدكتور نصر الله الشاعر والكاتبة الاديبة منى النابلسي والاستاذ حسن قطوسة ومقدم الندوة وليد الهودلي وثلة من الادباء ..
فيما برع الشاعر في الغوص في اعماق الرواية حيث أظهر للحضور بعض لآلئها بداية من رمزية العنوان ثم ما حوته من تلاقح للافكار بين صاحب الفكر الصوفي الذي يريد التغيير ابتداء من تغيير الفرد بينما الفقيه العالم ( العز بن عبد السلام) يريد التغيير الجماعي .. وراح الشاعر بنا الى سبر غور تلك الفترة التاريخية حيث امتلك الكاتب ناصية الرواية التاريخية كما امتلك ناصية الفكر الصوفي ودوره في هذا التاريخ .. " البدوي قناع لبسه عوض " وهذه براعة في الحبكة الروائية التي تبعد عن المباشرة الفظة وتأخذ بأيدينا الى حلاوة القص الادبي الجمبل .. " وكأنك تقرأ عن واقعنا اليوم " .. ونوه الشاعر الى عبقرية رسم الشخصيات وبناء التغيير المتدرج لها .. كيف كان البدوي في البداية يهرب الى معتزله وكيف صارت النهاية : " المعتزل في القلب ولا مخرج منه ولكن لا بد من حماية القلب " .." الاسلام للسوق والجبل وما بينهما " .. ثم خلص الى ان هذه الرواية ليست بين الصوفي والقصر وانما بين الصوفي والعصر كله ..
منى النابلسي سبرت أغوار الرواية .. اعتبرتها ذات مستوى عالي من الابداع وشبهتها بحجر المثقف عندما يلقى في الماء الاسن للثقافة الراكدة .. واعتبرت الرواية اجابة على سؤال جدوى المقاومة ؟ واخرجت النابلسي من كنوزها ما اخرجت وطوفتنا معها على سبع محاور : محور اعتبارها رواية تاريخية وعبرت هنا على انبهارها بقدرة الكاتب على أنسنة السياق التاريخي الكبير ووضعه في اطار شخصيات محددة . والمحور الثاني : اسلوب السرد الجميل من خلال المونولوج الداخلي والحواروأخذ روح التاريخ واعادة تشكيله وصياغته .. اما المحور الثالث فتناول الجانب الرسائلي واهمها الرسالة السياسية .. والرابع فكان عن الجانب الروحي حيث تالقت الرواية بشدة وتجلت فيها الذكاءات التي تولد مع الذات والصوفي الذي يفتح في قلبه نافذة توصله الى الله .. " ينظر الى السماء ويتساءل : كيف ينام الناس ولا يرون السماء " .. اما المحور الخامس فقد تناول الجانب الفلسفي بأموره العميقة وطرح اسئلة كبيرة : علاقة الروح بالملك والسياسة وعلاقة الفقه بالتصوف .. المحور السادس كان عن علم النفس الاجتماعي : كيف عالج موضوع المجتمع والناس في ذاك الزمان وكيف ذهب بعمق الى قصة من انتحر احتجاجا للسلوك السلبي الناس ولعبة السياسة والدين وخلق السياسيين اعداء للناس بسهولة .وتعرضت النابلسي الى موضوع المراة في الرواية حيث انتقدت مكانة ودور المرأة التي طرحت من خلالها وتمنت عليه لو اعطى لها مساحة اوسع وقد يكون هذا مشكلة تلك المرحلة التاريخية مع المرأة لا مشكلة الرواية التي عكست ذاك الواقع . وانهت النابلسي محاورها بالتاكيد على تميز الرواية .
حسن قطوسة بدوره أخذ بأيدنا الى دور المثقف وحضوره في رواية الصوفي والقصر حيث التخيل التاريخي والصراع معه وأجاب قطوسة على اشكالية الفراغ الروحي الذي قدمت الرواية له معالجات عميقة حيث اظهرت الوجه المسالم أمام الفكر التكفيري المتطرف .. وحلق في شخصية احمد البدوي حيث اكد على الفارق الكبير بين ما هو في التاريخ وما هو في الرواية .. واعتبر ان المضمون هو الاساس حيث اعتمد اسلوب السارد العليم .. وانتقد سرعة عوض في السرد ..
ثم تقدمت تساؤلات ساخنة من مقدم النقاش الهودلي : " أية براعة هذه التي تجعلنا نرى أنفسنا هذه الايام عراة .. يعرينا هذا النص ويكشف كل عوراتنا ؟ اية صورة صنعتها ايدينا لهذا الدين النقي الطاهر العظيم هذه الايام ؟ كيف نقطع هذه المسافة الرمادية التي تفصل بين الدين الحق الذي نؤمن به وبين الممارسة والسلوك الذي نجيد تغليفه بالدين دون ان يكون له علاقة بالدين ؟؟ "
بدوره قدم عوض مداخلته حيث أجاب على بعض ما ورد في القراءات السابقة وأكد على الفرق الهائل بين شخصية البدوي ما بين التاريخ والرواية حيث انها سيرة ممكنة من صناعة الكاتب .. وأكد على الرسالة الابرز فيما استهدف من رسائل وهي صورة الاسلام المشرقة النقية .. كما ارادها الله للبشر دون ما تصرف بها اصحاب الاهواء .. وعن شخصية البدوي قال انه ارادها هكذا ان تكون شعبوية بسيطة مخلصة جريئة شجاعة ..
نهاية اللقاء كانت مداخلات الحضور حيث الدكتور عماد البرغوثي اثار استغرابه من العنوان وانبهاره في مضمون الرواية الرائع .. عطاف عليان اشارت الى مسرحية المستوطنة السعيدة لعوض حيث البراعة في حشر الاخر العدو في الزاوية وتساءلت عن سر اختيار البدوي بطلا للرواية مع اهمية دور العالم العز بن عبد السلام . محمد شواهنة تحدث عن القوة في توظيف السياق التاريخي وجو النص في صناعة الوعي وتساءل ماهر الخياط عن صورة الغلاف ..
ثم اعلن الهودلي نهاية هذا اللقاء الادبي الجميل: " كم كانت هذه الخاتمة جميلة ومعبرة وملخصة لهذا الكم الهائل من الافكار والمشاعر والحياة المتدفقة التي حوتها الرواية : "وفيما كان الجيش يغادر القاهرة للقاء التتار التقى الشيخان العز بن عبد السلام واحمد البدوي .. قال الشيخ العز : اراك تخرج من معتزلك بسهولة ؟
قال الشيخ احمد : المعتزل في القلب ولا مخرج منه ولكن لا بد من حماية القلب ايضا ..
- تماما الاسلام للسوق والجبل ولما بينهما
- الانتصار على التتاري هو انتصار على نفوسنا يا شيخ عز .
- هل ستنتصر هذه المرة يا شيخ احمد ؟
- الله يبتلي عباده بالهزائم ليتواضعوا ويبتليهم بالنصر ليتعلموا .
قال ذلك وهو يتابع المتطوعة من اهل البلد وهم يهرولون للحاق بالجيش المتجه نحو بر الشام ... "
هكذا جاءت خاتمة صارخة وجامعة .. الرواية رسمت خطا ثوريا واعيا لابعاد الدين الذي يحرر ويغير اوضاع الناس وينهض بهم .. سيرة هذا الرجل كلها تحرر من النفس وهواها ومن الشهوة واضرارها ومن الحكام وطرق اغوائهم واسقاطهم للعلماء والقيم النقية الطاهرة .. مر بنا عوض بمشاهد حية نابضة وبقلم محترف عرف كيف يرسم هذه المشاهد ..
اتوقع لهذه الرواية ان تخلد في وجدان ثقافتنا وان يشار اليها بأنها الرواية التي كانت حكما بين الثقافة والسياسة ومعلما باررزا للعلاقة بين الدين والثورة ... وبين الاسلام التقليدي الشكلي والاسلام الحركي الفاعل وبين الصورة الصافية النقية وبين الصورة المشوهة التي يصنعها اعداؤنا ويصنعها كذلك جهالنا ..