نشر بتاريخ: 11/01/2018 ( آخر تحديث: 11/01/2018 الساعة: 10:15 )
الكاتب: عباس الجمعة
منذ بداية الصراع العربي الصهيوني عموماً، ومنذ تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني وإقامة دولة العدو الصهيوني على أرضنا التاريخية، فإن المخططات الساعية إلى استئصال وشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تتوقف أبداً عبر التعاون المتواصل بين القوى الاستعمارية والامبريالية والحركة الصهيونية والقوى العربية الرجعية، فمنذ ذلك التاريخ لم تكن كل هذه المحاولات صناعة إسرائيلية بحتة، بل كانت منذ ولادة القضية، إنتاجا إسرائيليا استعماريا مشتركا، وفي هذه الزاوية يتبوأ الدور الأمريكي مكانة متميزة، عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتصفية الحقوق التاريخية لشعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة.
ان حملة التحريض التي يشنها قادة الاحتلال وفي مقدمتهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو والسفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة نيكي هيلي ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، لا يعدو كونها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال إنهاء قضية اللاجئين وطمس حق العودة.
ان ما يجري ليس مفصولا عن قرار الرئيس الامريكي ترامب عن ضم القدس الى دولة الكيان ومع الحديث عن صفقة القرن، فالاونروا هيئة دولية تقوم بتقديم العون والإغاثة للملايين من الفلسطينيين في عدد من الدول المضيفة، وباعتبارها شاهد دولي على الجريمة التي اقترفتها العصابات الصهيونية بطرد شعب كامل من أرضه، وعلى استمرار وجود اللاجئين، منذ العام 1948.
ان تصفية "الاونروا" هو هدف سياسي تسعى إليه دولة الاحتلال الصهيوني بمساعدة الادارة الامريكية، فمنظري السياسية الصهيونية يرون في هذه منظمة وكالة الاونروا أداة لادامة حالة اللجوء من خلال منح صفة لاجئ لكل فلسطيني حتى وإن كان ممن ولد خارج فلسطين المحتلة، وما يترتب على هذا الامر من ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين بحسب قواعد الأمم المتحدة التي تحدد "بأن من ترك بيته في عام 1948 في فلسطين هو لاجئ وجميع ذريته لاجئين أيضا.
أن مجرد وجود الاونروا يغذي الإيمان لدى اللاجئين بإمكانية العودة إلى ارضهم وديارهم التي هجروا منها، حيث بات واضحا للقاصي والداني أن الكيان الصهيوني وأدواته في العالم ومشاركة بعض الانظمة العربية يضغطون باتجاه تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) وتسليم مهامها للمفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين، وهي مقدمات لتصفيتها.
وقد لوحظ في السنوات الاخيرة، أن الاونروا وضعت فعلا في دائرة تسليط الاضواء وأصبحت في عين العاصفة، حيث تقود رئيس حكومة الاحتلال، والسفيرة الامريكية نيكي هيلي في الامم المتحدة تحركا من أجل التخلص من الشاهد الوحيد على جرائمهم اللاانسانية المتمثلة بتشريد شعب كامل من أرضه، وطي ملف اللجوء الفلسطيني، وتعميق وجودها في المنطقة.
مؤامرة الأونروا لا تقف عند مكائد الكيان الصهيوني، فبالامس القريب هددت الإدارة الأمريكية السلطة الفلسطينية بقطع المساعدات عنها وعن منظمة الاونروا، ناهيك عن المحاولات الصهيونية الجارية حالياً لإقناع المجتمع الدولي على شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم، حيث تتناغم مع الطروحات الامريكية - الصهيونية حول ضرورة تصفية المنظمة وانهاء خدماتها.
أن قضية اللاجئين ستواجه تحديات أخرى إضافية، ونأمل من الأونروا تجاوزها والعمل على رفض تغيير اسمها لتنزع عن جسدها المهمات التي أخذتها على عاتقها، ومن أجلها أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة تنفيذاً لقرارها رقم 302 للعام 1949، ولتمحو صفة (اللاجئين) عن الفلسطينيين الذين شرّدهم "الكيان الصهيوني" من وطنهم في عام 1948 حين قيامها، لأن الهدف مما يحاك من مؤامرة قطع الطريق على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي يتحدث عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هذا التهجير.
إنطلاقاً مما سبق، فليس هناك مجالاً للشك ان وكالة الاونروا تتعرض لعملية تصفية تدريجية مركزة، يشارك فيها إضافة الى الكيان الصهيوني والادارة الامريكية، عدداً من الدول الاوروبية والمنظمات الدولية والاقليمية، بهدف التمهيد لانهاء ملف اللاجئين الفلسطينين وشطب حقهم في العودة وتوطينهم في اماكن تواجدهم.
في ظل هذه الظروف نرى ان المحاولات الدولية لتحويل الوكالة الى "وكالة إقليمية" تمولها الدول العربية كمدخل لنزع البعد الدولي من قضية اللاجئين، وتحويلها الى مسألة أو قضية عربية إقليمية داخلية كل ذلك يرتبط مباشرة بالتوطين، عبر مشاريع التطوير الحضري والتمليك تمهيدا لإلغاء مخيمات اللاجئين.
لهذا نرى ان جميع الدلائل تدق ناقوس الخطر إزاء كل ما يعدّ من خطط تطال قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالأخص انعكاس هذه الخطط على وكالة الأونروا تحت يافطة أزمة الأونروا المالية لأهداف سياسية وإنسانية لتصفية قضية اللاجئين، بالإضافة إلى ما يحاك من مؤامرة امريكية صهيونية رجعية في ظل البيئة الإقليمية لتصفية القضية الفلسطينية، عن طريق صفقة القرن واستيطان الأرض والاستيلاء على المقدسات وترحيل الشعب الفلسطيني بخلق بيئة طاردة لهم، وهنا تأتي تقليصات الأونروا بهدف تفتيت قضية اللاجئين وفتح باب الهجرة لهم.
ان اللاجئيين لا يحتاجون للعطف والصدقة، بل بحاجة لفرصة من أجل حياة كريمة، يعملون فيها على بناء الحياة من لا شيء، وتوفير خطة بديلة لتغطية العجز وإنقاذ اللاجئين من تلك المعاناة، ومعالجة تقليصات الأونروا، من خلال الضغط السياسي من خلال التركيز على خطاب العودة باعتباره خطاب قانوني وسياسي يهدف الى الاعتراض على كل محاولات تبديد قضية اللاجئين والتفريط بها، واستنهاض طاقات مجموع اللاجئين للدفاع عن حق العودة.
وفي ظل كل ما يحاك لا بد من التركيز على أن خطاب العودة هو خطاب توحيدي ينبغي ان يفهم في إطار الثوابت والحقوق الوطنية والبعد العربي لحق العودة، وعلى ضرورة توفير الحاضنة العربية.
ان التركيز على ضرورة الحفاظ على وكالة الغوث "الأونروا" وفق نص قرار تأسيسها من الأمم المتحدة، وبما تمثله من شاهد دائم على الجريمة الصهيونية المقترفة بحق شعبنا، وما تجسّده من التزام سياسي وأخلاقي من قبل المجتمع الدولي بمسؤوليته عن خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين وضرورة حلها، ومنح اللاجئين الفلسطينيين الحماية الدولية المؤقتة التي يكفلها النظام الدولي للاجئين أسوة بغيرهم من لاجئي العالم، حيث ان تفويض الأونروا لا يشمل الحماية السياسية والقانونية التي يكفلها ذلك النظام، وكذلك تشكيل اللجان الوطنية الفلسطينية المتخصصة - في إطار منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية للتصدي للهجمة الامريكية الصهيونية، والدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين والعمل على تحقيق أهدافهم في العودة حسب قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار الاممي 194.
من هنا نؤكد على اهمية دور وكالة الغوث، ونطالب لجنتها الاستشارية بالتصدي للإعلان الأمريكي المستهجن بوقف دعمها المالي للوكالة، ووضع الخطط الفورية لمواجهة هذه التهديدات بما يضمن استمرار الأونروا في تأدية مهامها وتقديم خدماتها التعليمية والصحية والإغاثية للاجئين الفلسطينيين، وفي المقدمة، مطالبة منظمة الأمم المتحدة بحماية الأونروا وتقديم الدعم المالي لها بشكل دائم وكاف من أجل استمرارها في تأدية مهامها، ومواجهة التحديات الناجمة عن الممارسات الأمريكية التي انتهكت القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والتي تتناغم مع المحاولات "الإسرائيلية" لإنهاء عمل الوكالة.
ختاما : ان قضية اللاجئين ستبقى حية رغم كل المؤامرات الصهيو امريكي نظراً لما تمثله من عامل بقاء للقضية الفلسطينية فهي عصب هذه القضية التي ستبقى عصية على الكسر رغم كل المؤامرات، مؤكدين على اهمية توحيد الصفوف لمواجهة كافة التحديدات التي تفرضها الادارة الامريكية وحكومة الاحتلال على القضية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية اللاجئين، وان نضال شعبنا لن ينطفئ، ولا خيار أمامنا سوى استمرار النضال الوطني حتى تحقيق أهداف شعبنا في الحرية وتقرير المصير والعودة، وهذا يحتم النهوض بالمشروع الوطني من كبوته على طريق تحقيق اهداف شعبنا المشروعة.