نشر بتاريخ: 14/01/2018 ( آخر تحديث: 14/01/2018 الساعة: 14:05 )
الكاتب: ياسر المصري
يسعى الإحتلال يوماً بعد يوم لتكريس وجوده كإحتلال عسكري إحلالي إستعماري، ويقوم في سياق ذلك بمحاولات بائسة لإنجاز فكرة الإحتلال بوحشيته وجريمته كفعل مستمر بأن ينجز الأساس الذي يقوم عليه الإحتلال ككيان، وهو إصطلاح وسلوك السيطرة، وقد قام عبر سنوات وجوده بإتخاذ سياسات عميقة لتحقيق ما يسمى بالسيطرة، ومن هذا المنطلق تولت الإدارة المدنية العسكرية سلطة حكم أراضي الدولة الفلسطينية بإستثناء مدينة القدس، وقد تولت هذه الإدارة الحكم عبر قوانين عسكرية إحتلالية.
وقد سعى الإحتلال خلال كل العقود السابقة عبر محاولات عديدة ومتعددة ، لأن يشرع وجوده فلسطينياً ، أو أن يسويق فكرة التعايش معه كحالة أمر واقع طبيعي، وكان شكلاً من أشكال محاولاته هذه تشكيله للروابط القروية ، ورغم أن كل محاولاته هذه قد سقطت وسبق للشعب الفلسطيني أن رد على كل هذه المحاولات بقدرته الأكيدة من الإلتفاف حول حركته الوطنية بفصائلها المتعددة، وكل هذه المحاولات قد سقطت بفعل القرار الفلسطيني الشعبي الطبيعي والأصيل ، وهذا القرار ما زال قائم على أسس رفض الإحتلال بكافة أشكال وجوده كفكرة وسلوك ووجده ، وحتى اللحظة ما زالت الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة تشكيلاتها تعبر عن آمال وأحلام الشعب الفلسطيني المتعلقة بضرورة العمل لكنس الإحتلال .
وإن إرادة هذا الشعب بعد إندلاع الإنتفاضة الأولى ، قد نجحت في إخضاع الإحتلال للمثول أمام الإقرار بشرعية الحركة الوطنية الفلسطينية وذلك بإجباره على الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لهذا الشعب ، وكل المرحلة السابقة خلال العقدين المنصرمين وما حملته من تغيير في شكل النضال الفلسطيني ، ودخول المفاوضة كأداة نضالية في محاولة لإنهاء الإحتلال وتحقيق كنسه وزواله ، غير ان تبديل الأداة النضالية التي أخذت إجماعاً شعبياً لم تسقط فكرة ضرورة كنس الإحتلال ولم يتم التنازل عن حق الشعب الفلسطيني بمقاومته ومواجهة سياساته .
وقد بدل الإحتلال وغير من فكرة التسوية وإنتقل إلى إدارة الصراع بدل إنهائه ، وهذا ما يعيد للوعي الفلسطيني الجمعي والكلي أن التحول من طرف الإحتلال ليفرض تحول مقابل ومضاد له ، وإن سيطرة التطرف الديني على دولة الإحتلال قد فرض تحول آخر في الصراع يأخذ في أحيان كثيرة تحويل للصراع إلى صراع ديني ، سيفرض هذا الصراع أشكالاً أخرى ونتائج وإفرازات أعمق على المدى البعيد .
وما يصيب الإحتلال هذه الأيام من هستيريا الإنغماس أكثر في السلوك الإحتلالي الإستعلائي ، يتجاهل الحقيقة الثابتة أن القرار الفلسطيني الشعبي والفصائلي ما زال قائماً على أساس رفض هذا الإحتلال بكل أشكال وجوده وصوره التي تعبر عنه ، وأن قرار مواجهة هذا الإحتلال وسياساته هي فعل وقرار وإرادة فلسطينية ثابتة ومستمرة ، لكن إنغماس قيادة هذا الإحتلال تجعلهم يغرقوا في وهم قدرتهم على البقاء والإستمرار في هذا الإحتلال ، وقد كانت الإنتفاضة الأولى خير دليل راسخ بأن الإحتلال بعد كل سنوات وجوده ورغم كل أساليبه وسياساته قد فشل في تحقيق ما يسمى بالسيطرة ، والهبة التي حدثت قبل فترة وكان نجومها هم فتية أعمارهم في أوائل العشرينات من أمثال الشهيد العظيم بهاء عليان ، لتؤكد لهؤلاء العمي والغارقون في عقد الدم والقتل، أن إصطلاح السيطرة لن يحققوه حتى لو كمموا وقتلوا كل من يعلن رفضه وقراه بمواجهة هذا الإحتلال .
تحريض وتهديد بعض قادة الإحتلال وإعلامه التائه على رموز وقيادات فلسطينية وطنية بأنها تحرض على الكفاح المسلح أو غير ذلك ، وتحديداً تلك التصريحات المتعلقة بمواصلة التأكيد على رفض الإحتلال ، والمناداة فلسطينيا وعلى المستوى الرسمي والشعبي ، بأن مواجهة هذا الإحتلال هي قرار فلسطيني طبيعي ما زال ثابت ، كما يحدث مع القائد الوطني محمود العالول "أبو جهاد " نائب رئيس حركة فتح ، لتأتي هذه التهديدات والتحريض عليه في سياق وهم متغلغل في عقلية هذا الإحتلال أن فكرة وقرار رفض هذا الإحتلال لم تعد قائمة ، وهذا ما ستثبت الأيام بأن ثمن هذا الوهم سيكون خارج نص توقعات وإمكانية أدوات هذا الإحتلال على السيطرة ، فكل فعل إستعماري إحتلالي يحدث على أراضي الدولة الفلسطينية لهو دافعاً لكي يخلق لدى أبناء هذا الشعب الفعل المضاد ، والإحتلال كفكرة وسلوك ووجود هو أهم دافع لرفضه ومواجهته ، وسيبقى دوماً يحتاج لمن يكنسه ويدفعه للزوال ، أبو جهاد يعبر عن الحالة الشعبية والوطنية الفلسطينية ، بكل ما يحمله هذا التعبير من مضمون الحقيقة الثابتة والراسخة والتي لن تتغير سوى بتغير الحال من خلال إنتهاء هذا الإحتلال بكل نتائجه و إفرازاته وآثاره ، وهذه الحالة لطالما عجز الإحتلال عن كسر قدرتها على المواجهة أو فرض السيطرة عليها .