الأربعاء: 12/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

سيناريو الأعداء وسيناريو الوطن

نشر بتاريخ: 27/01/2018 ( آخر تحديث: 27/01/2018 الساعة: 11:57 )

الكاتب: عوني المشني

لنفترض جدلا ان الامور سارت كما تشير معطيات الواقع ، بدأت امريكيا تدريجيا في الضغط المالي على الفلسطينيين ، بل ومارست نفوذها على دول تابعة للمشاركة في هذا الحصار المالي وطبيعي تلك الدول ان تستجيب ، فما الذي سيحصل ؟؟؟!!!
بداية الامر ستحاول السلطة الفلسطينية التأقلم مع هذا الوضع ، تقشف شديد ، ربما تأخر الرواتب ، قروض من البنوك ، هذا الوضع يمكن ان يستمر لعام اقل او اقل قليلا .
ستتوقف البنوك عن الاقراض ، ستتأخر الرواتب لشهور ، سيصرف نصف راتب احيانا ، ستزداد نسبة البطالة .
ستضطر السلطة الى تخفيض عدد الموظفين ، الامن سيكون اول القطاعات في التخفيض وأكثرها ، ثم تمتد العملية لموظفين مدنيين .
هذا الوضع سيستمر لسنة اخرى
في السنة الثالثة سيبدأ موظفي السلطة بالانفكاك عن أماكن عملهم لعدم توفر رواتب ، اجهزة الامن ستبدأ بالتفكك ، الوزارات ايضا ستبدأ بالتفكك ، القيادة السياسية ستبدأ بالتخلي عن دورها ، ربما سنة اخرى
مع بداية السنة الرابعة ستصل السلطة للنهايات ، انهيار شامل ، انهيار خدمات التعليم والصحة والشئون الاجتماعية ،
هذا على صعيد السلطة ، على الصعيد السياسي سيكون الوضع اسرع من هذه الوتيرة ، مع نهاية العام الثاني من الحصار ستبدأ القيادة السياسية بالتخلي عن دورها ، ربما تتراجع بعض القيادات خطوات الى الوراء بإعادة تشكيل اطر منظمة التحرير في الخارج ، وستبدأ منظمة التحرير بالانفجار عن السلطة
على صعيد فتح الوضع مختلف ، ستغادر بعض القيادات التنظيمية المشهد تماما لانها كانت قيادات مرحلة ، سيعود جزء من قيادات المراحل الاولى ليحتل مكانه في سلم العمل القيادي بحكم الفراغ ، سيعاد فكر التحرر الوطني ليحتل موقعه كبوابة نضالية ، ستزداد وتيرة الاعتقالات ، وتكون المنطقة قد تهيأت لانفجار اكبر مما يتخيله الكثيرون .
هذا السيناريو سيكون حتميا اذا ما عزلنا المؤثرات الخارجية ، التأثير الاسرائيلي ، التأثير الإقليمي ، هذا اضافة لاحتمالات ان تستجيب بعض النخب للضغوط تحت تبريرات مختلفة .
هنا يصبح السيناريو معقدا الى حد كبير ، اسرائيل سيكون هناك ثلاث اتجاهات ، الاول يمثله بينت زعيم الاستيطان وهذا سيدفع باتجاه تسريع عملية انهيار السلطة لتسهيل عملية ضم الضفة الغربية ، اتجاه اخر يمثله نتنياهو سيكون سعيدا بضعف السلطة ولكن ليس الى درجة الانهيار وإنما الى درجة انعدام التأثير السياسي ، وهناك اتجاه ما يسمى " اليسار الصهيوني " سيكون لديه الأمنيات فقط ببقاء السلطة الفلسطينية والدخول في تسوية معها . لكن في نهاية الامر سيحسم نتنياهو موقفه باتجاه بنيت باتجاه ان انهيار السلطة فرصة للاسرائيليين يفترض استغلالها ، ربما يكون امله بان تضعف السلطة الى حد القبول ب " السلام وفق الشروط الاسرائيلية " ولكن اذا لم يحصل فلا بأس من انهيارها .
المؤثرات الإقليمية ، عربيا وعلى الصعيد الرسمي فان اي ضغط لوقف هذا الانهيار لن يكون متوقعا ، ربما ستبقى الدعوات فقط لوقف هذا الانهيار ، لن يكون تدخلا ماليا عربيا يوقف الانهيار الا ما يحفظ ماء الوجه ويضلل الجماهير ، وهذا لن يكون كافيا لمنع الانهيار .
اوروبا ستحاول بخجل ان تمنع الانهيار وستبذل جهدا ربما يساعد على اطالة امد العملية ولكن لن يوقفها .
لكن هناك سيناريو اخر مختلف كليا والى حد انه يستطيع ان يفشل المؤامرة ويجعل من الحصار المالي فرصة لتطوير قدراتنا :
ان تتجه السلطة الى ضبط صرف المال العام بطريقة تقلل من هدره ، تعزيز الاستثمار الفلسطيني والعربي في فلسطين بوضع حوافز حقيقية ، رفع الضريبة على المدخولايات العالية لتتناسب مع مدخولاتها ، تحسين الجباية الضريبية ومحاربة التهرب ، تفعيل الضغط الشعبي العربي على الدول العربية التي ستشارك في الحصار بطريقة يجعلها تخضع وتلتزم بدهم السلطة ، الاستفادة من تعزيز السياحة الفلسطينية بطريقة افضل ، تعزيز الزراعة وخاصة التمور في الاغوار بوضع خطة لزراعة مئة الف دونم تمور سيكون دخلها للاقتصاد بما يوازي المساعدات الخارجية جميعها ، تعزيز التصدير الفلسطيني في قطاعات مختلفة ، تطوير العمل التعاوني ليصبح قطاعا فاعلا .
ايضا هنا وفِي هذا السيناريو هناك عوامل موضوعية ، اسرائيل تستطيع التدخل عبر وقف تسليم أموال الضريبة ، دولا عربية محدودة قد تزيد معوناتها ، ازمة سياسية نتاج شغور مواقع قيادية ، ولكن حتى بمثل تلك التداخلات فان من شأن سياسة مدروسة ان نتجاوز الازمة ونعبر المرحلة ، الشئ الوحيدة الذي يشكل خطورة حقيقية في كل السيناريوهات هو الخضوع للضغوط ، انه الأسوأ حتما حتى من انهيار السلطة ، وهو المعيار الذي يحدد نجاح او فشل سياسة الضغوط ، انهيار السلطة وعدم الرضوخ لا يشكل كارثة كبرى وان كان صعبا لكن الخضوع للضغوطات هو الأسوأ وهو الكارثة وهو الذي يفترض ان يستبعد من كل سيناريو .
هل نستطيع تجاوز المرحلة ؟؟؟ بالتأكيد نستطيع ولكن عندما تتحول السلطة من مشروع استثمار شخصي الى مشروع استثمار وطني ، عندما يتحول اقتصادنا من اقتصاد السوق الى اقتصاد صمود ، عندما تصبح لدينا شفافية مالية حقيقية ، عندما يتحول محاربة الفساد من نهج انتقائي ثأري الى نهج وطني حقيقي ، عندما نستخدم كل طاقتنا ونوزع الحمل على الجميع كل حسب امكانياته ، حينها نعم وبالفم الملآن نستطيع .