الأربعاء: 12/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

عبد الناصر يعود إلى الإعلام بقوة بعد تغييب ممنهج

نشر بتاريخ: 28/01/2018 ( آخر تحديث: 28/01/2018 الساعة: 13:29 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

في البرامج الإعلامية الحوارية، يعود الزعيم القومي جمال عبد الناصر إلى الصدارة، من خلال سلسلة من المقابلات والشهادات واستضافة أولاده وحتى أحفاده، وأصبحنا نشاهد عبر محطات التلفزة المصرية لقطات مؤثرة من خطاباته خاصة عندما أعلن تأميم قناة السويس، أو عندما أكد بحزم أنه عازم على مواجهة العدوان الثلاثي، إضافة إلى الخطاب التاريخي الذي أعلن فيه تنحيه، على أثر هزيمة 1967م، حيث تحمل مسؤوليته بشجاعة القائد، فيما يتم عرض لقطات عبر الفضائيات من الاستفتاء الجماهيري، حينما خرجت مصر كل مصر إلى الشوارع والساحات مطالبة الرمز بالعودة عن استقالته، في مشهد فريد لم يعتده العالم. فكيف خرجت الحشود لمبايعة قائد بعد بضعة أيام من هزيمة مأساوية، أليس في ذلك مفارقة غريبة وحس شعبي متقدم قلَّ نظيره في التاريخ !! فقد قالت الجماهير: نعم لعبد الناصر ولا للهزيمة.

واللافت أن بعض الإعلاميين المصرين والعرب يجدون أنفسهم اليوم وقد اكتشفوا عبد الناصر من جديد، بعد أن غيبه الإعلام أربعة قرون من الزمن، في محاولة لمسح حقبة تاريخية مضئية في عمر مصر والعرب.

كان عبد الناصر صاحب مشروع قومي وحدوي وتنموي، لذلك حورب وحوصر، لكنه اخترق كل أشكال الحصار الغربي، وتحوّل من قائد مصري وقومي عربي إلى قائد أممي بامتياز، صار رمزاً وقدوة لشعوب العالم لا سيما في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.

لم يستغل عبد الناصر السلطة، ولم يحقق أية امتيازات شخصية ، بل كان موظفاً لدى الدولة يعتمد على راتبه فقط، ولم تستحوذ زوجته وأولاده على الظهور في وسائل الإعلام كما حصل في مراحل لاحقة وفي تجارب رئاسية أخرى، وعندما توفي كان رصيده خالياً من الأموال، وأضطر أبناؤه للعمل والاجتهاد ومواجهة التحديات مثل باقي المصريين لكي يعيشوا ويستمروا.

في عهد عبد الناصر ورغم الحروب والحصار، انتهجت مصر سياسة تنموية من خلال الخطط الخمسية، وتطوير الاقتصاد وشيّدت المصانع وتحققت الإنجازات وتوافرت فرص العمل واستفاد الفقراء من التعليم المجاني، حيث إن كثيراً من الأكاديمين والمثقفين الذين انقلبوا على عبد الناصر، ما كان لهم أن يلتحقوا بالجامعات سوى من بوابة التعليم المجاني التي فتحها الزعيم القومي على مصراعيها للجميع ودون استثناء.

في الدول العربية ورغم التعتيم والتهميش والتشويه ظل عبد الناصر حاضراً كرمزٍ وملهم، وظلت صوره تتصدر الساحات، وفي فلسطين أطلق اسمه على مساجد وشوارع ومدارس ومنتديات، وعرفه واحترمه ليس الكبار فقط، بل والصغار الذين لم يعيشوا مرحلة عبد الناصر، اعترافاً منهم بمواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية التي حارب من أجلها، وحوصر وجرح في "الفلوجة"، وقد أعادت محطات التلفزة المحلية الفلسطينية فيلم "ناصر 56”، عشرات المرات، وكان المشاهدون يكتشفون في كل مرة أن هذا الزعيم كان استثنائياً وسابقاً لعصره.

لقد نظر عدد من كبار المثقفين والمبدعين لدور عبد الناصر، أبعد من الدائرة الشخصية البحتة، وانشدوا إلى مشروعه، بمعزل عن الحسابات الذاتية، فعبد الرحمن الأبنودي الشاعر الكبير، أمضى ستة أشهر في المعتقل في الخمسينيات من القرن الماضي ، لكنه تحرر من الذاتي الشخصي وانحاز إلى العام الكلي، ليكتب بعد ثلاثة عقود من رحيل عبد الناصر، قصيدة أستلهمها من مرحلة مشرقة في التاريخ العربي، مشيداً بما تحقق وأُنجز، وأحمد فؤاد نجم الشاعر المصري الكبير هو الآخر أكد أنه بكى يوم رحيل عبد الناصر بكاءً مراً، مع أن نجم كان حينذاك يقبع في الاعتقال، على اعتبار أن ناصر هو صاحب مشروع، حتى لو اختلف معه هذا المبدع أو ذاك في بعض التفاصيل والمواقف.

والآن حسناً تفعل الحكومة المصرية بتحويل بيته إلى متحف، سيفتح أبوابه للزائرين، لأن هذا البيت شاهد على مرحلة، كان فيها العالم ينظر إلينا كعرب نظرة احترام وتقدير، فقد كانت بلادنا مفعمة بالعمل والأمل والحضور الفاعل، فيما نحن اليوم نتشظى ونتحول من دول إلى دويلات تتقاتل وتتصارع، بفعل مخطط استعماري يستهدف الدولة القطرية، ففي زمن عبد الناصر كان المخطط الاستعماري يسعى لإجهاض أية توجهات قومية، واليوم يتعدى هذا المخطط ذلك، وصولاً إلى استهداف الدولة العربية القطرية كوحدة وكيان.