الأربعاء: 12/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

ترامب "شايلوك" العصر الحديث وتاجر البيت الأبيض !!

نشر بتاريخ: 28/01/2018 ( آخر تحديث: 28/01/2018 الساعة: 19:03 )

الكاتب: خالد السباتين

من منّا لم يسمع بقصة تاجر البندقية للكاتب الشهير ويليام شيكسبير التي تحدث فيها عن التاجر اليهودي شايلوك الذي أقرض صاحبه بعضاً من المال بشرط أن يقتطع رطلاً من لحمه اذا لم يتمكن من السداد وهذا بالفعل ما حدث حين عجز صديقه عن السداد وطالب المحكمة بتنفيذ الحكم ورفص التنازل عن ذلك، نعم ما أشبه تاجر البندقية بتاجر البيت الأبيض ترامب الذي يرى أن جميع الصفقات يمكن حلها بالمال والابتزاز وقطع المساعدات فالذي فعله ترامب تماماً كالذي فعله تاجر البنيدقة هو اقتطع رأس الجسد الفلسطيني "القدس" اقتطع قلبه النابض فهل سيكون هناك حياة لجسد دون رأس أو جسد دون قلب ؟؟ هل سيكون هناك سلام إن لم تكن القدس على مائدة المفاوضات ؟؟ هل بالفعل قطع المساعدات عن لاجئي الأونورا و تصفية حقوقهم هو ما سيساهم بالحل أم سيزيد الأمور أكثر تعقيداً...
ترامب الذي أزاح القدس عن طاولة المفاوضات على حد قوله كالذي يسقط الملك في لعبة الشطرنج قبل أن تبدأ اللعبة بتلك البساطة والسذاجة معتقداً أن كل ما دون ذلك يمكن حله، عليه أن يدرك تماما أن القدس هي المعضلة الرئيسية لهذا الصراع وجوهره فهل يستخف بعقولنا ؟؟هل يعتقد أنه سيكون هنالك فلسطين دون القدس ؟؟ هل يعتقد أنه ستبقى لدينا كرامة إن تنازلنا عن القدس ؟؟ هل يعتقد أنه سيكون هناك مفاوضات و سلام دون وجود القدس ؟؟ هل هناك من يقبل بهذه الجائزة بعد 100 عام من الاحتلال و أكثر من 70 عاماً من النّضال ؟؟
في كل يوم تثبت الإدارة الأمريكية الحالية فشلها الذريع والمنطق الطفولي والصبياني الذي تتعامل به تجاه القضية الفلسطينية والإملاءات التي تريد فرضها باستخذام سياسة التركيع و قطع المساعدات في وجه كل من يقول لأميركا "لا" و رأينا كيف دار حوار الغزل بين ترامب و نتنياهو في مؤتمر دافوس الاقتصادي أو مؤتمر تجويع الشعوب و كيف مدح كلٌّ منهما الاخر وكيف تطرق ترامب إلى قضية تجميد الأموال التي تدفعها الولايات المتحدة "للاونروا"، قائلا: الفلسطينيون لم يحترمونا برفضهم استقبال نائب الرئيس بينس، ونحن ندفع لهم مبالغ كبيرة، هذه الأموال ستبقى على الطاولة ولن تحول لهم مالم يوافقوا على العودة إلى طاولة المفاوضات و بالتأكيد كان هذا كان من دواعي سرور نتنياهو الذي اعتلت الابتسامات العريضة وجهه القبيح نتيجة سماعه ما يسر قلبه فهو لم يحصل على هذا الدلال المطلق من قبل و لم يحصل على ضوء أخضر بشكل مطلق كهذا من قبل ايضاً ، فهل تسائل هذا الرئيس العبقري فيما اذا كانت مثل هذه الخطوة ستساعد في حل القضية أم في تصفيتها ؟؟ فملف اللاجئين أيضا من أهم الملفات المطروحة و هناك قرار صدر من الامم المتحدة بذلك "194" و للتوضيح أيضا أن لاجئي الأنوروا هم مازالوا موجودين نتيجة فشل الأمم المتحدة في تطبيق قراراتها الصادرة عنها حيث انشأت دولة اسرائيل و لم تنشأ دولة فلسطين لذلك على المجتمع الدولي أن يتحمل كافة أعباء هذه المشكلة نتيجة الخلل في إمكانيات الامم المتحدة و قدرتها على فرض تطبيق قرارتها على اسرائيل .
أما فيما يتعلق بخطاب بنس في الكنيست فقد كان خطاباً أيدوليجياً دينياً استفزازياً تحريضياً بإمتياز يخلو من التصريحات و العبارات السياسة , فقد أكدّ على الدولة اليهودية و على عزم بلاده بنقل السفارة الأمريكية قبل نهاية عام 2019 و أشار أيضاً بكل فخر الى قرار بلاده و اعترافها بالقدس الموحدة عاصمة لدولة اسرائيل ، حيث كانت الزيارة اسرائيلية بامتياز و كانت حفاوة استقباله غير مسبوقة وسط تصفيق حار له تحدث فيها عن اعجابه بديموقراطية اسرائيل لكنني لا أدري ان شاهد كيف تم طرد النواب العرب من الكنيست خلال خطابه البائس حيث علق و هو مبتسم " لمن دواعي فخري الشديد أن أقف امام هذه الديموقراطية النابضة بالحياة " فهل هذه ديموقراطية على حد تعبيره و هل هذه حياة ؟؟
وانقسمت الصحافة الاسرائيلية بعد هذا الخطاب بين مؤيد و معارض لهذا العشق الممنوع حيث رأى البعض أن نهاية هذا العشق سيعود بكارثة على اسرائيل نتيجة انحيازه التام لها و شدة كراهيته للفلسطينيين وسلبهم حقوقهم، وبالتالي كان الخطاب مشحوناً بالكراهية و التحريض الى درجة لم يسبق لها مثيل و هذا ما كان متوقعاً ، بالاضافة الى انتقاد بعض السياسيين الاسرائيليين لذلك الخطاب لشدة ميوله لاسرائيل وتقويض كل الاسس التي جرى التفاوض عليها في المرحلة السابقة أو ما سيأتي في المرحلة المستقبلية إن كان هنالك مستقبل بعد ذلك ...
و يتحدثون اليوم عن صفقة القرن التي يريدون فرضها على الجانب الفلسطيني و التي ما هي الا صفقة تخدم المصالح الاسرائيلية بامتياز و تعطيهم الحق بالسيطرة على البر و البحر ، على الماء و الفضاء و الهواء و اعطاء الفلسطينيين عاصمة لهم على اطراف و ضواحي مدينة القدس و بالتالي الفلسطينيين مطالبون بشكل صريح بالتفريط في القدس والتنازل عن حق العودة للاجئين وقبول دولة بلا سيادة ناهيك عن أن المبادرة تمنح إسرائيل تحديد الظروف التي تسمح بانسحابها من الضفة الغربية مما يحوّل الدولة الفلسطينية التي تبشّر بها المبادرة إلى نسخة مشوهة من الحكم الذاتي و أن الصلاحيات الأمنية في الضفة الغربية تعود لإسرائيل وحدها ناهيك عن أنها تنص بشكل مباشر على أن "الدولة الفلسطينية" ستكون منزوعة السلاح ومن دون سيادة على الحدود والأجواء هذا ما أوضحه د. صائب عريقات قبل عدة أيام و بعد كل ذلك يريدون من الفلسطينيين العودة الى طاولة مفاوضات غير موجودة أصلاً فكيف سيتم القبول بصفقة أو خطة لم تعرض على الفلسطينيين و إنما أسقطت جوهر الصراع و ملفات الحل النهائي واحداً تلو الاخر ...
اليوم تتخبط السلطة الفلسطينية ومازالت تجري عمليات بحث عن إطار دولي لعملية السلام بالإضافة الى الرئيس عباس الذي يجوب العالم بخطاباته التي أصبحت أشد قسوة من سابقاتها فأصبح الرجل يخرج عن قواعد اللغة في مخاطبة ترمب و هو مهندس أوسلو و صانعها و المؤمن بالسلام لأبعد الحدود ، و استخدام نهج المقاومة السلمية و مبدأ اللاعنف و نستطيع ان نطلق عليه مارتن لوثر كنج العرب أو غاندي فلسطين و هو في الحقيقة أحدث تأثيرات في المسارات الفلسطينية، و يعرف بدقة قواعد اللعبة التي شارك في تأسيسها، وأي أنواع اللغة و الخطابات التي يجب استخدامها في الأزمات فهل الخلاص من الرئيس عباس بات مطروحاً في حال بقي متمسكاً بموقفه ؟؟
و هل هناك بديل عن الرئيس عباس يؤمن بهذا الحد الذي يؤمن به للسلام ؟؟
اما بالنسبة لما قاله الملك عبدالله الثاني في مؤتمر دافوس “إنه إذا تركنا القدس لتصبح مصدر خلاف للإنسانية بدل أن تكون مصدر أمل فذلك سيكون كارثيا" و “إنه يجب أن ننظر للقدس كمدينة للأمل تجمع ولا تفرق، فالقدس لها مكانة عاطفية لدى الجميع، وخالدة لدى المسلمين والمسيحيين، ويجب أن يتم تسوية وضعها ضمن إطار الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و تساءل هنا “لا أدري أين ترى إسرائيل مستقبلها، وهل إذا كان هناك حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير حل الدولتين، كحل الدولة الواحدة” فهل سيكون ذلك مقبولا؟ و أنا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال بأن اسرائيل لا تريد دولتين ولا تريد دولة واحدة ولا تريد وجود للشعب الفلسطيني من أصله ولكن نحن نريد فلسطين التاريخية.
وعلى ترامب الذي قرن كل شيء بالأموال أن يدرك تماماً أن قضية القدس هي قضية مقدسة، وهي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، وهي لاتباع ولا تشترى بكل أموال الدنيا، والتهديد بقطع أموال الاونروا هي سياسة مرفوضة و غير مقبولة و أن أي حل للقضية الفلسطينية لن يكون الفلسطينيين طرفاً فيه ستبوء بالفشل ، فالولايات المتحدة اليوم بدلاً من أن تجد حلاً في إنهاء الاحتلال و الاستيطان و إغلاق هذا الصراع قد فتحت أبواباً جديدة له و فتحت شهية الاحتلال لمزيد من الممارسات العنصرية بحق الفلسطينيين و ستبقى خارج الطاولة و غير مقبولة كوسيط نزيه في عملية السلام ما لم تتراجع عن قراراها .