نشر بتاريخ: 01/03/2018 ( آخر تحديث: 01/03/2018 الساعة: 14:04 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
طوال حياتي لم أشاهد منسوب الكراهية التي تنتشر الاّن ضد الصهاينة وضد اليهود. الفلسطينيون طوال 70 عاما عجزوا عن كراهية المستوطنين اليهود إلى هذه الدرجة أبدا. الاّن يكرهونهم لدرجة الموت، وهي صورة جديدة سببها نجاح الإحتلال والإدارة الأمريكية في استفزاز المواطن الفلسطيني والعربي وطنيا ودينيا وإنسانيا لدرجة غير مسبوقة.
الحروب السابقة بين العرب واليهود لم تنجح في خلق الكراهية ضد اليهود بهذا الشكل، ومنذ 1880 حين بدأت رحلات الهجرة اليهودية المنظمة تصل من أوروبا إلى فلسطين، كان الفلسطينيون يستقبلونهم بإعتبارهم أولاد العم الذين اضطهدتهم أوروبا في الحربين العالمية الأولى والثانية، وحتى في خضم النكبة ظل العرب الفلسطينيون يتوسمون خيرا في اليسار اليهودي والحركات التقدمية أن توقف هذه الجرائم التي مارستها منظمات هاجاناة وليحي وايتسيل وأرغون والتي هي الاّن نفسها الاحزاب التي تحكم إسرائيل.
بعد إعلان ترامب وتصريحات سفيرته نيكي هيلي ونائبه مايك بينيس، حسم المواطن الفلسطيني أمره بعدما إقتنع أن الصراع الان يترسخ كصراع وجود وليس صراع حدود ( إما العربي وذريته على هذه الأرض وإما اليهودي وذريته). كما أن تصريحات المسؤولين لا تمثّل الشارع العربي، فهي دبلوماسية رخوة مكبّلة بالنفاق المزّيف. أما الموطن البسيط فقد وصل إلى قناعة بأن كل حديث عن المفاوضات والصلح التاريخي والسلام هو إهانة لعقله ودينه وشرفه الوطني، وهو إستغباء للوعي التراكمي لديه.
وقد بلغ الأمر ما بلغ. يحاول الجميع الان النزول عن شجرة الغباء التي زرعها ترامب في حقل المنطقة. ترامب لم يكن يتوقع ردة فعل فلسطينية بهذا الشكل، ولم يكن يتوقع أن الحكام العرب وفي اللحظة الأخيرة سيخشون الله في القدس ولن يواصلوا التزامهم بالمخطط. نتانياهو وبعد أن حسب حسابات البيدر يرى أنه خسر التطبيع مع الخليج وصار يعيش على برميل متفجرات. الرئيس أبو مازن والذي يرى في الغرف المغلقة هذه المؤامرة من كل جوانبها، لخّص خطاباته ومواقفه في عبارة واحدة (علي وعلى اعدائي) ويهدد بإحراق الغابة كلها فوق رؤوس الجميع اذا تم تنفيذ صفقة العصر الصهيونية. أما الحركات الاسلامية فقد وجدت نفسها في ذات الخندق مع خصوم الأمس، ولم يعد الأمر اختياريا في محاربة ترامب ومؤامرته بكل قوة.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومهما بلغ من الدهاء والتخطيط، سيعرف في الشهر القادم في واشنطن أنه لا يملك سوى إجابة واحدة يقبلها النظام العربي والاسلامي، وأن هذه الإجابة هي مفتاح الولوج الى نظام البقاء. وأن يكون رده على ترامب ونتانياهو: لا. القدس خط أحمر.
أمّا الامير محمد بن سلمان، فان مستقبله كله بات متعلق بموضوع القدس، حياته السياسية ووجوده في الحكم وثرواته وصولاته وجولاته تتعلق بكلمة واحدة حول القدس / وهو لن يملك أيضا سوى ان يقول لترامب كلمة واحدة : لا . القدس خط أحمر. ولن يسعفه بلاغة اللغة ولا مرونتها في ( نعم ولكن ). لان عرفات هو رائد مدرسة (نعم ولكن)، وهذه المدرسة لن تجد نفعا مع الصهاينة في واشنطن وتل أبيب.
العاهل الأردني، حسن فعل إذ حسم أمره، فالقدس هي مفتاح إستقرار الحكم في عمّان. وهو المؤتمن على المسجد الأقصى، وهو لا يملك سوى لا كبيرة في وجه ترامب.
ترامب وجّه الدعوات لنتانياهو وللزعماء العرب مرة أخرى للاجتماع والتشاور في واشنطن. لأنه يخطط للقدوم إلى القدس والإشراف على نقل السفارة بنفسه. والرئيس أبو مازن لم يقبل الدعوة ولن يقبل الدعوة. وهو أيضا لا يملك أي خيار سوى أن يصرخ في وجه ترامب لا أكبر من كل لاءات حياته.
الجميع صعد فوق شجرة الشر التي زرعها ترامب، والجميع يريد ويتمنى أن ينزل عنها.. والوحيد القادر على ذلك أوروبا. فهي العاقل الوحيد المتبقى في مستشفى الأمراض العقلية العالمي.
أو هي المعركة القادمة التي سيكون أساسها: علي وعلى اعدائي.
وفي معارك (علي وعلى اعدائي) كل شئ مسموح وجميع التحالفات مجازة، وطهران وأنقرة لن تبعد عن لبنان، وتعز أقرب من غزة، وسرت ومنبج والغوطة وعفرين والبصرة كلها وجوه لمعادلة واحدة: نكون او لا نكون.