نشر بتاريخ: 17/03/2018 ( آخر تحديث: 17/03/2018 الساعة: 16:15 )
الكاتب: تحسين يقين
ما الذي يسعفنا اليوم من كلام!
وإذا أسعفنا التعبير، فهل من مستمع؟ هل من متأثر؟ والأهم هل من تغيير حقيقيّ يطال حياتنا السياسية؟
حدث ما حدث، فهل سنقدر الآن وغدا على تجنب ما يحدث؟
ليست حربا شخصية، هل هي كذلك؟ إذن سواء أكانت هكذا أو غير ذلك، فسيكتوي المشعل والنافخ والمتفرج أيضا.
"أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم نجد مَنْ يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى!"
كأنني أقرأ نص محمود درويش من جديد، فهل مرّت فعلا 10 سنوات على هذا الخلاف العجيب!
هي نصف عمر شاب يدخل العشرين، وهي ثلث عمر الداخل الثلاثين، وربع الأربعين، وخمس من هم مثلي دخلوا الخمسين، بامتيازين: هزيمة حزيران التي احتلت هذا العمر، وهزيمتنا لأنفسنا التي مرّ عليها عقد، لم نتصور أنه سيكون كذلك.
في قصيدة "سيناريو جاهز" للشاعر محمود درويش، عبر بسخرية عما يحدث لنا تماما، حيث أننا سقطنا مختلفين في حفرة واحدة:
"قال لي : ما العملْ؟
قلت: لا شيء ... نستنزف الاحتمالات
قال: من أَين يأتي الأملْ؟
قلت: يأتي من الجوّ
.....................
قال لي: هل تُفَاوضني الآن؟
قلت: على أَيّ شيء تفاوضني الآن
في هذه الحفرةِ القبر ِ؟
قال: على حصَّتي وعلى حصّتك"
قال ما قاله ومضى، ونحن من نحتفل اليوم بثقافتنا الفلسطينية استنادا له، فهل بقي هناك مجال للكلمة!
كل وأسلوب مفاوضته؛ فهناك على البحر القديم، حكايات قديمة، وجديدة، هي حكايتنا بكل ما فينا من جمال وقبح، لعل أقبحه هو لغة النفي القديمة جدا: القتل!
وهؤلاء لم يأتوا من الفضاء، بل من هنا، بيننا، فلا ضرورة إذن لتكرار السؤال: كيف سولت له نفسه لقتل أخيه، بقدر التساؤل المرّ: أما كان من الأجدى إنهاء ذلك كله، فنسدّ على العابث عبثه؟
تلك هي مسؤوليتنا قبل البحث عن آثار القتلة!
لنر بصراحة آثارنا، وبصماتنا على ما نصنع.
عندها، حينما ننظر إلى المرآة التي أشار لها الشاعر أيضا، سنجد أنفسنا مرددين معه:
"أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري سبيلٍ ثقلاءِ الظل!"
تحملنا قليلا!
بالرغم أنه تحملنا طويلا: عشر سنوات!
فهل قبلنا فعلا أن نكون عابري سبيل؟ وثقلاء أيضا!
لا تنفع لغة الاستنكار ولا وصفنا الحادثة بأقبح الصفات؛ فلن يجدي ذلك شيئا، كما لا يجدي الخطاب المتهّم للآخر-الأخ، في القيام بالمسؤولية الوطنية..
المسؤولية!
أمامنا الكثير لنفعله، غير الصراخ، والبكاء، والغضب، أمامنا وطن جميل نسعى لتحرره، وأمامنا ما نبنيه، ونعمره، ونعلمه، ونزرعه، ونفكر فيه، وننميه، ونعوضه..
"انت منذ الان غيرك!"
نحن غيرنا، انت غيرك، هم غيرهم وهن وهما وهو وهي....تلك هي ضمائر الرفع، وهناك ما هي للنصب، فماذا عن الضمير يا أشقائي؟
هكذا تساءل الشاعر بحرقة:
"أنا والغريب على ابن عمِّي. وأنا وابن عمِّي على أَخي. وأَنا وشيخي عليَّ". هذا هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة، في أقبية الظلام".
تلك هي نتيجة التربية الجديدة!
حصَّتي وحصّتك!
لم لا تكون حصتنا جميعا!
ولم تظل السخرية عميقة أيضا في شماتة الأخر بالأخ؟ كأنه هو ناج تماما من هذه اللعنة التي يبدو إنها إن بقيت فلن تجد لها استثناء..
هل من "محنن"؛ فلعلهم يعرفون المثل الشعبي الأصيل: "ان قسيت القلوب عليك بالمحننات".
المحننات هي فصائل العمل الوطني جميعها.
أما أن تستمر اللغة لغات، بهدف استثمار سياسي، فليس ذلك بالعمل الحسن، هكذا وصفهم درويش قبل 10 سنوات:
"لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم الخاصة. ولكن، يغيظني أنصارهم العلمانيون، وأَنصارهم الملحدون الذين لا يؤمنون إلاّ بدين وحيد: صورهم في التلفزيون!."
الآن، وأمس كنا وما زلنا بحاجة للزهد بصورنا في التلفزيون..
ليس البحث الأمني الذي سيكون مفتاح الحلول بل البحث الأخلاقي الوطني الجاد؛ والطريق واضحة جدا، والبحر القديم هناك خير شاهد موضوعي بشفافية الماء والهواء..
لا شيء نضيفه، لا أمنية جديدة..
لا نصيحة، لا خطبة، لا قصيدة..
لا دمعة، لا وردة، لا قولا..
فعل واحد هو ما نريده، عقل وقلب، ضمير حيّ، خلق جميل، ودين أجمل..
وحتى يكون، وحتى نكون، لعلنا نتأمل فقط بأطفالنا، بأشجارنا، بحكاياتنا هنا، أليسوا جميعا يستحقون أن نضحي بما هو سيئ فعلا من أجل ما هو جميل وأجمل!
تلك هي لغتنا الرومانسية، أما اللغة السياسية، المستندة الى علاقات القوة، لإثبات ها، من أجل شرعنة التمثيل السياسي، فلم تعد مغرية كثيرا، فما يعرض لا يلبي طموح أي سياسي حقيقي..إلا إذا رأى في القضية خلاصا فرديا أو حزبيا.
ماذا بقي؟
بقي أن نبحث ما بقي من ماء في الوجوه والقلوب..
بقي أن يدرك القائمون في غزة الحبيبة أن هناك من بينهم، من يسعى لمثل هذا الخلاص الفردي لا الوطني، وإلا كيف نفسّر الحفر في الأرض وزرع العبوات، بكل هذه الأريحية..!
وبقي ان يدركون وندرك معا انه ليس لنا الا هم وليس لهم الا نحن..وإلا ماذا نعني بالشعب الفلسطيني؟
حين تترسخ القناعات، وتقترب القلوب، سيخشى زارعو الفتنة من زرع العبوات كثيرا..