الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الى السنديانة فاطمة اليعقوب..امي..دعاؤك يصلني...

نشر بتاريخ: 20/03/2018 ( آخر تحديث: 20/03/2018 الساعة: 11:35 )

الكاتب: يونس العموري

ألوذ بالفرار نحوك... واستشعر غضبك الراهن... فقد عاد قابيل ليقتل هابيل من جديد على مرأى ومسمع الريح وصوت استغاثة طفل يجوب على غير هدى بشوارع وأزقة يابوس. فقد كان هناك يعبث بتراب دافىء يشتم رائحته العطرة بشقائق نعمان الشهداء ، وقيل له إن هذا التراب هو المقدس، وقيل له يا أمي إن الأحمر القاني حرام على الأخ وإن الأشراف قادمون، وأخوة القيد لابد متوحدون، ولابد للصبح من موعد. وفي ساعة متقدمة من الصمت تتغير كل القيم والمعاني يا أمي، ويصبح قابيل سيد الأسياد، دعيني أشكو لك همي وهموم العتيقة وأنت العاشقة لحزاني الليل، فقد تبدل كل شيء وأصبحنا كمن هم اليتامى على موائد صناعة البيزنس وكل شيء مباح هنا بالبيع والشراء، والفرسان غائبون، والأمهات صرن ثكالى وأغانيهن تواشيح للحظات فراق الأحبة. أيتها الغائبة الغالية والبعيدة عن مكامن يومي .. أتوسل إلى روحك بأن يزورني طيفك عند التماع بريق اشتياقي بعيون قد ذبلت يا سيدة تفاصيل الحب وأنشودة الفرح في ظل أشجاني، فأمعن يا قلبي بأحزانك، وامض بشرودك، وأطرب على أوجاعك، فهي لغتي من جدي، ورسم فسيفسائي... أعود لأناجي أحلامي وخيالاتي وانتظاراتي، اشتقت إليك أيتها العجوز الجميلة المرتسم على وجنتيها كل اشكال قصص الأولين. اشتقت لخزعبلات الكلام، للمسة يديكِ ... لعيونكِ التي تحيلني لطفل بحضرتها... لكلامكِ افتقد عند آخر الليل لأستغرق بأمن بمنامي. لرائحتكِ ...لعطركِ... لخجلكِ... لغضبكِ... لشرود عينيكِ... اشتقت لقلقكِ... للهفتكِ... لسؤالكِ افتقد... لإجاباتكِ تأتيني... لشكوككِ.. لصوتكِ... لكلكِ... اشتقت إليك ِيا أمي .. فلا تمعني بالغياب وعديني بأن تأتيني عند الصبح أو بآخر الليل. سنديانة الحياة هي تلك الرائعة ... يمامة تهمس أنشودتها.. وتشدو أغانيها... وتكتم غيظها... وأنا القابع يكتب مرثياته... ويسطر حروف مخطوطاته، بالساعات المسائية أسير تحت المطر والهواء البارد يتسللني... لعله آتيا من هناك...يلسعني... يذكرني بامرأة لا تشبه كل النساء ، كانت إن تكلمت أصغي إليها بشغف، وإن صمتت أقرأ عينيها. تربعت على عرش مكنونات لحظاتي، أقبل يديها صباحا لأطارد الغمام، أدقق النظر نحو السماء، والمطر يغسل كل غباري. أرقب غيمة بأطراف الأفق، تشبهني... شامخة دون مطر، رذاذها مختلف ولم يهطل مطرها كباقي الغمام.أطاردها، أسافر وراءها، فإذ بها تُعلمني عن مكانها.... لأجدني عند أسوار الجلجلة، بحواري القدس العتيقة، وبدرب آلام السيد المسيح عليه السلام.تقف. وأقف، وبلحظة تُسقط أمطارها. ورذاذها يعلنني أميرها، وتتوحد دمعة ترقرقت بمقلتي وكأننا قد بكينا معا. افتقدتكِ... واعترف أني بكيتكِ الليلة، والغيمة منتظرة، والقدس الحزينة ما زالت تتألم، والدمعة مترقرقة. وأدركت يا أمي يا أجمل الكلمات أن هذه الغيمة هبة من أيقونة قلبك. يا رغيف خبز لجائع عند أطراف المدينة، ويا نبتة زعتر برية فوق روابي الجمال، تعالي فنحن بالانتظار يا صادقة الدمع وتعويذة الصلاة. افتقدك أنا الآن، فأنت من فكك معادلة خربشاتي وأول من ألقى في وعي الحروف... ومزج ألواني ... ومن علمني صناعة الموقف وصلابة اللحظة .. وكيف أُحيل الحزن إلى قوة وعطاء. زيتونة شامخة بكبرياء يطال عنانها السماء، والضاربة جذورها بأرضي العطشى، كانت تحنو على ظلال عشقي.. وتعلم كينونة خربشات ذاتي، وتفهم قراءاتي وايماءاتي دون ان تجيد القراءات النصية، وتعايش لحظاتي، وتمسك بحقيقتي، منحت حروفي وهجها والكلمة سحرها. والماضي ذكراه.. والحاضر مذاق المتعة، والمستقبل امل المعايشة وحق الخيال. امرأة سكنت ثناياي. وتربعت على الحكاية. سيدتي انت الحكاية والقصة والرواية، انت اهزوجة فرح ترددها طفلة بحواري القدس، وانت ترتيل راهبة بدير يقبع بأعالي الجبل، أنت اقصوصة حكايا العشق، وأنت الأمينة على انّات المعذبين. انت يا سيدتي من ارتشف بحضرتها شراب السماء، وانت من تعلمني معنى أن اشدو بمزامير الهوى. انت ذاك الوتر للموسيقى التي تمنحه للروح. أنت التحليق في ملكوت السماء، وانت التذوق لشهقة العاشق، وأنت المرأة التي تعبر المكان والزمان تقف عند باب المغارة تنتظر ذاك القادم من غبار المسير.. أنت القصة التي بدأت هناك منذ آلاف السنين.. وانت من يبحث عنها قلمي دوما، وانت من يخبرني الطير عن جنونها في التحليق، ومن تشدو بأسمها حساسين البراري. انت من أقف على اعتاب بوابتها منتظرا شيئا من عطاءاتها، ومن أتسوّل مستجديا من معبدها نظرة في عينيها ومن يلفحني الشوق اليها. تأتيني موسيقاها، لأستمع لأناتها الأتية من البعيد، ولتكون نداء البعيد للبعيد.. وحتى أكون انا القريب والقريبة هي مني. يأتيني هذا الشجن الجميل ليعزف على اوتار قلبها حبا وحنينا للزمن الجميل. امسك بأطراف سيجارتي، واشرد بكل براري الهوى وموسيقاها تصدح وراسي يتثاقل، وتتراءى امامي صور وحكايا.. واقاصيص وجهها ونظرات عينيها الثاقبتين. أشرد أكثر وأرسم محياها، أكاد أسمع شهقات انفاسها وربما ايضا لصوتها المبحوح العابر، لآهاتها نغمة الناي الحزينة، وبصمتها موسيقى خربشات ذاتها التي تحيا استحضر روحها هنا بالمكان.. حيث موسيقاها والقدس.. وحجار قابعة بمكانها لن تبرح الزمان.. وامرأة جميلة تقف صامتة وتتساءل عن جنوني، وعن لمعان بريق عيني للحظة تتساءل: أين أنت يا هذا..؟! من هذه التي تسكنك وتسكن بريق عينك؟ ومن التي تأخذك الى حيث انت الآن..؟ أأنت بمملكتها أسيراً لهواها؟ أم أنت محلق على جناحيها..؟ هو الصمت والسكوت عن كل الكلام، أكاد اتحول الى صوت لموسيقاها الآن... فهل تسمعيني..؟ عاشقتي تسكن هناك في ثنايا خيوط الشمس، عاشقتي تعبر أمكنتي وأزمنتي، وتسافر بين ضلوعي وتستقر بين كلماتي.. وتعلن للملأ انها متمردتي، وأنها ستنقش عباراتي بأعماقها وستقرأ اسفار تكويني. يا سادة وسيدات العشق منذ ان كنتم اسمعوا بياني، وقفوا بكل هيئاتكم.. واستعدوا.. فها هي قادمة بكل جبروتها وعشقها ولمساتها ونارها ستحرقني حينما تقترب. والإقتراب منها موجع والبعد عنها انتحار.. ومملكتها هناك. لا يدخلها من لم يعلن من ذاته متعبدا بمحرابها. وراكعا بحضرة بلاطها. صمتها وصمتي كلام، وسكوتي أبلغ الكلام.. وصمتها صلاة وتعويذة لذاتها. أصمت، قالت أصمت وصمت عن الكلام، لأتيح لها ان تصلي في محرابها وترتل شيئا من مزامير عشقها بينها وبين ذاتها. اقترب اكثر من أيقونة قلبكِ، واصلي في معبد روحكِ، واعتلي منصة إمارتكِ واحاول ان تتنفس عشقكِ، والهث وراء لمعان عينيكِ، واغضب حينما لا ارتل اسمكِ. واقرأ في مزامير الهوى، واختلي في صومعة تأملكِ، واصنع حكاياتي، واقص على ذاتي اسفار التكوين، فانا القديس الناسك المتصوف بإمرأة لا تشابه النساء، وكائنة اخرى غير التي تعرفونها، لها ضياؤها ونورها ينبلج عند التماع حقيقتها.. كانت إن مشت تزفها نسائم العليل العابرة للمكان، وإن غفت وأسبلت عيونها تحرسها ملائكة أحلامها، وإن نطقت بشيء من تراتيلها وقالت كلمتها فلا بد ان تمضي وتتوارى، وان ابتسمت أقسم أن هذا يوم عيدي. فيا سادتي كيف لي ان لا أكون قديسا في قداسة حبها وعشقها..؟ يداهمني الحزن بلحظة الاشتياق يا عجوزي الجميلة، فأنا الحزين مثل سنبلة حزينة، غادرها الربيع وأحنت رأسها للمناجل. حزين مثل أغنية الأمهات تهدهد أطفال الحواري. حزين مثل هذه الأرض عطشى تنتظر الخلاص. حزين مثل المغارات التي شهدت صوت طفل مقاتل. حزين مثل أعواد الصليب، مثل المسامير التي حطمت هذه الأنامل. حزين منذ غادر الطائر الأرض نحو المنافي وتفرق الريش بين المعابر، حزين منذ دهر مضى. حزين لدهر آت وحزين لدهور ستأتي دونك ودون بسمة تعيد لي توازناتي، وأصوات البلابل، وزقزقة العصافير. إليكِ يا أمي في عيدك وأنت التي لم تغادرين يوماً أجثو لأقبل ترابا تعمد من طهر كعبك، وإلى روحك ألف تحية. يا أيتها المعلمة يا من علمتي طفلك القابع الآن بكينونة الحياة صلابة الموقف وصناعته في ظل اختلاط الحقائق وتغيرها، وكيفية تبلور الموقف المعبر عن الروح الإنسانية، إليك سأصلي وابتهل لأكون جديراً بحمل اسمك.