نشر بتاريخ: 21/03/2018 ( آخر تحديث: 21/03/2018 الساعة: 11:16 )
الكاتب: عوني المشني
بالعادة الرئيس كل رئيس وعلى وجه الخصوص الرئيس محمود عباس اكثر حكمة وأقل غضبا من المستوى الشعبي واكثر التزاما بحدود الدبلوماسية في حديثه، بالعادة الجمهور اي جمهور وبالتحديد الجمهور الفلسطيني اكثر غضبا وأقل التزاما بالدبلوماسية، وتتسم ردود الفعل لديه بالجنوح الى الحدة لا قولا فقط بل فعلا ايضا . لكن عندما ينقلب الوضع ويصبح الرئيس ابو مازن اكثر غضبا من شعبه وأقل التزاما بالردود الدبلوماسية فان هناك شيئ ما يعرفه الرئيس ولا يعرفه الجمهور، هناك ما هو خطير الى حد اخرج الرئيس عن طوره، هناك ما هو استثنائي الى حد لم يبقِ للغة الدبلوماسية مكان.
خطة ترامب كما تسربت هي هذا الشيئ، لكن ربما هناك ما يرافقها من مؤامرات ما زادها سوءا ، ربما ان الادارة الامريكية قد استهانت بالفلسطينيين شعبا وقيادة الى حد انها تبنت الرؤية اليمينية الاسرائيلية وجعلتها برنامج وخطة سلام ، كل ذلك كان سببا لهذا الغضب ، لكنه لوحده لا يكفي ، فالذي جعل الرئيس مرجلا يغلي ان امريكيا مارست عملية " نصب واحتيال " كبيرة وخطيرة ، حيث التزمت الادارة الامريكية بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران مع تعديلات طفيفة جدا في حال التزم الرئيس محمود عباس بمجموعة سياسات تم تحديدها ، والرجل من اجل دولة لشعبه مستعد ان يذهب حتى اخر المشوار ، نفذ الرئيس بمسئولية وشرف كل ما طلب منه وبدون اي تردد ، وتحمل في هذا النقد الذي وصل للتجريح ، تحمل التشكيك الذي وصل احيانا لحد التخوين ، وبقي صامتا يمارس سياسة ستؤدي في نهاية المطاف الى دولة لشعبه كما التزم الأمريكيين ، في نهاية المطاف تنصلت ادارة ترامب من كل الالتزامات واكثر من هذا دعمت سياسة الاحتلال والضم وصولا لتصفية القضية الفلسطينية ، هذا الموقف سبب جرحا غائرا للرئيس ، وسبب غضبا جامحا ، وقرر ان " يرد الصفعة " بما يليق بها . لهذا كانت لغته السياسية تليق بلغة توجه لمحتال كاذب غير وفِي بالتزاماته متنكر لوعوده .
كان هذا موقفا مختلفا وجذريا عن كل المرات . المختلف هو لأول مرة يكون ردا عربيا بمنطق الند ، بمنطق الحسم في الموقف ، عدم التردد ، الثبات الاستراتيجي . الرد الفلسطيني ليس مجرد موقف ، انه اعادة صياغة للشخصية الفلسطينية من جديد بطريقة ستترك تأثيراتها
اولا .... الموقف الفلسطيني غير الصورة تماما عن الفلسطيني الذي يرضخ للضغوط او بالإغراءات المادية ، عندما يتعلق الامر بقضايا استراتيجية فان الضغوط والإغراءات لا يوجد لها مكان ولا احد يتعاطى معها ، القيادة الفلسطينية تستجيب الى حد ما ، تتنازل في قضايا ثانوية الى حد ما ، تغض النظر عن أشياء صغيرة ، لكن عند القضايا الاستراتيجية يظهر صلابة الموقف حتى الاستشهاد . ابو مازن يفعلها ، وياسر عرفات فعلها قبله ، وسيفعلها من يأتي بعده
ثانيا ..... الصورة النمطية ان الفلسطينيين هم الطرف الضعيف في معادلة الصراع يضاف اليها الان بعدا جديدا ، نعم الفلسطينيون هم الطرف الأضعف ولكن يستطيعوا قيادة الموقف الدولي الذي يتصدى لعجرفة الادارة الامريكية ، ويستطيعوا اكثر من ذلك ان يضربوا بعرض الحائط تهديد ووعيد امريكيا وإغراءات امريكيا .
ثالثا ...... الأطراف العربية او غيرها التي تتواطئ سرا او شبه علني مع صفقة القرن وصلتها الرسالة واضحة تماما ، لن يكون بمقدوركم التلاعب في الوضع الفلسطيني ، لا سلطة لكم على قرار ولا على قيادة ، نواجه امريكيا ونستطيع مواجهتكم ، لذلك تنحوا جانبا ولا تحاولوا ، وقد فهم هؤلاء الرسالة ، وفهموا اكثر ان ابو مازن منع التشهير بمواقفهم ليقدم لهم السلم لينزلوا عن مواقف تآمرية ، لكن هذا ليس موقفا نهائيا .
رابعا ......ليس صحيحا بان الفلسطينيين قد عدموا الخيارات بهذا الموقف ، ان رفض الوساطة الامريكية بكل هذه القوة يشكل مدخلا لخيار ، خيار الصمود اولا ، واستخدام قوة عدم التجاوب الفلسطينية بما تعنيه حيث يعني ذلك انه ما دام الفلسطينيين لم يوقعوا على " حل " سياسي فكل ما يجري باطلا ومصيره الفشل .