نشر بتاريخ: 23/03/2018 ( آخر تحديث: 23/03/2018 الساعة: 11:39 )
الكاتب: د.وليد القططي
بعد هزيمة السادس من حزيران المعروفة بالنكسة كتب الروائي والمسرحي علي سالم قصة بعنوان (أُغنية على الممر) لُيذكّر المصريين أن ثمة بطولات منسية وسط ليل الهزيمة الحالك الظُلمة، وأن هناك قصصاً مُشرّفة رغم طوفان قصص النكسة المُذلّة، والقصة أصبحت فيلماً سينمائياً في بداية السبعينات تدور أحداثه حول فصيل من خمسة جنود مشاة تم حصارهم أثناء الحرب في موقعهم على قمة جبل يتحكم بممر استراتيجي في سيناء، الجنود الخمسة رفضوا الاستسلام رغم تناقص الماء والغذاء والذخيرة وقصف الدبابات وغارات الطائرات ونداءات العدو لهم بالاستسلام وإنقاذ حياتهم فظلوا صامدين مدافعين عن الممر حتى واجهوا مصيرهم ببطولة وشجاعة.
أثناء الحصار حكى كل جندي لزملائهِ قصته الإنسانية قبل الحرب ذاكراً أفراحه وأتراحه ومُعبّراً عن مشاعره وعواطفه، ومستحضراً عثراته وانجازاته، وحكى كل جندي عن أمانيه وأحلامه بعد الحرب إذا ما قدر الله لهم النجاة. فكان كل جندي منهم يُعبّر عن نموذج إنساني متميز، ومن هذه النماذج (حمدي) الشاعر المغمور الذي يطمح إلى الارتقاء بالأغنية بعيداً عن الابتذال فيصطدم بالواقع، ولم ينس أثناء دفاعه عن الممر أن يكتب أُغنية وطنية مفعمة بقيم التضحية والفداء من أجل الوطن وتدعو إلى تجاوز الهزيمة نحو النصر، وكان كل همه أن تصل الأغنية إلى الإذاعة بعد أن يستشهد لتصل معانيها إلى كل المصريين.
قصة أُغنية على الممر تتجلّى فيها قيم البطولة والشجاعة والتضحية والوطنية وسط طغيان الشعور بالهزيمة والعجز والفشل والانكسار، أليس هذا يقترب في معناه بشكل أو بآخر مما يحدث عندنا في الكثير من قصص النجاح أو محاولات النجاح التي ينحتها أولادنا في صخرة الواقع السيئ والتي تحفرها بناتنا على جدار الحاضر الرديء وسط طغيان الشعور بالإحباط والإخفاق... صحيح أن هذه القصص ضئيلة إذا ما قورنت بالكم الهائل من أحلام الشباب – الذكور والإناث – التي تحطّمت على صخرة الاحتلال والحصار والانقسام والعقوبات والتي دُفنت تحت ركام حُطام الحروب والمناكفات السياسية والعنصرية الحزبية وإدارة البؤس، ولكن الأمر غير مُتعلّق ببعض الشباب المميزين بل نجدها في آلاف الناس البسطاء العاديين.
نجدها في قصة كل تلميذ يحمل حقيبته ليذهب إلى مدرسته أو جامعته وبالكاد يجد مصروف المواصلات وقد لا يجده، نجدها في قصة كل مرابط باتت عينه تحرس في سبيل الله قابضاً على بندقيته وأحلامه بين يديه وداخل صدره، نجدها في قصة كل سيدة توقظ أولادها صباحاً لتقدم لهم الفطور ومعه تقدم لهم حب الوطن والأمل بغدٍ أفضل، نجدها في قصة كل مزارع يُصلّي الفجر فيغدو إلى مزرعته ليضرب الأرض بفأسه مُخرجاً منها قوت أسرته، نجدها في قصة كل عامل يكدح طوال النهار ليجد حد الكفاف مُبعداً شبح البؤس عن أهله، نجدها في كل موظف لم يتخذ من خصومات الراتب أو قلته مبرراً للإهمال والتسيب في العمل... نجد هذه القصص وغيرها في كل معلم مخلص وطبيب موثوق ومهندس مستقيم وتاجر أمين وسائق شريف.
كل قصة تعبّر عن بطولة نابعة من إرادة الحياة وقوة الأمل اُنتُزعت من مستنقع اليأس واستُلّت من براثن القنوط، ولولا إرادة الحياة وقوة الأمل لما رأى كل بطل قصة بصيص الضوء في نهاية النفق المظلم، ولأصبحت الحياة والموت عنده مثلين، والوجود والعدم سيين، والبقاء والفناء توأمين، وظاهر الأرض كباطنها متساويين؛ فالأمل هنا يساوي الحياة بمفهومها الفعلي والمعنوي، وهو ما يدفع الناس إلى الاستيقاظ من نومهم كل يوم أملاً في غدٍ أفضل وهم يرْون- أو يخيل لهم- الضوء في نهاية النفق المُظلم، ولكن ماذا لو كان الغد أسوأ والضوء في نهاية النفق مجرد سراب ووهم؟!
ماذا لو كان هذا ما سيحدث بالفعل على الأقل في الأٌفق المنظور؟!، رغم إيماننا بوجود غدٍ أفضل وضوء في نهاية النفق في الأفق غير المنظور، ألم يزد حال الناس سوءاً بعد المصالحة في كل نواحي الحياة- في غزة على الأقل – ثم هاهم ينتظرون الأسوأ بعد تفجير موكب الحمد الله واستعداد السلطة لإنزال المزيد من الإجراءات العقابية على رؤوس الغلابة المحكوم عليهم بالمؤبد في سجن غزة. ثم ماذا لو اتضح أن الضوء الباهت في نهاية النفق هو الضوء المُشع من نار الحرب التي تلوح في الأفق فنكون كمن هرب من رمضاء الحصار والعقوبات إلى نار الحرب الفاتحة فاها لتلتهم المزيد من الأرواح والأحلام وتقضي على ما تبقى من شبه الحياة في غزة؟!