نشر بتاريخ: 28/03/2018 ( آخر تحديث: 28/03/2018 الساعة: 13:25 )
الكاتب: محمد حجازي
عندما يتحدث غيورا آيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، لواء سابق في الجيش "صاحب مشروع دولة فلسطينية في سيناء" يجب أن نستمع إليه جيدا، لأنه يعبر عن الرؤية الإسرائيلية بشأن مستقبل القضية الفلسطينية عامة وبشكل خاص مستقبل قطاع غزة.
أجرت صحيفة معاريف الإسرائيلية مقابلة مع غيورا آيلاند يوم 25 آذار الماضي، حدد فيها رؤيته لمستقبل قطاع غزة بالمنظور الحالي وفق ثلاثة مرتكزات، الاول ان غزة وبحكم الامر الواقع دولة مستقلة منذ 11 سنة فللدولة توجد 4 خصائص، أرض محددة، حكم مركزي ناجع، سياسة خارجية مستقلة، وجيش خاص بها، وغزة تستجيب لكل هذه الشروط الاربعة بحسب آيلاند .
اما الثاني فيتعلق بالمصالح يقول آيلاند، ليس لإسرائيل بالنسبة لغزة مصالح سياسية اقتصادية أو اقليمية، فقط المصلحة الأمنية في الحفاظ على الهدوء، مع ان لحماس رؤيا لتصفية اسرائيل، ولكن في كل ما يتعلق بالمصالح قصيرة المدى، فإنها تكتفي بمواصلة السيطرة على غزة، لهذا الغرض فإنها بحاجة الى شرعية دولية، والى مساعدة اقتصادية عاجلة، وعليه فلا يوجد تضارب حقيقي بين المصالح الاسرائيلية والمصالح الآنية لحماس.
اما الثالث وبحسب آيلاند أيضا، انه لا يمكن اعادة اعمار غزة طالما كان الاصرار على أن تصل اموال الاعمار الى السلطة الفلسطينية، فأبو مازن غير معني بإعمار القطاع، هو معني بإسقاط حكم حماس، فعلى اسرائيل أن تحدث تغييرا في سياستها تجاه غزة، ان تعترف انها تحادي دولة مستقلة تسمى غزة، الحكم فيها انتخب بشكل ديمقراطي نسبيا، اضافة الى ذلك على اسرائيل ان تشجع دول الغرب والدول العربية، على الاستثمار في اعمار غزة، باشراك حكومة حماس وليس من خلف ظهرها، وكلما بنيت في غزة المزيد من محطات توليد الطاقة، منشآت التحلية او مشاريع لإنقاذ المجاري – تكون حكومة حماس ملجومة أكثر.
وفي مكان آخر من المقابلة يقول آيلاند، ليس لإسرائيل أي مصلحة في تحويل هاتين المنطقتين " الضفة و قطاع غزة " الى نوع من الدولة الواحدة، من الافضل لنا أن ندير سياسة صحيحة تتمثل بالعصا والجزرة تجاه الكيان السياسي المستقل في غزة .
هذا الاقتباس الطويل كان ضروريا للدلالة على المصيبة التي وصلنا إلها، فشل الفلسطينيون في إنجاز إنهاء الانقسام واستعادة الحياة الديموقراطية، إلى جانب بناء مؤسسات فلسطينية قوية تستوعب الاختلاف، فشلنا لأننا عجزنا لتأسيس حوار استراتيجي بيننا، الصراع على سلطة تحت الاحتلال والارتهان لمتغيرات الإقليم أضر بالقضية الفلسطينية، وشوه الفلسطينيون كجماعة سياسية واحدة تتطلع للحرية والاستقلال، كل هذا ضاع مع بداية الانقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007 .
آيلاند يتحدث عن دولة غزة، وعن نظامين فلسطينيين لا يلتقيان، وعن تمثيل سياسي وشرعية لحركة حماس، ويقول أيضا أن لا مصلحة لإسرائيل بوحدة البنية السياسية للفلسطينيين، ماذا تبقى اكثر من ذلك، المجتمعات الفلسطينية التي كانت موحدة سواء في الخارج أو داخل فلسطين تنوعت واختلفت بالسياسة، ولم تعد جماعة سياسية واحدة.
فلسطينيو سوريا تركوا لوحدهم يواجهون مصيرا مجهولا.
محاولة تفجير موكب رئيس الحكومة في قطاع غزة ليست إستثناء، فهي امتداد لسلوك سياسي طويل، وهي نتيجة لحالة التشرذم والتفرقة.
البعض يقول أن انهاء الانقسام يقوي سلطة أبو مازن في السيطرة والاستحواذ على القرار الفلسطيني، وبالتالي يتم تأجيل المصالحة انتظارا لتغيير قد يحدث في الإقليم، أو تغيير في السياسة الأمريكية اتجاه حركة حماس وقطاع غزة كما يدعو آيلاند.
لماذا فشلت المصالحة، سؤال أي طفل فلسطيني يستطيع أن يجاوب عليه بشكل واضح وصريح، إسرائيل لا تريد ذلك أمريكا لا تريد ذلك والعرب لا يريدون ذلك، إذن القضية ليست مرتبطة برؤية حماس السياسية فقط، وهي رؤية مرتبطة بالتمكين والسيطرة، ولا برؤية حركة فتح فقط، صاحبة الوطنية الفلسطينية وحل الدولة الواحدة والهيمنة والاستئثار بالقرار الوطني، في ظل غياب الإرادة السياسية غير المتوفرة حاليا، جرى تحطيم الفلسطيني في قطاع غزة، كما جرى تحطيم الفلسطيني في مخيمات اللجوء في سوريا، وقبل ذلك في مخيمات لبنان، ضاعت فكرة التحرر والاستفلال في الصراع الداخلي الفلسطيني.
البعض يلوح وللخروج من المأزق، بالحل الفيدرالي بين الضفة والقطاع، الحل من خلال اتحاد طوعي وحكومة مركزية، وإدارة ذاتية، ينسى صاحب هذا الطرح أن قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس، مناطق محتلة بحسب الواقع والقانون الدولي، وامام هذا الواقع المر وفي ظل غياب لغة العقل ولغة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، يبقى الوجود البشري الفلسطيني راسخا في أرض فلسطين، ما فشلت فيه السياسة قد تنجح به الديموغرافيا، ولكن بشرط وحدة القضية ووحدة الشعب.