نشر بتاريخ: 28/03/2018 ( آخر تحديث: 28/03/2018 الساعة: 17:33 )
الكاتب: وليـــد أبـو محســــن- باحث في الاستيطان والمياهفي ظل الاحتفالات الخاصة بيوم المياه العالمي والتي تركز على عدة مواضيع في التوعية والتنوع الحيوي، والحياة البرية وحماية المصادر الطبيعية، والمياه والمناخ وباقي عناصر البيئة، والتي تعد مضمارا للمعرفة الانسانية والتي تتطلب وعيا سليما وناضجا، فالتوعية وما يترتب عليها من اثر على حياة الانسان بشكل مباشر او غير مباشر، حيث ان التوعية البيئية السليمة تشكل ركيزة اساسية من ركائز التنمية المستدامة، كما ان البيئة تشكل هدفا للتدمير من قبل الاحتلال والذي يساعده في ذلك انعدام او ضعف الوعي البيئي السليم.
في ظل هيمنة دولة الاحتلال ليس على البشر فحسب، وإنما ايضا على الشجر والحجر والأرض والبيئة بجميع عناصرها، ويعمل على تدمير كل ما له علاقة بحياة الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال، ولا بد أن نشير إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية التي لم تتوقف عند حد قمع الشعب الفلسطيني بل تعدته الى عدم تطبيق واحترام الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيات جنيف الاربع التي تحترم حق الإنسان والأرض والبيئة وخاصة (جنيف، برشلونة) والتي وقعت عليها دولة الاحتلال.
سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير شامل لمصادرنا الطبيعية وعليه فإننا مطالبون وعلى جميع المستويات بالدفاع عن مصادرنا الطبيعية وحمايتها وعدم السماح بتدميرها، وذلك من خلال برامج التوعية لشعبنا الفلسطيني في هذا المجال حتى يكون على إطلاع كامل بأهمية البيئة والتنوع الحيوي، وكيفية الحفاظ عليها، ومن هنا لا بد وأن يتم التركيز في برامج التوعية على قطاع الطلاب مما يلقي بمسؤولية ليست بسيطة على وزارة التربية والتعليم العالي وسلطة البيئة وسلطة المياه وكل من له علاقة بهذا المجال، وخاصة مؤسسات البحث العلمي بحيث تساهم في التنمية المستدامة وآليات الحفاظ على الحيوانات والطيور والنباتات النادرة ونظافة ونقاء بيئة فلسطين.
مع العلم أن الأراضي الفلسطينية وخاصة الضفة الغربية تتربع على ثلاثة أحواض مائية تشكل المصدر الرئيسي والأساس للمياه في فلسطين، غير أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر عليها ويفرض على الفلسطينيين استهلاك نسبة محددة لا تصل إلى 15% من المخزون المائي الكلي في أفضل الظروف بما فيها الينابيع داخل الأراضي الفلسطينية، وكذلك الإخلال بالاتفاقيات الموقعة عام 1995 (اتفاق اوسلو) وعدم الالتزام بكميات المياه المتفق عليها مع الجانب الفلسطيني.
إضافة إلى ما سبق نذكر ما تم تجفيفه وإضعافه او الاستيلاء عليه من ينابيع وابار طبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي بلغ عددها اكثر من 300 نبع طبيعي واكثر من 500 بئر ارتوازي، حيث تم تجفيف غالبيتها والتاثير على تدفقها والاستيلاء على الجزء الاخر، ويتم مراقبة (قياس) 133 نبعا منها، مع العلم أن نسبة ضخ المياه من هذه الينابيع تحسب على الفلسطينيين في الوقت الذي لا يتم استغلال هذه النسبة نظراً لظروف متعددة، أهمها أن معظم هذه الينابيع لا تضخ عبر الشبكات وإنما بالطرق التقليدية (القنوات)، عدا أن هذه النسبة مبالغ بها إذ يتم احتساب الكمية القصوى لإنتاج هذه الينابيع، هذا بالاضافة الى ما جرى عزله من آبار جوفية خلف جدار الفصل العنصري، وتقدر الآبار التي تم عزلها أو تضررت من الجدار بأكثر من 50 بئراً ارتوازياً لغاية الآن وتشكل اكثر من 15% من الابار الجوفية العاملة الفلسطينية وتقدر بحوالي 300 بئر لاغراض الشرب والزراعة، أما إذا ما اكتمل العمل بالجدار بشقيه الشرقي والغربي فسيعزل أكثر من 150 من مجموع الآبار الفلسطينية وتشكل 50% من مجموع الآبار، وذلك كوسيلة ضغط لإجبار المواطنين على التعامل مع سياسة الأمر الواقع من خلال شراء المياه من الشركة الإسرائيلية (ميكروت) وبكمية محدودة أيضاً، والتي تضخ المياه من ابار تقع داخل اراضي الضفة المحتله وعدد هذه الابار 40 بئرا، وتقوم بضخ اكثر من 50 مليون م3، وهي تقريبا نفس الكمية التي يشتريها الفلسطينيين من الشركة الاسرائيلية سنويا (حوالي 70 مليون م3، هذا عدا عما يجري في قطاع غزة من حفر جائر وكذلك الابار الاسرائيلية المحيطة بقطاع غزة وخاصة المنطقة الشمالية والشرقية والتي تنهب المياه قبل وصولها الى داخل القطاع، اما الحوض الغربي فيتم استنزافه من خلال الابار الاسرائيلية الموجوده داخل الاراضي المحتلة عام 48 والتي يزيد عددها 500 بئر.
كما لا يفوتنا التنبيه لما يجري من اعتداءات وتلويث ممنهج على البيئة والبنية التحتية من تجريف وحرق وهدم وتخريب وتقطيع لأوصال الوطن، سواء كانت بحجة بناء المستعمرات ومعسكرات الجيش أو إنشاء الطرق الالتفافية والحواجز أو بناء جدار الفصل العنصري، كذلك الأخطار الناجمة عن المخلفات الخطرة والأجسام المشبوهة (الألغام) وغيرها من الحجج الصهيونية، وما ينتج عن ذلك من تلويث لمصادر المياه سواء كانت أودية أو ينابيع أو آبار جمع أو مياه جوفية، وكذلك ما يظهر من أمراض نتيجة انبعاث الروائح الكريهة والحشرات وذلك من خلال المكبات ودفن النفايات الصلبة ومجاري المستعمرات، والتي تلوث التربة وتغلق مساماتها، وتتسبب في موت وجفاف الأشجار إضافة إلى الأضرار البيئية الكارثية والتي تطرأ على المكان والمخالفة لكل القوانين والأديان التي تحض على النظافة والبيئة الجميلة، ويعتبرالاحتلال تهديد دائم للبيئة ومناطق المطوي ووادي وقانا في سلفيت، ووادي النار في القدس مسرح حي لجرائمه.
المياه نعمة فلنحافظ عليها، وخاصة أننا لا نملك مصادر كافيه للاعتماد عليها في التزويد وضمان برنامج عادل لتوزيع كميات المياه المتوفرة، وكذلك تسوية الالتزامات المستحقة ولتوفير تكاليف النفقات الناتجة عن ضخ وتوزيع المياه، ولمواجهة الشح في مصادر المياه الناتج عن الانتهاكات الإسرائيلية وسيطرتها على مصادر المياه الجوفية الفلسطينية، فإننا مطالبون أيضاً بتحمل المسؤولية بالحد من الهدر والأداء السيء وذلك بترشيد الاستهلاك وإدارة وتطوير مصادر المياه في فلسطين وهذا لا يتحقق إلا من خلال برامج توعية شاملة وإدارة رشيدة للمياه، وهذا يقودنا إلى مطالبة جميع المؤسسات والهيئات المهتمة والمعنية بقضايا المياه والمصادر الطبيعية بأن تعمل على إرشاد وتثقيف المواطنين وتوعيتهم بخصوص ترشيد استهلاك المياه، وآلية الحفاظ على المياه الجوفية وعدم تلويثها وذلك من خلال مكبات النفايات والمياه العادمة والمجاري ولمواجهة هذا الشح يجب أن نعمل على تطوير وحماية المصادر المائية والبيئية في فلسطين، وخاصة الاعتداء على مصادر المياه مثل الحفر الجائر العشوائي والاعتداء على الشبكات والفتحات والينابيع، ومن الأمثلة على وسائل ترشيد الاستهلاك والإسراف التي من الممكن استخدامها في فلسطين، بحيث يمكن أن تستخدم طرق تقليدية بواسطة اليد والتحكم في صرف هذه الكميات من المياه، سواء كان ذلك من ناحية اقتصادية أو الانتماء الوطني، كذلك استخدام محطات التنقية والصرف الصحي لإعادة استخدام المياه العادمه في مشاريع كثيرة، كما لا يفوتنا التذكير بان هناك حوالي 30% من التجمعات السكانية الفلسطينية تفتقر إلى شبكات المياه الداخلية، مع العلم أن المستعمرات الإسرائيلية تستنفد في استهلاكها 10 أضعاف مما يستهلكه الفلسطينيون من المياه.
واستنادا الى ما سبق فقد اعتمد مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قبل عدة ايام من الشهر الجاري، 5 قرارات قدمتها منظمة التعاون الإسلامي تدين الانتهاكات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، واعتمد المجلس قرارا يؤكد حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وطالب المجلس المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته باتخاذ خطوات وإجراءات جادة لردع حكومة الاحتلال لوقف كافة أنشطتها الاستيطانية غير القانونية، من خلال وقف دعم الاستيطان بناء على ما جاء في الفقرة الخامسة من قرار مجلس الأمن 2334.