نشر بتاريخ: 07/04/2018 ( آخر تحديث: 07/04/2018 الساعة: 13:35 )
الكاتب: ميساء سلامة
تجلس بين الخيام البيضاء بتجاعيد سبع وسبعين عاما من الشقاء ، وجرة في روحها مملوءة بالكلام عن الوطن المفقود ، خيام الراحلين تحمل علما واحدا يرفرف بين نيران الغضب المشتعلة والخضرة الشاسعة التي تشكو الي سحب السماء سواد الوجع على هذه الأرض، وتشرد بنظرة أمل نحو الحدود المصطنعة التي تفصلها عن بلدها كيلومترات معدودة ..
تضع بجانبها كيسا به ذكريات الوطن المهجر كمن يحمل الشَّمسَ في جارب مثقوب وتنتظر بقلب معتق برائحة الياسمين الذي تركته على سياج الطرقات وهي طفلة .
نموذج واحد كهذا في شعبنا يبرهن ان القضاء على روح إرادة العودة، لن يكون مهما تفنن الغاصب في قمع الفلسطيني ، ومهما حاول تغييب حاضره، فإنه لن يكون قادرا على محو الماضي، أو سرقة المستقبل مهما تعاقبت السنين ..
هؤلاء الأجداد ذاكرتهم قبل السياج ؛ لكنها تجاوزت سياج العمر الى الاعمار، فنجحوا في نقل مورّثات حب الوطن وصورة الأرض البكر إلى الأجيال اللاحقة حتى بات حلم العودة مطلب تسرّب إلى وعي الاجيال يبحثون عن تحقيقه بطرق مختلفة.
سبعين عاماً من الانتظار
بعد سبعين عاماً من الانتظار قرر الشعب الفلسطيني بأجياله التفكير خارج الصندوق لتحقيق العودة و أخذ زمام المبادرة بيده، وانطلق بمسيرة العودة الفلسطينية من خلال فكرة طرحتها شرائح شبابية وشعبية فلسطينية متحررة من الحزبية المفرطة بدءا من يوم الأرض الموافق 30 آذار/ مارس، بإقامة آلاف الخيام بمحاذاة السياج (الحدودي) للتأكيد على حق العودة إلى المدن والبلدات والقرى التي هجروا منها في النكبة عام 1984م بمشاركة كبار السن والنساء والأطفال إلى جانب الشباب .
وتعتبر مسيرات "العودة وكسر الحصار" ، الخيار الوحيد الذي تبقى في ظل تعطيل المصالحة، وبالتزامن مع الأوضاع المعيشية الصعبة في غزة، لتفتح الأفق لمسيرة تحرّرية من نوع آخر، وخصوصا بعد اشتداد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يقرب من 11 عاما وانسداد المسار السياسي التفاوضي والذي بدأ منذ ما يقرب من ربع قرن والذي لم يؤد لعودة لاجئ واحد إلى أرضه عوضا عن ترسيخ وجود دولة الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 1967م وتغول الاستيطان وتهويد القدس، وتوج هذا الانسداد بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال .
حين يلاطم الكف المخرز
برغم كل ما يعتري المجتمع الدولي من الانحياز خاصة لـ"إسرائيل" إلا أن القرارات الدولية سواء الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن؛ جاءت لتؤكد على حقَّ الفلسطينيين الثابت في العودة ولعل أشهر هذه الوثائق هو القرار الأممي رقم ١٩٤ والصادر في كانون الأول من عام ١٩٤٨م .
لذا كان قرار الشعب هذه المرة بأن يلاطم الكف المخرز ويضع المجتمع الدولي في الرواية الحقيقية، وهو يواجه هذا الكيان بيديين فارغتين في مسيرات سلمية فكان الرد المقابل رسائل دموية وليس ادل على ذلك من منظر الطفل الذي زرع بصلة داخل كمامته ليقي طفولته من غاز الموت ، والمرأة التي واجهت القناصة بقطعة قماش فيها مفتاح رمزي للعودة فكان الجزاء اصابتها ، والنسوة اللواتي اجتمعن حول الخيمة ينسجن أغاني العودة فاطلق عليهن الغاز المسيل للدموع ، واستهداف العديد من الصحفيين الذين أرادوا نقل الحقيقة بطرق سلمية ، نماذج عديدة ومخالفات حقوقية وإنسانية ما زالت المؤسسات الحقوقية الدولية تتغافل عنها ابرزها استخدام الأسلحة المحرمة دوليا في مواجهتهم السلمية .
خطوة نحو العودة
في كل محاولة يخوضها الشعب الفلسطيني لحل قضيته يدفع الثمن باهظا وهو يسدد فاتورة الحرية فها هو يشكل بؤرة تجمعات، لعلها تحرك الرأي العام لصالح نصرة القضية الفلسطينية على المؤامرات الأمريكية والأخرى ذات الطابع والصبغة المشابهة وتلفت أنظار العالم إلى الحصار المفروض على قطاع غزة . .
فمنذ أن بدأت الدعوة إلى الزحف نحو الشريط، وهي تكتسب زخما وتفاعلا يزداد اتساعا بصبغة سلمية يتخللها كلمات وخطابات تنادي بحق العودة وتنفيذه على أرض الواقع، ودبكات شعبية وفعاليات تراثية وثقافية وفنية ، إلى أن تحين الخطوة التالية من نفس المشروع الذي يتبنى حالة التقدم السلمي تجاه السلك الشائك.
ورغم كل هذا الحشد الفلسطيني يصعب التنبؤ بما ينتظر مسيرة العودة الفلسطينية، ولكنها تبقى خطوة جادة نحو العودة الحقيقية التي تبعث الحياة من جديد فتزهو زهوا يليق بالعائد من بعد الغياب .
رفض العودة الملتبسة
من وجهة نظري وقد يتفق البعض معها ، أن أية عودة لأي فلسطيني تحت حراب الاحتلال ولو بشكل جزئي هي منقوصة، ما دامت لا تتم في إطار حركة تحرّر وطني شاملة لكل الوطن ، تجعل من البوابات المؤقتة التي يحرسها الاحتلال بوابات مفتوحة دائماً.
فلا نريد قهرا يضاف إلى قهر الفلسطيني ، وغربة تضاف إلى غربته. ، وهو يقف على بوابات العبور نحو بلده كما يقف المتسوّلون .
رسالة اللاجئين ..
فكرة العودة في العقلية الفلسطينية : حلم لا ينتهي، وإصرار لا يحدّ، وعزم لا يلين، للانطلاق بحقه الظافر نحو الأرض، هذا الحق بوصفه حقّاً ثابتاً راسخاً غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم ، ولا يملك أحد حق التنازل عنه ، في هذه الأرض التي تنتظر أهلها، مثلما تنتظر الحقول القاحلة انهمار المطر.