الخميس: 19/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بدون مؤاخذة- محاربة الشيوعيين والشّيعة

نشر بتاريخ: 10/04/2018 ( آخر تحديث: 10/04/2018 الساعة: 12:46 )

الكاتب: جميل السلحوت

لو عدنا قليلا إلى الوراء لنرى بعض المجريات التاريخيّة، التي كان لها دور في مسيرة شعوبنا وأمّتنا العربيّة، فمثلا الثّورة البلشفية التي تمخّضت عن تأسيس الاتّحاد السّوفييتي كشفت اتفاقات "سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا، وكانت روسيا القيصريّة على اطلاع بها، واستهدفت المنطقة العربيّة، ومع ذلك فإنّ الدّول الامبرياليّة التي ناصبت السوفييت العداء، استطاعت تجنيد العالمين العربي والاسلامي لمعاداة السوفييت، وكانت التّيارات الاسلاميّة تطرب وتشعر بالفخر عندما يصفهم الاعلام الغربي بقوله "الاسلام هو السّور الواقي من خطر الشّيوعيّة"، ورغم معاداة ما يسمّى بالعالم الحرّ للقضايا العربيّة والاسلاميّة، إلا أنّ العرب والمسلمين واظبوا على التّذيّل لمن يعادونهم، ووقفوا في الصّفّ المعادي لمجموعة الدّول الاشتراكيّة بزعامة الاتّحاد السوفييتي، إلى أن كسر ذلك زعيم الأمّة جمال عبد النّاصر في منتصف خمسينات القرن العشرين، ومع الدّعم العسكري والاقتصادي الذي قدّمه السوفييت لمصر وبعض الأنظمة التّقدميّة في العالم العربي مثل الجزائر واليمن، سوريّا والعراق وحركات التّحرر كمنظمة التحرير وفصائلها وغيرها، وما قابل ذلك من دعم "المؤمنين" في العالم الغربي لاسرائيل وغيرها، إلا أنّ الاسلام السّياسيّ بقي يعادي السّوفييت ومن يتحالف معهم، وشكّلوا تنظيم القاعدة الارهابي وغيرها لمحاربة السوفييت في أفغانستان وبدعم من الدّول الغربيّة، ولا يزالون يعادون عبد النّاصر حتّى بعد مرور ما يقارب نصف قرن على وفاته، كما وقفوا ضدّ من تصدّوا للامبرياليّة وأعوانها.
وبعد انهيار الاتّحاد السوفييتي ومجموعة الدّول الاشتراكيّة، بدأ العالم الغربي يبحث عن عدوّ جديد، فشيطن الاسلام والمسلمين، حتّى وصلوا درجة تأليف "قرآن جديد"! سمّوه "الفرقان" ليكون بديلا للقرآن الكريم. إلا أنّ ذلك لم يمنع العرب والمسلمين من التّحالف مع أمريكا لاحتلال العراق وتدميرة وقتل وتشريد شعبه، وأشعلوا نار الفتنة في الجزائر بين 1992-2002، التي سمّاها الأخوة الجزائريّون "العشريّة السّوداء" فقتلوا أكثر من مائتي ألف جزائريّ إضافة إلى مئات آلاف الجرحة والخسائر المادّية الهائلة.
ومنذ أن طرحت أمريكا مشروعها "الشرق الأوسط الجديد" في عام 2006، لإعادة تقسيم العالم لدويلات طائفيّة متناحرة، فانبرى الاسلام السّياسي حكومات وتنظيمات وأحزاب لتنفيذ المهمّة، ورأينا كيف أشعلوا نار الفتنة في الصّومال، السّودان الذي جرى تقسيمه، العراق، ليبيا، سوريّا، اليمن، لبنان ومصر. وظهرت لنا تنظيمات تتدثّر بعباءة الدّين كداعش وأخواتها، عاثت في الأرض فسادا، وقتلت ودمّرت وشّردت أوطانها وشعوبها، وشوّهت الاسلام والمسلمين أمام العالم من خلال الجرائم التي ارتكبتها بحقّ الانسانيّة، ولا تزال تضلّل شعوبها وتجرّهم إلى حروب لن يستفيد منها غير أعداء الأمّة.
وهنا نلاحظ كيف تغيّر الدّور الموكل لبعض الحركات الدّينيّة، حسب تطوّر الأحداث العالميّة، فبعد محاربة الشّيوعيّة انتقلت الحرب على الشّيعة المسلمين، وجرى تغذية هذه الطّائفيّة من خلال طاحونة اعلام هائلة، ومن خلال فتاوي "علماء السّلاطين"، وناصبت دول عربيّة وحركات دينيّة ايران العداء، وتشارك في شيطنتها وشيطنة أتباع المذهب الشّيعي، علما أنّ ايران كانت زمن الشّاه صديقة للأنظمة وللحركات الاسلاميّة مع التّأكيد بأنّ شعبها في غالبيّته من أتباع المذهب الشّيعي ولم يتغيّروا. وتجري تحالفات عسكرية وأمنيّة مع اسرائيل التي تحتل أراضي دولة فلسطين لمحاربة إيران نيابة عن أمريكا.
لكنّ الاسلام السّياسيّ الذي أبدع في حروبه ضد أوطانه وشعوبه، ويسعى لاستلام الحكم مهما كانت النّتائج، لم يفكّر يوما بمصير شعوبه وأوطانه، ولم يرتدع عن تحالفاته مع أعدائه الحقيقيّين، ومنهم من هو عاتب على حلف "النّاتو" واسرائيل دون أن يرفّ لهم جفن، لعدم استعجالهم في تدمير ما تبقى من سوريا والقضاء على جيشها، وعلى قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
فماذا يريد الاسلام السّياسيّ؟ ولماذا لا يراجع المسلمون البسطاء مواقف قادتهم الذين يقودونهم إلى التّهلكة؟ وهل يتساءلون عن الأسباب التي دعتهم إلى تدمير أوطانهم وحضارتهم وقتل وتشريد شعوبهم؟ ومن المستفيد من نشر الفتن الطائفيّة واستهداف الأقلّيّات الدّينية كما جرى في العراق وسوريّا، وحتّى في مصر من خلال استهداف الكنائس والأديرة؟ وهل هم بحاجة إلى التّذكير بأنّ المسيحيّين والأزيديّين والأقباط في العراق، سوريّا ومصر، هم مواطنون أصيلون في بلدانهم، وموجودون فيها قبل الدّيانات السّماويّة جميعها، وأنّهم عاشوا في ظلّ دولة الخلافة الاسلاميّة التي وفرت لهم ولدور عبادتهم ولأملاكهم الحماية. ولماذا الحرب على اليمن وتدميره وقتل المستضعفين من أبناء شعبه؟ ألم يكن الحكم الملكيّ في اليمن من الحوثيّين، وأنّ الملك كان لقبه الإمام وهو مصطلح شيعيّ اقتداء بالخليفة الرّابع الإمام عليّ كرّم الله وجهه؟ أو ليس الحوثيّون من أتباع المذهب الشّيعيّ عبر تاريخهم؟
ولماذا لم يتساءلوا عن الأسباب التي دعت الرّئيس الأمريكيّ ترامب الى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ علما أنّه لا يوجد في فلسطين التّاريخيّة شيعيّ واحد!
وهنا لا بدّ من التّأكيد على طموحات إيران في إعادة أمجاد امبراطوريّة فارس، وعل سعيها الدّؤوب في أن تكون الدّولة الإقليميّة الأولى في المنطقة، وهذا حقّ طبيعيّ لها، لكن ذلك لم يمنع أيّ دولة عربيّة أن تعمل لتكون الدّولة الاقليميّة الأولى كما كانت مصر في عهد زعيم الأمّة جمال عبدالناصر.
ودعونا نتساءل عن مخاوف البعض العربيّ والتّيارات المتستّرة بالدّين من تعاظم القوّة الايرانيّة، فهل تشكّل القوّة الايرانيّة خطرا على المنطقة العربيّة أكثر من خطر القنبلة النّوويّة الاسرائيليّة؟
وإذا كان التّكفيريّون يعادون المذهب الشّيعيّ من منطلقات "إيمانيّة"، فهل هم يفهمون الدّين أكثر من دولة الخلافة الاسلاميّة التي أقرّت المذهب الشّيعيّ في مراحلها المختلفة، وكانت تسمح لهم على سبيل المثال بآداء فريضة الحجّ، وما يترتّب على ذلك من دخول مكّة والمدينة التي يحرم على غير المسلمين دخولها؟
وإذا كانت تهمة أتباع المذهب الشّيعيّ أنّهم يتعصّبون لآل البيت، فإن أهل السّنّة أيضا يفعلون الشّيء نفسه، وما الفكر التكفيري إلا وباء على السّنّة قبل الشّيعة، بل هو خطر على الشّعوب العربيّة والاسلاميّة قبل غيرها.