نشر بتاريخ: 11/04/2018 ( آخر تحديث: 11/04/2018 الساعة: 11:54 )
الكاتب: أحمد طه الغندور
تداول عدد من وكالات الأنباء في الساعات الماضية خبر إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية السيدة/ فاتو بنسودا أن مكتبها سيجري استقصاء مبدئيا للوضع في فلسطين، وإنها تراقب الأحداث هناك عن كثب.
وقالت بنسودا في بيان عقب استشهاد 29 فلسطينيا برصاص القوات الإسرائيلية خلال الأسبوعين الأخيرين” أي جريمة جديدة ترتكب في سياق الوضع في فلسطين ربما تخضع للتدقيق من جانب مكتبي“.
كما أفادت أن ” العنف ضد المدنيين، في وضع مثل السائد في غزة، قد يشكل جرائم. مثل أيضا استغلال وجود المدنيين بهدف حماية الأنشطة العسكرية“.
إن المدقق في أقوال المدعية العامة يجد أنها استخدمت تعبيراً محايداً في الحديث أن جرائم الاحتلال بوصفها بالعنف ضد المدنيين وأنها قد تُشكل جرائم، ولم تزد على ذلك وصف ماهية هذه الجرائم كونها ضد الإنسانية أو جرائم حرب بالرغم أن مظاهرها واضحة وموثقة في عين الحدث وفي التقارير الطبية وغيرها، بل قد تكون هي نفسها قد شهدت عليها من النقل المباشر للأحداث عبر وسائل الإعلام، وهنا أقول إن تعبيرها بهذا الشكل جاء مهنياً ويعبر عن احتراف لا غبار عليه.
لكن الشق الثاني من قولها: " مثل أيضا استغلال وجود المدنيين بهدف حماية الأنشطة العسكرية" هذا يحتاج إلى نقاش كونها تتحدث عن جريمة بعينها من جرائم الحرب تُلوح بها في وجه الفلسطينيين، فالمادة 8 تحت عنوان جرائم الحرب نصت:
1ـ يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولا سيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم.
2. لغرض هذا النظام الأساسي، تعني “جرائم الحرب":
"23" استغلال وجود شخص مدني أو أشخاص آخرين متمتعين بحماية لإضفاء الحصانة من العمليات العسكرية على نقاط أو مناطق أو قوات عسكرية معينة.
من هنا يمكن الجزم أنها حددت جريمة سلفاً لتطبقيها على الفلسطينيين وفقاً للمادة (8) فقرة (2) (ب) بند (23) من ميثاق روما لسنة 1998 والذي دخل حيز النفاذ في العام 2002. أي بمعنى جريمة الحرب المتمثلة في استخدام الأشخاص المحميين كدروع.
وهنا السؤال كيف قفزت إلى هذا الاستنتاج؟ وما هي الشواهد على هذه الجريمة؟
إن أركان هذه الجريمة تتركز في البنود التالية:
1ـ أن ينقل مرتكب الجريمة أو يستغل موقعاً واحداً أو أكثر من مواقع المدنيين أو غيرهم من المحميين بموجب القانون الدولي المتعلق بالنزاعات المسلحة.
2ـ أن ينوي مرتكب الجريمة بهذا التصرف وقاية هدف عسكري من الهجوم أو حماية عمليات عسكرية أو تسهيلها أو إعاقتها.
3ـ أن يصدر التصرف في سياق نزاع مسلح دولي ويكون مرتبطاً به.
4. أن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاع مسلح.
نخلص من كل ذلك أن في الأمر إجحاف بمسيرة العودة القائمة على الاحتجاجات السلمية والغير مسلحة داخل نطاق الأرض الفلسطينية في غزة والتي لازال الاحتلال يحتل ما يقارب من 200 كيلومتر مربع من أراضي القطاع، فهل أصبحت المقاومة الشعبية السلمية والتي يكفلها القانون الدولي والمواثيق الدولية "جريمة حرب" من وجهة نظر سيدة الادعاء العام للمحكمة الجنائية؟
وهل أصبحت المبادرة الشبابية، والأهلية تستخدم أبنائها دروعاً بشرية؟ وضد من؟
وهل من الممكن أو المعقول أن يكون ذلك في مقابل الاحتلال الإسرائيلي؟
من هنا نقول للمدعية العامة بأنها أخطأت وابتعدت كثيراً عن المهنية التي استخدمتها في وصفها لجرائم الاحتلال.
وهنا أيضا ربما يجوز أن أسال السيدة المدعية العامة؛ بأنه في يناير 2015 تقدمت فلسطين بطلب انضمامها لميثاق روما والمحكمة الجنائية، كما أودعت إعلاناً يمنح المحكمة اختصاصاً يعود إلى 13 يونيو/حزيران 2014 لتغطية العدوان على غزة في ذلك التاريخ، ومن ثم بدأ الادعاء العام بالمحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مبدئيا في جرائم زُعم أنها ارتكبت في فلسطين ـ حسب تعبيرهم ـ بما في ذلك القدس الشرقية في يناير كانون الثاني عام 2015 بعد قبول فلسطين رسميا عضوا في المحكمة.
السؤال الأن ما الذي حدث في ذلك التحقيق المبدئي؟
وكيف يمكن أن نتوقع مآل التحقيق المبدئي الجديد الذي جنح وجانّب الصواب قبل أن يبدأ؟
تمهلي سيدتي؛ فنحن الضحية الأقدم في العالم وهم الاحتلال!