نشر بتاريخ: 28/04/2018 ( آخر تحديث: 28/04/2018 الساعة: 17:00 )
الكاتب: السفير حكمت عجوري
اختيار فلسطين وبالرغم من كل الادعاءات الصهيونية لتكون وطنا قوميا لليهود لم يكن خيارا يهوديا بل خيارا استعماريا غربيا من اجل السيطرة على والتحكم في منطقة غنية بثرواتها وبجغرافيتها.
في بدايات القرن الماضي قام وفد يهودي نمساوي بزيارة لفلسطين لاستكشاف امكانية اقامة دولة لليهود فيها وكان الوفد منبثقا عن المؤتمر الصهيوني الاول في بازل في عام 1897، الا ان ما شاهدوه من عمران واسواق مزدهرة اختصروه لدى عودتهم بتقرير مختصر مفاده ان العروس جميلة ولكنها مخطوبة بمعنى انسوا الموضوع فلسطين معمورهة بأهلها. وكانت خيارات الارجنتين واوغنده كجغرافية لهذه الدولة وما زلنا نذكر المؤتمر الصحفي لرئيس اوغنده بحضور نتنياهو اثناء زيارته لذلك البلد الافريقي حيث قال"سمعنا انكم كنتم تريدون اقامة دولتكم هنا في اوغنده لو كنتم فعلتم ذلك لكنا الان في حالة حرب معكم". في سبتمبر عام 1917 وبحسب ارشيف المعلومات البريطاني طلب الدكتور الروسي اليهودي رودشتاين من الحكومة البريطانية مساعدة اليهود في اقامة دولتهم في الجزء الشرقي من السعودية وتحديدا الاحساء والتي تعرف سعوديا بالحسا الا ان هذا الطلب تم رفضه من قبل وزير الخارجية في حينه بلفور، الذي اعطى بعد ذلك بشهرين وعده المشؤوم وتحديدا الثاني من نوفمبر من العام المذكور، لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. الامر الذي يضحض كل ادعاء بان قيام اسرائيل جاء لاسباب دينية خصوصا وان من يقال انهم الاباء المؤسسين من الصهاينة الذين يؤمنون ان الله وعدهم الارض هم في الحقيقه لا يؤمنون بوجود الله كما قال المؤرخ اليهودي ايلان بابي.
من هذا يتضح ان قيام اسرائيل كان خيار استعماري مصلحي وبامتياز وما زال، وهذا ما يفسر ما نراه ونسمع عنه من مساعدات مالية وسياسية وديبلوماسية وامدادات غير مشروطة بالاسلحة من دول مثل بريطانيا او اميركا ناهيك عن دور فرنسا في تصنيع وامتلاك اسرائيل للسلاح النووي، حتى ان كشف ثغرة الدفرسوار التي غيرت مجرى حرب 73 كانت هبه جوسسه اميركيه لاسرائيل.
اعتمادا على ما ذكر فانه يتحتم على اي جهه او فصيل فلسطيني من قراءة دقيقة وغير عاطفية لكيفية التعامل مع اسرائيل من اجل تحقيق انتصارات ممكنة وذلك باستخدام الوسائل التي كنت قد ذكرتها سابقا وهي الوسائل غير الكلاسيكية وعلى ان تكون متجانسة مع اي تغيير على المسرح السياسي الدولي والعربي.
لا محالة ان التغييرات التي حصلت في الوطن العربي نتيجه للفوضى الاميركية الخلاقة التي ابتدعتها كوندوليسا رايس والتي اطلق عليها جزافا الربيع العربي واندثار المد القومي العربي ووصول الابن الضال ترمب الى البيت الابيض كلها جاءت عواصف على عكس ما تشتهي السفن الفلسطينية وبالتالي وحتى لا تتوقف هذه السفن لا بد لها من البحث عن ممرات آمنه تتماشى مع هذا التغيير وهذا بحاجة الى ذكاء وابداع وليس الى سيف عنتر في زمن التكنولوجيا والليزر والازرار النووية.
هذه الظروف كان لها دور كبير في اطالة عمر حوار الطرشان مع اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال التي استمرت لاكثر من عقدين وعليه فان قرار وضع حد لهذا الحوار وانهائه كما هو قرار رفض الاملاءات الاميركية يجب ان يُعتبر نجاح وربما انتصار للقيادة الفلسطينية ببقائها صامدة ولا اعتقد ان هذا القرار جاء متأخرا كثيرا كما يُظَن كونه احتاج لكل هذا الوقت الذي ارى انه كان ضروريا من اجل اقناع ولو بنسب متفاوتة كل الداعمين والمستفيدين من دور اسرائيل في المنطقه في محاولات لكسب صداقاتهم وهم المؤلفة قلوبهم عندما يتعلق الامر باسرائيل.
صمود القيادة الفلسطينية في وجه كل هذا الطغيان الصهيوني المدعم بصمت دولي وعربي وهو ما افصح عنه الرئيس والالم يعتصر وجهه وهو يتحدث عن الضغوطات التي تعرض لها في السنوات الاخيرة، هذا الصمود كان بسبب استخدام اسلحة لا يعرف الاحتلال كيف يقاومها لانه لا يعرف عنها شيئا كونها من خارج ترسانته التدميرية وهي اسلحة القيم الانسانية التي تتمترس خلفها كل الديمقراطيات الغربيه وبفضلها وصلت الى ما وصلت اليه،
هذا هو ما اكسب الرئيس ابو مازن على الصعيد الدولي صفة رجل دوله بامتياز وعلى الصعيد الاسرائيلي صفة ارهابي ديبلوماسي ولكن وهو الاهم انه مكن فلسطين من الانتصار في الجمعية العمومية في الامم المتحدة وفي مجلس الامن.
هذه محصلة قراءة لسنوات طويلة من شخص عاش في الغرب ويسكنه الوطن كما قال لي ذلك احد الاصدقاء، هذه القراءة ولاؤها للحقيقه ولو من قناعة شخصية، خصوصا وان حالنا الفلسطيني في هذه الايام لا يفرق كثيرا عن حال من عاشوا منا النكبة التي سنتألم بعد ايام بذكراها السبعين مع اننا نعيشها في كل يوم وهاهم اخواننا العرب في هذه الايام يتسابقون بكرمهم لنيل جائزه الشرف الكبرى في الحصول على صداقة اميركا التي اثبتنا نحن الفلسطينيين مؤخرا جهارا نهارا ان المتغطي باميركا عريان.
من هنا تأتي اهمية اضافية لانعقاد المجلس الوطني في اخر هذا الشهر وذلك لشرعنة انهاء حقبة زمنية تميزت بالاحتيال الصهيوني والمدعم بالخداع الاميركي وفتح باب الامل لجيل الابداع من خلال وضع اسس متينة لعهد صمود وتحدي على عكس ما خطط له كل اعداء فلسطين وشعبها بل وتمنوه من اجل ان يستمر الفلسطينيون في تكرار اخطاء الماضي كخلطه هزيمه واستسلام.
الانتفاضه الاولى في ديسمبر 1987 شكلت محطة انتصار ممكنة حيث وضعت من حجارتها حجر اساس الدولة الفلسطينية وذلك باعتراف العديد من المراقبين ومنهم كثير من الاسرائيليين كونها ببساطة كانت صرخة شعب مظلوم في وجه عالم ما زال لم يمت ضميره الانساني الا ان الموقف الفلسطيني من حرب الخليج واحتلال الكويت وبالطبع ما تلا ذلك من ممارسات تم وصمها عالميا بانها ارهابيه لا محاله اطفأ وهج انتصار هذه الانتفاضه، وهو الذي استخدمته اسرائيل القوه القائمه بالاحتلال وببشاعه من اجل قتل الامل لدى الفلسطينيين ومن اجل وقف ارتدادات الانتفاضه التي هزت الكيان الاسرائيلي بعد ان اصبح الطفل الفلسطيني ابن العاشره معلم.
الا ان انتفاضة يوم الارض الخالد وما تمخض عنها من مسيرات العوده وهي تتطور جمعه بعد اخرى هي من ستعيد وهج انتصار انتفاضة الحجاره على امل ان تبقى انتفاضة يوم الارض سيمفونيه تطرب لها اذان كل من لديه حس انساني حتى يتمكن هؤلاء من عزفها في كل مدن العالم كسلاح غير كلاسيكي ضاغط ومؤثر على اصحاب القرار كما حصل سابقا في الحرب الانسانيه الكونيه ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.