نشر بتاريخ: 03/05/2018 ( آخر تحديث: 03/05/2018 الساعة: 10:29 )
الكاتب: عيسى قراقع
مائة اسير وأسيرة محررة دعاهم الرئيس ابو مازن لحضور جلسة افتتاح المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثالثة والعشرون دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية التي عقدت في مدينة رام الله يوم 30/4/2018.
وفي القاعة رأيت الفي عام من اعمار هؤلاء الاسرى تجلس على مقاعد المجلس الوطني قضوها خلف قضبان سجون الاحتلال يوما يوما وساعة ساعة وسنة سنة، عادوا دون قيود وحشر واغتراب ، يبتسمون لعمرهم القادم ولحياتهم المتجددة الآن في فضاء فلسطين الناهضة بكل ما فيها من تعطش للكرامة والحرية وانهاء الاحتلال.
الفا عام قاسيات تشارك بكل تفاصيلها في اعمال المجلس الوطني الفلسطيني، الاعمار التي ذابت خلف الجدران تلملم نفسها، ترمم حياتها ولا تنظر الى الوراء ، وترى الاسرى والاسيرات تجاوزوا زمن الموت الاسود وسياسة الطمس والقتل البطيء، ليكونوا هنا قرب القدس وليس في سجون عسقلان ونفحة والنقب والصحراء.
الفا عام تتكلم امام العالم والوفود التي جاءت الى هذه الدورة الهامة سياسيا وقانونيا، وتروى ما جرى هناك في الزنازين والمعسكرات وفي عتمة الظلام، كل اسير واسيرة يحمل جرحه وقصته ويتقدم للشهادة ويشير الى هذا الجلاد وذلك السجان.
الفا عام من اعمار الاسرى المحررين تملأ جو قاعة المجلس بالدهشة والمعجزات، كيف عادوا احياء بعد ربع قرن من اعمارهم قضوها في السجون؟ كيف انتصروا بارادتهم وايمانهم على السجن ومقصلة الاعدام وهزموا الغياب؟ أسرى نزلوا عن الصور والشعارات، المقاعد اصبحت شاغرة وليست فارغة، ابدية طالعة مع الضوء، تمتليء بما ينقصها من حنين الى المكان.
الفا عام تتحدث عن 215 شهيدا اسيرا ارتقوا في سجون الاحتلال منذ عام 1967، دمهم لا زال يشع على اكف الاسرى المحررين، وصاياهم وذكرياتهم واسماءهم، قتلوهم تعذيبا وقتلا ومرضا وقهرا وظلوا هناك بلا قبور وجنازات ووداع.
الفا عام تتحدث عن مليون فلسطيني دخلوا سجون الاحتلال وعن اسرى لا زالوا يقضون اكثر من 36 عاما في السجون ، شامخين صامدين متألقين يقفون على ابواب الحرية وليس ابواب القيامة، نسمع صوتهم الآن، صوت كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي وضياء الاغا وسمير ابو نعمة، صوت عهد التميمي وخالدة جرار واحمد سعدات واللواء الشوبكي، ونسمع حوار الموت مع المرض في اجسام خالد الشاويش ومنصور موقدة ومحمد براش ويسري المصري ومعتصم رداد وموسى صوفان والمئات المئات من المرضى الذين يتنفسون بصمودهم وينتصرون على الموت والداء.
الفا عام تجلس في قاعة المجلس الوطني الفلسطيني، لم يصدق احد، لم تصدق حكومة الاحتلال العنصرية ان هؤلاء احرارا بلا قيود وخارج ابوابها المصفحة واسلاكها الشائكة ، ولم تصدق الاساطير ان شعبا عظيما فيه مثل هؤلاء الرجال حملوا دمهم وارواحهم وظلوا على قيد الحياة ، هم يحملون مجددا فؤوسهم ، يفلحون الارض ويزرعون الامل في النفوس والامنيات، يبنون صرح دولة فلسطين التي ارضها الاجساد والدم واشجارها رجال لا يموتون الا واقفين.
الفا عام تجلس في قاعة المجلس الوطني الفلسطيني تقول ان قضية الاسرى وحريتهم هي جزء اساسي من حق تقرير المصير الفلسطيني، وان السلام المتكافيء والعادل على هذه الارض لن يتحقق الا بحريتهم وانهاء معاناتهم وعودتهم جميعا الى بيوتهم وعائلاتهم ووطنهم الذي دائما على موعد وانتظار معهم.
الفا عام من اعمارهم هي رسالة للاسرائيليين بان هؤلاء اسرى الحرية والكرامة والشرف الفلسطيني، نرفض وصمهم بالارهابيين والمجرمين، اسرى شرعيين بشرعية نضال شعبنا وحقه المشروع بمقاومة الاحتلال، وهي رسالة تشير الى ارهاب دولة الاحتلال الرسمي وجرائمها بحق اسرانا وشعبنا وتشريع جرائمها كدولة طاغية عنصرية خارج القانون في المنطقة والعالم.
الفا عام تتحرك في قاعة المجلس الوطني ، كل عام له حكاية وفصل مختلف، اضرابات عن الطعام، مواجهات وانتزاع الحقوق ورفض الانصياع والذوبان في قوانين الاحتلال ومخططاته الاجرامية، مدرسة وطنية وتربوية وثقافية ، هوية وعلم ونشيد ونطف مهربة ورسائل الى المستقبل والاجيال القادمة، تحريك للهواء المحشور والضمائر والمعاهدات الدولية.
الفا عام تفتح النصوص والصكوك العالمية، تكسر صمتها وجمودها ، تهزها وتدفعها الى الكشف عما يجري في أقبية التحقيق والسجون والمحاكم الاسرائيلية غير العادلة، تدفعها لترى الدم المسفوك في الاعدامات الميدانية خارج نطاق القضاء، تدفعها لترى الاعتقالات الجماعية التعسفية و سياسة التعذيب الممنهجة هناك في سجون عسقلان وبيتح تكفا وعصيون والمسكوبية.
الفا عام لم يسيطر المحتلون عليها رغم ما يملكون من وسائل القمع والبطش والقيود والحديد والزنازين الضيقة والعتمة القاسية، ظلت خارج الطاعة الاسرائيلية، ظلت تحلق في سماء القدس والبحر المتوسط، لم تصطادها طائرة حربية ولا النزعات الاسرائيلية الفاشية.
الفا عام من أعمار الاسرى المحررين في قاعة المجلس الوطني كانت اكبر تحية للمناضلين الاسرى والشهداء وللجرحى، لعائلاتهم واطفالهم، وكانت عهدا ومبايعة ووفاء لهم واعتزازا بتضحياتهم ودماءهم الزكية.