نشر بتاريخ: 06/05/2018 ( آخر تحديث: 06/05/2018 الساعة: 15:33 )
الكاتب: محمد خضر قرش
كلمة محمد خضر قرش في المجلس الوطني الفلسطيني حول القدس
الاخوة أعضاء المجلس الوطني
كلمتي ستتركز حول القدس ليس لكونها مسقط رأسي وتاج رأسي فحسب بل لكونها عاصمتنا الأبدية كانت منذ الازل وستبقى. فلم تحظ وبالأدق لم تعط عاصمة دولة فلسطين الاهتمام الفعلي والميداني الذي تستحقه منذ قيام السلطة الوطنية. ولم يتوقف عدم الاهتمام على الجانب السياسي والوطني بما في ذلك تمثيلها في مؤسسات منظمة التحرير وإنما تجاوزه لما هو أخطر من ذلك، حيث امتد إلى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية وحتى الرياضية، وفي مقدمة ذلك حصتها من الموازنة العامة للسلطة. وإذا تركنا الموضوع السياسي والوطني، على أهميته، جانبا فإن عدم الاهتمام وعدم الجدية في تناول مواضيع القدس قد أصاب المفاصل الاقتصادية والتجارية والتعليمية والصحية والثقافية وحتى المجتمعية فيها. ولم يكن عدم الاهتمام من قبل مؤسسات السلطة والمنظمة فحسب، بل تعداها إلى فشل القطاع الخاص الفلسطيني بما في ذلك المؤسسات المهنية المتخصصة التابعة لمنظمة التحرير كصندوق الاستثمار الفلسطيني. فقد فشل في إقامة اية مشاريع إنتاجية قادرة على استيعاب وتشغيل الأيدي العاملة المقدسية والذين تُركوا بمفردهم يواجهون آلة الطحن والاستغلال الإسرائيلي. فهناك الالاف من المقدسيين شأنهم بذلك شأن بقية عمال فلسطين يعملون في القطاعات والمهن الدونية التي يعزف العامل الإسرائيلي على العمل بها ضمن ظروف قاسية وعنصرية. فهذه المهن لا تولد خبرات وكفاءات رغم طول سنوات العمل وإنما تولد بؤسا اجتماعيا وتلويثا للثقافة الوطنية وتدفعهم إلى مكان يؤثر سلبيا على الانتماء الوطني مما يؤدي به/بهم في حالات ليست قليلة إلى تناول المخدرات بأنواعها مما يجعله/يجعلهم أسيرا /أسرى وأكثر ارتباطا بعجلة الطحن الإسرائيلية التي لا ترحم، ولكون القدس عاصمتنا فهي تحتاج إلى رفع درجة الاهتمام بها .وبلغة مهنية أكثر فهي تحتاج إلى رزمة مشاريع إنتاجية اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية تكون قادرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة وتأهيلهم عوضا عن العمل في الاعمال الدونية التي لا تراكم خبرات نوعية ولا ترفع من شانهم أبدا ولا تعزز من انتمائهم للوطن. ورغم كثرة الدراسات والمؤتمرات والندوات التي عقدت لأجل تنمية اقتصاد المدينة إلا ان أيا منها لم يترجم عمليا إلى واقع ملموس يشعر به المقدسيون. وحتى لا نطيل في توصيف الحالة العامة والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية التي ترزخ تحت ظلها عاصمتنا فإننا سنشير باختصار شديد للقطاعات الأكثر أهمية وتأثيرا على إعادة الحيوية والنشاط إلى شرايين مدينة القدس.
أولا: من أكثر القطاعات حيوية وتأثيرا على اقتصاد المدينة وثبات المقدسيين فوق ارضهم هي "بناء الوحدات السكنية “داخلها وليس على تخومها كما يجري حاليا في كفر عقب وام الشرايط والرام والتي تؤدي عمليا إلى هجرة المقدسيين من داخل الجدار إلى خارجه. فوفقا للإحصاءات المتوفرة فهناك نحو 130 ألف مقدسي يحملون الهويات الزرقاء يقطنون في الرام وقلنديا ومخيم شعفاط وعناتا والعيزرية وابوديس. الخ ولعل الجميع يعلم بأن كافة المقدسيين الذين يقيمون هناك معرضين لفقدان ما تطلق عليه سلطات الاحتلال " الإقامة الدائمة". وقد بدأت ملامح التهجير تظهر بوضوح من خلال قرار سلطات الاحتلال بتحويلها إلى مجالس بلدية محلية قريبا مما سيعني فقدانهم للتامين الصحي والضمان الاجتماعي وعدم حصولهم على مخصصات الشيخوخة. لذلك يجب تامين قروض طويلة الأجل للمشاريع السكنية. فسعر الشقة الواحدة في شمال القدس يصل ما بين 350 ألف $ -450 ألف $ مقابل 275-إلى 320 في جنوبها. ووفقا لما يقوم بها التجمع المقدسي للإسكان حاليا فإن المقدسي قادر على دفع ما بين 90-120 ألف دولار على أربعة أقساط خلال فترة حدها الأقصى 3 سنوات. والباقي من الواجب تغطيته بقروض طويلة الاجل وبفائدة تنازلية لا تزيد عن 1.5%.
ثانيا: القطاع السياحي، تعاني القدس حاليا من تناقص كبير وملموس في عدد الفنادق المصنفة وهذه الظاهرة لا يمكن تلمسها إلا في مدينة القدس. ولعلمكم فإن عدد الفنادق الذي كان قائما عند وقوع عدوان حزيران 67 بلغ 35 فندقا مصنفا، تقلص إلى 18 حاليا (عدا ما يطلق عليه نزل الشباب في البلدة القديمة). وهذا يعني ان هناك عملية منظمة تستهدف أحد أبرز مكونات السياحة في القدس من خلال تخفيض عدد الفنادق والمرافق المرتبطة بها كمكاتب السياحة والسفر والمطاعم وشركات النقل السياحية والادلاء. وكل ذلك يتم لتقليص حصة القدس (من الإيرادات السياحية في المدينة. ولتبيان أهمية العنصرين سالفي الذكر وهما السياحة وبناء الوحدات السكنية(العقار) فهما يشكلان معا نحو 70 % من الناتج المحلي للمدينة.
ثالثا: المهن الحرفية، تميزت القدس على الدوام بوجود أكثر من 35 مهنة حرفية كانت تُنتج وتُصدر إلى دول مختلفة. ومع وقوع الاحتلال أخذ العدد يتراجع تدريجيا بحيث بات عددها نحو 12 مهنة فقط وخاصة بعد منع العمال المهرة من حاملي الهوية الفلسطينية الدخول إليها، مما اضطر العديد من أصحابها إما إلى التوقف عن الإنتاج او نقلها إلى بيت لحم وبيت ساحور بالدرجة الأولى ورام الله بالدرجة الثانية أو بيعها، للسبب المشار إليه وتراجع النشاط الاقتصادي في هذا القطاع الحرفي. وقد تستغربون إذا علمتم بان ما ينتج في القدس وبيت لحم من المنتجات الحرفية لا يزيد عن 17% من اجمالي نسبة وحجم المهن الحرفية التي تباع في المدينة. وقد تتعجبون أكثر وتستغربون حينما تعلمون بان نحو 70% من السلع والمنتجات الحرفية التي يشتريها السائحين والزوار من محلات السنتوارية (السوفنير) هي مستوردة من الصين والهند ورومانيا وإيران بالإضافة إلى إسرائيل بالطبع. وكان من المأمول أن يلعب صندوق الاستثمار الفلسطيني دورا في إعادة إحياء المهن الحرفية من خلال إقامة مجمع للمهن الحرفية في القدس. علما بان المكان متوفر في منطقة البازار حيث تبلغ مساحته 750 مترا مربعا ولا يحتاج إلا إلى إعادة تأهيل، علما بان أكبر آلة لإنتاج المهن الحرفية لا يزيد طولها وعرضها عن 2*3 متر. ورغم تشكيل صندوق الاستثمار لشركة القدس القابضة إلا انها ما زالت متعثرة وخسرت أكثر من 70% من رأسمالها في نهاية عام 2016، ولم تعلن عن ميزانيتها للعام الماضي (2017).
رابعا: فشل مشاريع الصناديق والوقفيات، رغم كل الحفلات والصولجانات والتصريحات النارية التي أطلقها البعض معلنا إقامة وقفيات للقدس إلا إنها قد فشلت ميدانيا وعمليا. وهذا يتطلب وقف هذه المهازل التي يطلقها بائعو الوهم والسراب للمقدسيين الذين عانوا -وما زالوا – من خيبات الامل والوعود المتكررة.
خامسا: الجدار العنصري، لقد تمكن الاحتلال البغيض بحكم القوة والاستئثار من بناء الجدار العنصري والذي أدى عمليا إلى تطويق القدس من الجهات الشمالية والشرقية والجنوبية ومن الطبيعي ان ينجم عن ذلك خنق اقتصادها الذي كان يعتمد على المدن والقرى المحيطة بها. وقد أثر ذلك على حياة المقدسيين بحيث أصبحت مكانا للمنامة فحسب. فمعظم النشاطات بما فيها الأفراح والاحزان والنشاطات والمؤتمرات والندوات تتم بمعظمها خارج القدس. فعاصمتنا بخلاف كل العواصم أيها السادة تنام مبكرا جدا. ففي الصيف تغلق عند الثامنة على ابعد تقدير وفي الشتاء تغلق عند الخامسة في أحسن الاحوال.
سادسا: المنظمة والسلطة والأحزاب والحركات: كافة هذه الأطراف كل حسب وزنه وتأثيره ودوره مسؤولا عما آل اليه الوضع في مدينة القدس وعليه لا يمكن تبرئتها مما آل إليه الوضع فيها. وحتى لا اطيل في هذا الجانب المعروف للجميع فأنني سأحاول تقديم بعض الحلول والمقترحات التي من شأنها إعادة تنشيط اقتصاد المدينة.
بعض المقترحات والحلول:
1- لقد تأخر الوقت كثيرا عن اتخاذ قرار وطني لإنهاء تعدد المرجعيات في القدس. فلم يعد ممكنا استمرار الوضع الفوضوي والمنفلش في التعامل مع قضاياها. كما لم يعد مقبولا استمرار هذا التعدد في المرجعيات فهذا لا يليق بالعاصمة الأبدية لشعب فلسطين. فتوحيد المرجعيات يعتبر شرطا أساسيا لا بد منه إذا أردنا مواجهة الخطط الإسرائيلية في عاصمتنا. فإذا كان إنهاء الانقسام يحتاج إلى قرارات وتواقيع أكثر من طرف لا سلطان أو تأثير للسلطة عليها، فإن انهاء تعدد المرجعيات في القدس يحتاج الى قرار واحد وتوقيع واحد لتشكيل جسم واحد موحد تلتئم فيه كافة الطاقات والمرجعيات لتسهيل مواجهة الوضع الاخذ بالخطورة. ويجب ألا يعني ذلك ابدا جمع كافة المرجعيات في لجنة تنسيقية واحدة بل في حلها كلها وتشكيل مرجعية وطنية واحدة. عاصمتنا تحتاج الى قرار جريء وشجاع ينهي هذه الفوضى
2- واستنادا للهبة المقدسية التموزية الرائعة والتي استمرت 14 يوما كاملة تمكنت خلالها من هزيمة قرار الحكومة الإسرائيلية اليمينية فيما يتعلق بالممرات الإليكترونية وتفكيكها وقلعها، فانه يتوجب علينا البدء بالتفكير الجدي بإعلان العصيان المدني في مدينة القدس والخروج الى شوارع المدينة والبقاء فيها ووقف الحركة لمدة يتم الاتفاق عليها، وهذا يحتاج الى توفير مستلزمات النجاح. فالمقدسيون اثبتوا وبرهنوا بأنهم قادرون على فعل ذلك وكل ما يحتاجونه هو الدعم والمؤازرة وتوفير المتطلبات. اعتقد جازما بأن الوقت قد حان لوضع خطة للعصيان المدني.
3- قيام الشركات المساهمة العامة والخاصة الكبيرة بما فيها المصارف باستقطاع ما نسبته 2% سنويا من مجمل أرباحها للقدس، ويمكن للبنوك ان تشرف بنفسها إذا رغبت على إنفاق واستثمار هذه الأموال التي تترصد سنويا.
4- إصدار سلطة النقد الفلسطينية تعميما للمصارف يتضمن إعفائها من متطلبات الاحتياطي النقدي لكافة القروض التي تقدمها للمشاريع الاقتصادية في القدس داخل الجدار فحسب. مما سيشجع بكل تأكيد المقدسيين على التفكير الجدي في توسيع القاعدة الإنتاجية في المدينة وإعادة تنشيط الأسواق التجارية في البلدة القديمة.
5- تحويل 5% من مجمل المساعدات الدولية التي تتلقاها السلطة الوطنية الى تطوير وتنشيط المدينة وخاصة في مجالي التعليم والصحة ومحاربة آفة توسع تعاطي المخدرات والنوادي الرياضية.
6- توفير قروض من المصادر المنوه عنها لتمويل مشاريع الإسكان للعمل على عودة نحو 130 ألف مقدسي يسكنون خارج الجدار.
7- الطلب من صندوق الاستثمار الفلسطيني بالاستثمار الجدي في مدينة القدس، وكما يلمس المقدسيون فالصندوق مقصر جدا في هذا الجانب.
8- اهتمام رئاسة المجلس الوطني بموضوع القدس ووضعها على جدول الاعمال الدائم والمتابعة الحثيثة له من خلال الضغط على المؤسسات التنفيذية بشقيها السلطة واللجنة التنفيذية وان يطلب منهما تقديم تقرير دوري مفصل عما تقدماه لعاصمة دولة فلسطين.
هذه بعض المقترحات ويمكن إضافة وتعديل أي منها إذا أردنا ان تبقى القدس عاصمة لفلسطين. فالتغني في القدس وكتابة الشعر عنها وتكرار اصدار القرارات بأنها عاصمة لدولة فلسطين لا يحقق الغرض المنشود ابدا. فالقدس التي اعطيناها بالهتاف حناجرنا ونظمنا فيها الشعر وأصدرنا القرارات العديدة ، عربية وإسلامية ودولية، تحتاج اليوم إلى عملنا فحسب، فهل نحن بمستوى التحدي هذا ما يجب ان نجيب عليه ونتوقف عنده كثيرا. والسلام عليكم من القدس التي تئن بقسوة من وطأة الاحتلال الطويل والبغيض والعنصري.