نشر بتاريخ: 12/05/2018 ( آخر تحديث: 12/05/2018 الساعة: 11:13 )
الكاتب: محمد حجازي
حظيت قضية الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، ضد قطاع غزة اهمية قصوى داخل المجلس الوطني الفلسطيني، الذي انعقد في مدينة رام الله، من خلال المداخلات التي كانت في معظمها حادة وقوية، إلى جانب تقديم المذكرات و العرائض التي وقع عليها أكثر من مئة شخصية فلسطينية، صوتت لالغاء الإجراءات كان قويا ومؤثرا مما اضطر رئاسة المجلس الوطني وبعد طول عناء وتكرار تقديم العرائض، إلى قبول التصويت على مشروع قرار يفضي إلى إلغاء كافة الإجراءات، التي اتخذتها السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة، وعلى رأسها قضية رواتب موظفي السلطة الفلسطينية الذين التزموا بقرارات السلطة الفلسطينية في فترة سيطرة حركة حماس على القطاع منذ 14 حزيران 2007.
اتخذت السلطة الفلسطينية الإجراءات "كما هو معلن"، لإجبار حركة حماس بالذهاب إلى المصالحة واستلام الوفاق كامل مهامها ومسؤولياتها في قطاع غزة، خاصة وان قطاع غزة أصبح عرضة لسيناريوهات خطيرة، في مقدمتها عزل القطاع عن القضية الفلسطينية، وبالتالي المس بوحدة أراضي السلطة الفلسطينية وبالتمثيل السياسي للفلسطينيين، خاصة أن حركة حماس باتت في الفترة الأخيرة تتحدث عن مجلس وطني بديل لمنظمة التحرير، لا أريد في هذه المقالة الحديث عن معاناة الغزيين والحياة الصعبة التي يعيشوها ، فقد كتب الكثير عن ذلك.
ما يلفت الانتباه أن سياسة افقار قطاع غزة وجعل الحياة مستحيلة ، والضغط على المواطنين من بوابة رغيف ، أتى بنتائج عكسية فالكثير من مواطني غزة وحتى فصائل منظمة التحرير باتت تحمل قيادة السلطة الفلسطينية مسؤولية ما يحصل للقطاع ، وحركة حماس نجحت بإحداث عملية استدارة في الرأي العام الغزي، بعد أن كان يحملها المسؤولية في التسبب في الانقسام وسبب معاناة السكان ، إلى جانب مسؤوليتها على كل المصائب التي حدثت للقطاع إلى جانب الاضرار بالقضية الفلسطينية، يبقى السؤال الذي يجب أن نجيب عليه ، لماذا لم تستطع كل هذه الإجراءات التي اتخذت منذ أكثر أكثر من عام حركة حماس على تسليم السلطة ؟.
في محاولة الاجابة على ذلك يجب أن نعود إلى الوراء قليلا، وهي قضية الصراع والخلاف الحاد بين حركتي فتح ومنظمة التحرير من جهة وحركة حماس من جهة اخرى، كان دائما صراعا على التمثيل قائما وحاضرا في كل وقت، إذا الصراع على الدور أكثر منه صراع على رؤية سياسية محددة ، و أقصد بالدور هو محاولة حركة حماس ازاحة حركة فتح عن قيادة السلطة وفيما بعد السيطرة على المنظمة أيضا ، من خلال استغلال كافة الوسائل المتاحة .
ارتكبت قيادة السلطة الفلسطينية في عام 2006 خطأ فادحا عندما اعتقدت انه يمكن دمج حركة حماس في السلطة الفلسطينية من خلال بوابة الانتخابات ، في محاولة لإخراجها من عباءتها الإخوانية وتقريبها من الوطنية الفلسطينية ، وثبت بالواقع منذ أكثر من أحد عشر سنه أن هذا الرهان كان خاطئا ، كيف تسمح لحركة حماس بالدخول للانتخابات بدون أن تعترف بالبرنامج الوطني الفلسطيني أو بالقانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة الاستقلال التي أقرها المجلس الوطني الفلسطينية في الجزائر عام 1988 ، فهما يحددان طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي يسعى الجميع لبنائه ، أو حتى على الاقل التوافق على برنامج سياسي توافقي بين الحركتين فتح وحماس وهذا لم يحدث ، حماس ارادت السيطرة و الازاحة ، في ذلك الوقت أرادت قيادة السلطة دمج حركة حماس و إخراجها من عباءتها الإخوانية ، " هذا لم يحدث " ، كان يجب خوض حوار استراتيجي بين كل مكونات الحالة الفلسطينية ، يفضي الى توافق وطني برنامجي حتى ولو استمر الحوار سنوات ، أي بمعنى الاتفاق على البرنامج السياسي وطبيعة النظام السياسي الذي نريد بناءه وبعد ذلك يأتي التحضير لانتخابات ، البعض يقول هذا كلام طوباوي يصعب تحقيقه ، ولكن لا خيار إلأً بوحدتنا السياسية، حركة حماس كما الجهاد الإسلامي مكون أساسي من النسيج الوطني الفلسطيني ، القاعدة تقول وخاصة نحن في مرحلة التحرر الوطني، الوحدة السياسية هي بالضرورة طريق الانتصار ولا غير ذلك .
السبب الآخر لفشل اجراءات قيادة السلطة في الضغط على حركة حماس للقبول باستلام السلطة و الحكومة لكافة مهامها ونفوذها بالقطاع ، هو باستخدام اسلوب الضغط ومحاولة تأليب السكان ضد حماس ، بالتأكيد هذا لا ينفع مع حركات اسلامية كحركة حماس، بل يقودها هذ الى التشدد كما يحصل الان ، وفي نفس الاطار الاجراءات التي اتخذتها السلطة موجهة ضد المواطنين بدرجة أساسية، وليس ضد بنية حماس السياسية و الادارية ، يمكن لحركة حماس ان تتحمل وتتعايش مع ذلك سنوات اخرى ، لسبب بسيط أن الفلسطينيين في قطاع غزة لن يثوروا على حكم حماس، لأنهم يدركون و بالفطرة أن ما يوحدهم هو الصراع ضد المحتل أنظر مسيرة العودة وخاصة في يومها الأول كيف توحد الجميع ، لإعادة الاعتبار لقضية اللاجئين ردا على قرار ترامت بتجفيف وكالة الغوث " الأونروا " ومحاولة إحالتها للتقاعد لتصفية قضية اللاجئين وازاحتها عن أي طاولة مفاوضات في المستقبل .
إذا أرادت قيادة السلطة باستعادة قطاع غزة من خلال بسط الحكومة الفلسطينية سيطرتها بالكامل على القطاع ، لا يأتي إلا من خلال توفير حاجات الناس الاساسية بدون تفرقة لأن بسط السيطرة لا يأتي بضربة واحدة ولكن يأتي بكسب النقاط .
ويبقى الطريقة التي اتبعت فيها في ادارة المصالحة منذ البداية كانت خاطئة ، التوافق السياسي و البرامجي هو الاساس ولكن هذا التوافق يجب ان يرتبط بإجراءات تحقق على الارض ليس مجرد مدخل للهيمنة و الاستئثار .