نشر بتاريخ: 19/05/2018 ( آخر تحديث: 19/05/2018 الساعة: 12:01 )
الكاتب: أحمد طه الغندور
لا شك أن ما نفقده يومياً غالٍ وعزيز، وما نحققه في الشأن الفلسطيني شكلي وضئيل.
فليس أغلى لدينا من القدس التي صبرنا على محاولة حرق مسجدها المبارك، وتهويدها حتى وصلنا إلى مرحلة هدمه، وما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بمباركة الفيالق العربية المشاركة في الغزو إلا أولى العلامات بذلك وفقاً لمبادئ الكنيسة الأنجليكانية التي يدين ترامب لها بالولاء، وما مقابل ذلك إلا دعم شكلي للاحتفاظ بسلطة شكلية في جزاء من رام الله تُعفي الاحتلال من القيام بواجباته كسلطة احتلال.
وما الآف الشهداء والجرحى ذوي الإصابات الخطرة، إلا تضحيات جسام تمتد إلى نهاية العمر للكثيرين في المجتمع الغزي ـ أكبر حقل تجارب للاستخدام غير الشرعي للأسلحةـ الذين شاركوا في المسيرات السلمية للعودة في مقابل أن نعلن أننا " نشهد الآن خطوات جادة لرفع الحصار عن قطاع غزة “، وربما الحقيقة أن البعض يقبل بتنفيذ سياسة العصا والجزرة التي تنقلها رسائل التهديد المتنوعة في سبيل الإبقاء على السيطرة على رقاب العباد.
يبدو أن السلطة والفصائل الفلسطينية من كثرة اعتيادها على التعايش مع الاحتلال، قد أتقنت سياسة الأمر الواقع وباتت تنفذ هذه السياسة داخل المجتمع الفلسطيني، ولكن شتان بين ما يتقنه الاحتلال وما بين يجري تنفيذه فلسطينياً.
ما يمارسه الاحتلال ومنذ يوميه الأول في عدوان 1967 وما قبل ذلك سعى ومازال يسعى في محو الحق الفلسطيني في كل مكونات هذا الحق حتى أسانيده التاريخية وارتباطه الوثيق بالوطن الأم، وبالتالي أوجد العديد من الوقائع على الأرض تجعل العديد من القوى الدولية تنضم إلى الاحتلال في مزاعمه لنفي الحق الفلسطيني، وعلى أحسن الأحوال تقف موقف المتفرج لحين تغيير الظروف السياسية والواقعية ثانية لمصلحة الغالب في هذه المعادلة.
أما ممارسة سياسة الأمر الواقع الفلسطيني فقد جاءت بأسوأ تصور إذا أصبحت تصب في خانة منافع الاحتلال، وتضاعف فرصه في الاستمرار بالسيطرة على فلسطين وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
لا أهمية هنا للانشغال بسرد العديد من صور ممارسة القوى الفلسطينية المتعددة لسياسة الأمر الواقع وكيفية المساهمة في تقوية الاحتلال وإضعاف الحق الفلسطيني، بل الأهم أن نسعى إلى استعادة الوعي قبل فوات الأوان، والانتصار لمبادئ الدين والعروبة، ولفلسطين.
نتيجة لمراقبة العالم لهذه الممارسة والتمادي في إجراءات الانقسام باتت كافة كل الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الدولية في الشأن الفلسطيني شكلية حتى لو قامت على الإخلاص، وكي نفسر ذلك؛ نقول:
لماذا لا تقام الإجراءات في مجلس الأمن ضد الولايات المتحدة لمنعها من التصويت وبالتالي تُمنع من التصويت واستخدام حق الفيتو في المجلس! بدلاً من إهدار الكثير من الجهد والوقت الثمين.
ما النهاية المرتقبة للجنة التحقيق الدولية في جرائم الاحتلال ضد المسيرات السلمية في غزة التي نادى بها مجلس حقوق الإنسان وما دعى إليه الأمين العام للأمم المتحدة؟ وما الإجراء الواجب اتخاذه حين يمنعها الاحتلال عن ممارسة دورها؟ وحتى لو مارست دورها من سينفذ العقوبات إن كانت ضد الاحتلال؟
كل هذه الأسئلة بالطبع له إجابات محددة، ولكن المشكلة تنبع فينا نحن؛ الفلسطينيون سلطة وفصائل.
من الواضح أن مصير القضية الفلسطينية يلفظ أنفاسه الأخير إذا ما استمرت هذه القوى تمد في عُمر الاحتلال وتمارس سياسة الأمر الواقع ضد الشعب الفلسطيني.
فمن يرغب في فرض العقوبات ضد الشعب الفلسطيني، أقول له هنيئاً لك "موعدنا يوم الجنائز" كما قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ على من عاقبه من الحكام في قضية "خلق القرآن ".
ومن يريد أن يتاجر بدماء الأبرياء من هذا الشعب، لأنه يظن أنه مُخلد وأن فصيله هو "ظل الله في الأرض"، أو تلك السلطة العربية التي تريد أن تتبرأ من دينها وعروبتها وتبيع القدس إرضاء لساكن "البيت الأبيض" أو ربيبه الاحتلال، عسى أن يلوذ حاكمها بكرسيه حتى لو على جزء من الوطن أو على وطن بلا موارد.
لكل هؤلاء أقول موعدنا "يوم الجنائز"، أو أن يسترد الشعب السلطة منكم قبل ذلك!