نشر بتاريخ: 24/05/2018 ( آخر تحديث: 24/05/2018 الساعة: 16:18 )
الكاتب: د.وليد القططي
في مارس الماضي أطلق بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي في غزة حملةً بعنوان فوّضناك دعماً لسيادة الرئيس محمود عباس ليصمد أمام الضغوط الأمريكية كي لا يقبل بصفقة القرن أو صفعة القرن كما سماها سيادته، وفي نفس الوقت انطلقت حملة موازية في مدن الضفة الغربية بعنوان بايعناك تحمل نفس المضمون.
الحملتان تزامنتا مع إطلاق حزمة جديدة من إجراءات إنهاء الانقسام المباركة التي يسميها أهل غزة- زوراً وبهتاناً- عقوبات متناسين ما أنعم عليهم سيادته من بحبحة في الكهرباء وقصقصة للرواتب ودكدكة للعواطف، ومتجاهلين نصيحة أحد كبار التبيعة بالشرب من بحر غزة المُلوّث كحل لكل الأزمات والمشاكل الاقتصادية والنفسية الجانبية الناتجة عن تلك الإجراءات المباركة.
وفي كل الأحوال فإن الحملتين لتفويض ومبايعة السيد الرئيس للصمود والتصدي أمام الضغوط الأمريكية ومن ورائها الإسرائيلية ومعها ضغوط نواطير الكاز العرب في حد ذاتهما وفي هذا الاتجاه حملتان إيجابيتان ووطنيتان خاصة وأن المطروح أمريكياً هو تصفية القضية الفلسطينية وليس حلها، وكانتا ستكونان أكثر انتشاراً وأوسع مشاركة لو أنهما كانتا في سياق وطني وحدوي عام وفي بيئة سياسية ووطنية أكثر انسجاماً واتفاقاً على المستوى الوطني، ومع ذلك فهما أحد وجوه الحقيقة التي لها أكثر من وجه.
الوجه الآخر للحقيقة أخفاها عن السيد الرئيس بطانة السوء والحاشية النهيبة من الأتباع الفرحين بما أغدق عليهم سيدهم من وظائف ومناصب وأُعطيات وهبات لهم ولمن حضر من أولادهم ومن لم يحضر من ذراريهم، ومن العالة المبتهجين بما آتاهم ولي أمرهم من فضله وأنعم عليهم من خيره. هؤلاء الأتباع العالة خدعوه بدل أن ينصحوه وكذبوه ولم يصدقوه وأضروه من حيث زعموا أنهم ينفعونه، فزينوا له قراراته الخاطئة ليراها حسنة وجمّلوا له إجراءاته العقابية ليراها مفيدة... فكانت النتيجة عدم التقدم في معظم هذه الملفات لأسباب موضوعية وذاتية.
في ملف حركة فتح التي قادت النضال الوطني عقوداً من الزمن وقدّمت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين انتهى المطاف بها في عهده ليتحكم بها فريق السلطة المرتبطة مصالحهم بها وجعلوا سقف الحركة السياسي هو سقف السلطة، وحوّلوها من حركة تحرر وطني إلى حزب السلطة بعد أن فرّغوها من مضمونها الثوري والنضالي لتعيش على ذكريات الزمن الثوري الجميل، وأغرقوا كوادرها أو من حالفه الحظ منهم بوظائف بيروقراطية بدل الانشغال بالهم الوطني العام. وفي عهده انقسمت حركة فتح على نفسها بسبب خلافه الشخصي مع القيادي في الحركة محمد دحلان على أرضية التنافس على القيادة والمواقع وتوزيع تهم الفشل أمام حماس.
وفي ملف المنظمة التي كانت بيتاً للكل الفلسطيني وحامية للثوابت الوطنية وقائدة للمشروع الوطني أصبحت بعد مشروع أوسلو وخاصة في عهده تعاني من أزمة في الشرعية الثورية والقانونية بعد أن ابتلعتها مؤسسات السلطة أو كادت، وبعد أن هُرس الثوار في طاحونة السلطة التي لا تتوقف، وبعد أن أصبحت تستخدم عند الحاجة لتجديد شرعية الرئيس المتآكلة بمن حضر من المضمون صوتهم أو صمتهم، وبعد أن وقف حجر عثرة أمام بناء وتجديد هياكل المنظمة بما يتوافق مع المتغيرات الفصائلية وحجم حركتي حماس والجهاد الإسلامي النضالي والشعبي، وبعد أن عجزت المنظمة عن تجديد المشروع الوطني الفلسطيني وتجاوز مرحلة أوسلو المتجمدة عند المرحلة الانتقالية.
في ملف السلطة التي أريد لها أن تكون جسراً للعبور إلى الدولة المستقلة وتحقيق الحد الأدنى من المشروع الوطني على جزء من الأرض الفلسطينية، في عهده- ومن قبل عهده- أصبحت مقبرة للدولة المستقلة ومدفناً للمشروع الوطني، وتحوّلت السلطة من وسيلة إلى غاية في حد ذاتها، بل أصبحت إنجازاً وطنياً يجب الحفاظ عليه، وأداة لقمع مقاومة الاحتلال عبر آلية التنسيق الأمني (المُقدس) وبطش الأجهزة الأمنية للسلطة... هذا كما أن السلطة في عهده عانت ولا تزال من أزمة الشرعية بعد أن انتهت الولاية الدستورية لكلٍ من الرئاسة والمجلس التشريعي، ولتصبح السلطة في وضعها الحالي بعيدة بُعد المشرق عن المغرب عن البرنامج المرحلي الذي يتحدث عن سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على أرض مُحررة، ولتكون في النهاية كما وصفها السيد الرئيس سلطة بدون سلطة تحت احتلال بدون كلفة أو تعمل لدى الاحتلال.
في ملف الانقسام والعقوبات لم يكن الحال أفضل ففي عهده حدث الانقسام الفلسطيني الكبير وهذا لا يعني تبرئة حركة حماس من مسؤوليتها في المشاركة في حدوث الانقسام كونها دخلت سلطة لا تعترف بمرجعيتها القانونية وليست جزءاً من مرجعيتها السياسية ولم تدرك أصول لعبتها أو لا ترغب في ذلك ولجأت إلى القوة المسلحة لحسم خلافها مع فتح بدون أُفق سياسي انتهى المطاف إلى مأزق الانقسام كمُحصلة لمأزق السلطة التي أُقيمت تحت الاحتلال، إلى أن وصلنا إلى مأزق المصالحة التي أصبحت أسوأ من الانقسام بعد فرض العقوبات على الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم في غزة، فطبّق نوعٌ جديد من التمييز بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد على حسب مكان السكن، وانطلاقاً من فرضية خاطئة ترى بأن الضغط على الناس في غزة سيؤدي بهم إلى الانفجار في وجه حماس، ووفق رؤية غير أخلاقية ترى في وسيلة تجويع الناس وإذلالهم طريقاً لإنهاء الانقسام عملاً مُبرراً بدل الحوار الوطني... فكانت النتيجة أن الانقسام تعمّق وذهب نحو الانفصال- تماماً كما يُريد الاحتلال – وازداد عدد الأشقياء من الفقراء والبؤساء والمُعدمين وتأثر بتلك العقوبات أبناء فتح أولاً وعموم الشعب الفلسطيني في غزة ثانياً وأخيراً حركة حماس.
في ملف الاحتلال والاستيطان ألم يتضاعف عدد المستوطنين والمستوطنات أكثر من مرة منذ إنشاء السلطة وبشكل متسارع في عهده ليصل عدد المستوطنين إلى ما يقرب من 800 ألف مستوطن وتلتهم المستوطنات حوالي نصف مساحة الضفة الغربية، وتواترت عملية تهويد القدس وأسرلتها، واستمر بناء الجدار العازل ليلتهم المزيد من أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة التي تبخّرت تحت وطأة المستوطنات، فلم يعدُ مكان أو معنى لحل الدولتين الذي أُقيمت عليه ما يُسمى بالمسيرة السلمية ومشروع السلام الفلسطيني المُختزل في اتفاقية أوسلو.
وختاماً بالتأكيد لا يمكن تحميل السيد الرئيس المسؤولية عن كل ذلك الإخفاق بشكل كامل خاصة وأن بعضها من فعل الاحتلال وبعضها شاركه فيها أطراف فلسطينية أخرى وبعضها بسبب الظروف الإقليمية والدولية القاهرة... ولكن ما تبقى من مسؤولية يتحملها بشكل جزئي كافية لإعادة النظر في حملتي فوضناك وبايعناك .