نشر بتاريخ: 25/05/2018 ( آخر تحديث: 25/05/2018 الساعة: 11:51 )
الكاتب: محمد خضر قرش
في البداية لا بد من التنويه أن هذا المقال كُتب في اعقاب انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، وهو ليس الأول الذي لم انشره، فهناك على سبيل المثال مقال اقتصادي حساس بعنوان (مخاطر سياسة الاستحواذ المصرفي كارثة محدقة إذا لم يوضع حد لها) حيث أعتقد جازما الان بأهمية وضرورة نشره وعلى نطاق واسع وارساله إلى رئيسي السلطة والحكومة، لأن ما تمارسه سلطة النقد في هذا الميدان خطير جدا ويجب وقفه.
وأستميح القراء عذرا تأجيله لما بعد عيد الفطر. فسلطة النقد تمادت كثيرا في قراراتها وممارساتها الخاطئة مما يتطلب وقفها عند حدها وتشكيل رأي عام اقتصادي ومهني ومصرفي ضاغط لمواجهة هذه المنزلقات الكارثية والخطيرة المتبعة حتى تاريخه من قبل محافظ سلطة النقد.
ومقال اخر بعنوان (كي لا يتحول المجلس الوطني الفلسطيني إلى مجلس تنظيمي لحركة فتح) ومقال اخر بعنوان (ديوك زمان كانوا غير) وآخر (الحكام المسلمون كنظرائهم العرب كثيري الكلام عديمي الفعل) ومرد عدم نشر المقالات سالفة الذكر وغيرها يعود بالدرجة الأولى إلى إجراء مراجعة جدية أقوم بها لمعرفة جدوى الكتابة أمام حالة الاحباطات واللامبالاة والبؤس الذي يسود على مستوى المنظومة السياسية الفلسطينية والعربية.
وعليه فالمقال قيد النشر غير مرتبط بما اشيع عن صحة الرئيس محمود عباس، الذي أتمنى كما يتمنى غيري له السلامة والصحة والعافية.
فالمقال راودني أثناء انعقاد المجلس الوطني الذي عقد نهاية الشهر الماضي بما في ذلك النقاشات التي تمت مع العديد من أعضاء التنظيمات المختلفة بما فيهم حركة فتح على هامش اجتماعات المجلس الوطني. وبعد هذا التوضيح الضروري دعوني ألج فورا إلى فحوى وعنوان المقال. فالحياة السياسية الفلسطينية، كما هو معروف، تمتلئ بالفجوات والثغرات والأخطاء السلبية شأنها في ذلك شأن نظيرتها العربية. فهي لا تفكر أبعد من أنفها لكونها قصيرة النظر والنفس وتفتقر إلى استراتيجية شاملة بقواعد وأسس لتنظيم عملية انتقال السلطة رغم ان معظم الدساتير والتشريعات تنص عليها إلا أن أحدا لا يعيرها الاهتمام أو يلتزم بها او يطبقها. بل انه لا يلبث القيام بتعديلها وتبديلها لتناسب الحاكم الجديد. ولا اعتقد اننا بحاجة لتقديم أمثلة على صحة ما ذهبنا إليه سواء في الأنظمة الوراثية أو الجمهورية الدكتاتورية والتي هي أشبه بالوراثة الملكية.
وأمام فقدان أسس ومعايير وإجراءات التداول السلمي للسلطة يلجأ الباحثون والمحللون وذوي الاختصاص إلى بناء التوقعات والسيناريوهات اعتمادا على ما يملكون من معلومات أو يحضرون من نقاشات ولقاءات سواء كانت علنية أو محدودة.
وبالعودة إلى العالول والقدوة فإن هناك مؤشرات تتصف بدرجة جيدة من المعقولية وربما من المصداقية أيضا. وأسارع بداية إلى التوضيح بان ما أشرت إليه في عنوان المقال، لا يعني ابدا بأن أحدهما سيكون رئيسا والأخر لن يحالفه الحظ لتبوء المنصب وإنما ما اقصده بالضبط هو ان الأول سيترأس حركة فتح وبحكم الواقع سيكون رئيسا للجنة التنفيذية أما الثاني فسيكون رئيسا للسلطة الوطنية. وهذا يعني أن الفترة القادمة ستشهد نهاية عهد احتكار أو استئثار السلطات بيد رجل واحد.
فالتجربة الفلسطينية أكدت فشلها وليس فقط عدم نجاحها. وعكس المسؤوليات بين الرجلين قد لا يكون صحيحا بالضرورة. فالعالول لديه تجربة غنية في القطاع الغربي وكان عمليا الرجل الثاني بعد الشهيد أبو جهاد بالإضافة إلى دوره في صفوف حركة فتح وعلاقته الجيدة مع بقية الفصائل الفلسطينية وقدم أبنه جهاد شهيدا في الانتفاضة الثانية.
ودعوني أقول ان الرجل يتمتع بدرجة من الشعبية والاحترام في صفوف الحركة وليس في نابلس او شمال الضفة الغربية فحسب كما هو حال بعض أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح حيث يفتخرون بتأثيرهم الجهوي ودعمهم العشائري في مسقط رؤوسهم سواء في قطاع غزة او الضفة او في نطاق أعمالهم ومهماتهم التي كانوا يشغلونها سابقا أو في مخيمات لبنان. كما انه بالإضافة إلى ذلك يشغل رسميا نائب رئيس حركة فتح ويتولى إدارة بعض الملفات كما أن درجة الاعتراضات عليه من كوادر وقواعد حركة فتح ضئيلة ولكنها تلمس ببعض القيادات المنافسة له والتي برزت أثناء إجراء عملية جراحية تكللت بالنجاح في الولايات المتحدة الأميركية لأحد أعضاء اللجنة المركزية وكان التنافس على أشده بمن يتولى مهامه كأمين سر اللجنة التنفيذية عند وقوع قضاء الله وقدره. وللعالول صفات أخرى هامة لعل أبرزها هدوءه وطول باله وعدم غروره او تعاليه وعدم احتماءه وراء عشيرته ومدينته كما يتميز بسمعته وسيرته الذاتية الجيدة، السلوكية منها والأخلاقية، وعدم تداول أسمه في أي ملف من ملفات الفساد كما لم تسجل عليه حالات البذخ والانفاق أو التمول من أي جهة أو الحصول على أراضي وعقارات عبر استغلال موقعه وبغير وجه حق، بالإضافة إلى عدم وجود طموحات مبكرة لديه مماثلة لأكثر من عضو في اللجنة المركزية وابتعاده عن مواضيع التنسيق الأمني أو اجتماعه بالمسؤولين العسكريين الإسرائيليين.
اما فيما بتعلق بالقدوة فهو يتمتع بخبرة معقولة في العلاقات الدولية لشغله مندوب فلسطين الدائم في الأمم المتحدة لفترة طويلة نسبيا مكنته من بناء علاقات جيدة مع دول وأطراف عربية ودولية عدة كما انه استطاع ان ينأى بنفسه عن الأزمة التي نشبت بين عضو اللجنة المركزية المفصول والملتجأ إلى إحدى الإمارات الخليجية كما له مواقف معلنة وواضحة من الازمة لم تتساوق أو تتطابق مع ما هو سائد حاليا في حركة فتح، كما انه يتميز بمواقفه المتعلقة بموضوع قطاع غزة وأبدى رأيه بشكل شجاع ومستقل عبر عنها باستقالته الجريئة بعد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني .
وبالمناسبة فليس دقيقا أن استقالته جاءت على خلفية ما دار داخل اجتماع المجلس فحسب والأدق انها كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعته لإعلان استقالته. ومما لا شك فيه فإن وجوده على رأس السلطة الوطنية في المستقبل، سينفس الأجواء المشحونة والمتوترة ويقلل من الضغوط الاجتماعية والتأزمات السياسية بين القطاع والضفة وبشكل أكثر تحديدا بين حركتي فتح وحماس.
فالشخصيات الحالية من كلا الحركتين ليستا على وئام أو فلنقل ليست على استعداد لعقد المصالحة وإنهاء الانقسام. والقدوة أيضا بحكم ترأسه لمؤسسة ياسر عرفات اعطته امتدادا للحفاظ على المسيرة بعد أن يتم تخليصها من الاخطاء والسلبيات الكبيرة التي تراكمت وازدادت عمقا بعد وفاة أبو عمار وباتت بحاجة إلى معالجة جذرية لتصويبها.
فهو الأقدر على فعل ذلك بدون تصويب الاتهامات والتشكيك بما يفعله. وفوق هذا وقبله لديه الكفاءة الوطنية والسياسية والأمانة والقدرة على تحمل المسؤولية وإدارة السلطة بحيادية ومهنية. فمؤسسات السلطة مليئة بفئات فاسدة ومفسدة وغير كفؤة ولا تتمتع بقبول لدي الرأي العام الفلسطيني. القدوة هو الأقدر على تطهير وتنظيف السلطة ومؤسساتها وفي المقدمة منها المصرفية والمالية والمتخصصة التي تعاني من مشاكل ومستعصيات جمة. والقدوة لم يرتبط أسمه خلال حياة أبو عمار وبعد وفاته بأية ملفات فساد او تشكيل شلل ومجموعات. كان له وما زال رأيا واضحا أعلنه بهدوء ووفق الأطر التنظيمية في منظمة التحرير وحركة فتح. فهو لم يخرج يوما عن الشرعية ولم يشكك بها والتزم بما صدر من قرارات رغم اختلافه مع بعضها وحينما شعر بأنه لم يعد قادرا على التحمل قدم استقالته من فلسطين وليس من خارجها أو من امارة نفطية وأعلنها بكل ادب واحترام.
العالول والقدوة هما المرشحان الأوفر حظا في الامساك بزمام الأمور في منظمة التحرير والسلطة الوطنية في قادم الأيام لتعود منظمة التحرير كقائدة ومسؤولة عن السلطة الوطنية وليس العكس كما هو حاصل ويجري حاليا. وهما مؤهلان أكثر من غيرهما في اللجنة المركزية لحركة فتح لتبوأ المسؤوليات وهما أيضا سيحصلان على اغلبية شعبية في الضفة والقطاع والمنافي للحثيات سالفة الذكر بالإضافة إلى الرغبة الشعبية بضرورة وضع حد للاستئثار بالمنظمة والسلطة وفتح والدولة الموعودة أو العتيدة من قبل شخص واحد.
لم يعد ممكنا ولا مقبولا ولا مستساغا ولا مبررا ولا مفهوما ولا دستوريا ولا شعبيا تحكم شخص واحد مهما كان موقعه في الاعراب في تقرير مصير شعب فلسطين. لذلك نقول وبصوت عال وبدون تردد: العالول لرئاسة المنظمة وفتح والقدوة لرئاسة السلطة الوطنية. فهما الأوفر حظا وشعبية ووطنية في تبوأ هذه المراكز على ان يرافقها بالتوازي البدء بتطهير وتنظيف مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية على حد سواء.