نشر بتاريخ: 27/05/2018 ( آخر تحديث: 27/05/2018 الساعة: 12:23 )
الكاتب: ناصر دمج
السجن كمكان خصص لقهر الإنسان وكتم حريته، يمكن أن يكون بناءً وهداماً في الوقت نفسه؛ لأن السجين وفي طور من أطوار إقامته الجبرية فيه يصبح قابلاً لإعادة التشكيل، سواء من قبل القوى المنظمة للحياة الداخلية في السجون العدلية، أو في المعتقلات التي يحتجز فيها أسرى الحرب أو المناضلين السياسين، أو من قبل إدارة السجن في حال لم يشكل المسجونين أو المعتقلين إطاراً فكرياً وثقافياً يحميهم من بطش تطبيقاتها الإجرامية التي لا تريد لهم الخير في كل الأحوال، على هذه الخلفية لعبت السجون التي خضعت لسلطان الوحش الإمبريالي دوراً مهماً في ابتكار سياسات استعمارية محدثة، ويمكن الاستدلال على هذه الحقيقة من خلال نموذجين سأقوم بعرضهما في هذه المقالة، وهما:
النموذج الأول:
أورد فلاديمير لينين في كتابه "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" حواراً دار بين صحفي بريطاني اسمه "ستيث مورغان" وأحد المسؤولين البريطانيين ويدعى "سيسل رودس 1853م – 1902م" في عام 1895م، وهو الذي أصبح حاكماً لمستعمرة الكاب Cape Province في جنوب إفريقيا عام 1890م، وشهد عصره توسعاً ضخماً في الإمبراطورية البريطانية، وعرف أيضاً بملك الماس، حيث أنشأ شركة دي بيرز، أضخم شركة ألماس في العالم و التي تسيطر اليوم على 60% من ألماس العالم، وفي فترة من الفترات كانت تسيطر على 90% منه.
حيث قال: رودس لمحدثه " كنت بالأمس في الإست إند، حي العمال في لندن، وحضرت هناك اجتماعات للعمال العاطلين؛ وسمعت خطابات فظيعة كانت من أولها لأخرها صرخات احتجاج ومطالبات بالخبز الخبز، وأثناء عودتي إلى البيت كنت أفكر بما رأيت وسمعت، واقتنعت من جديد بأهمية الإمبريالية، إنها الفكرة التي أصبوا إليها، لحل مشاكل المملكة الاجتماعية والاقتصادية سيما أن السجون تعج بالمجرمين واللصوص من طالبي الخبز، أعني كيف يمكننا انقاض أربعين مليون من سكان المملكة المتحدة، من حرب أهلية محدقة، لذا ينبغي علينا الاستيلاء على أراضي جديدة لنرسل إليها السجناء والمتعطلين عن العمل، ونكسب ميادين جديدة لبيع بضائعنا وجلب المزيد من الموارد، ومنها أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية، فالامبريالية يا صديقي هي مسألة البطون؛ فاذا كان حكام المملكة لا يريدون الحرب الأهلية ينبغي عليهم أن يصبحوا إمبرياليين"
وبالفعل تم إطلاق أكثر من 40000 سجين من سجون المملكة المتحدة وتم تحميلهم على السفن للمستعمرات الجديدة للمشاركة في سرقة خيراتها، وهي الفكرة التي تم تطبيقها على آلاف المسجونين في أوروبا والشيشان ودول الاتحاد السوفياتي كلاتفيا وجورجيا، لتزويد داعش بالمقاتلين سواء من السجون الموجودة في أوربا أو السجون الطائرة أو من سجون في دول آسيا سيما بنغلادش وأفغانستان والباكستان، وتخضع بشكل أو بآخر لسيطرة أو رقابة المخابرات الأمريكية.
النموذج الثاني
يمكن القول بأن سجن بوكا Bucca في العراق، أدلى بدلوه في هذا المضمار، وهو معسكر اعتقال أمريكي خارج مدينة أم قصر، سمى في البداية بمنشأة "كامب فريدي" وتم استخدامه من قبل جيش الاحتلال البريطاني عام 2003م لاحتجاز أسرى الحرب العراقيين، فيما بعد عرف بمعسكر (رونالد بوكا) وهو جندي أمريكي من اللواء 800 التابع للشرطة العسكرية، لقي حتفه يوم 11 أيلول 2001م.
خضع سجن بوكا لإشراف الاستخبارات الأمريكية بخبرات اسرائيلية، في هذا السجن احتجز أبو بكر البغدادي ورفاقه الذين عملوا مع أبو مصعب الزرقاوي، المنحدر من تنظيم القاعدة، وهنا سيتم تطوير واحدة من سلالات القاعدة الخطرة، من قبل المخابرات الأمريكية، وأصبح هذا التنظيم واحداً من تشكيلات المخابرات الأمريكية الفاعلة المؤثرة في مسار الحريق العربي العربي، وتأمين وجود إسرائيل وحذفها من لائحة الاستهداف العربي.
إذن، من سجن بوكا خرجت أخطر الأفكار المدمرة والتي ما زالت تعبث وتخرب في المنطقة العربية والإسلامية كما خطط لها، حيث وصف أحد المنشقين عن داعش في حديث أدلى به لصحيفة الواشنطن بوست، علاقة سجن بوكا بالتنظيم الجديد بالكلمات التالية " لو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق؛ لما خرجت داعش للحياة، لقد كان سجن بوكا مصنعًا لتلك الجماعة".
أبو بكر البغدادي من سجن (بوكا - (Bucca إلى قيادة تنظيم داعش
بعد مقتل "أبو عمر البغدادي" اختار تنظيم (جيش أهل السنة والجماعة) "أبو بكر البغدادي" خليفة له، وهو الذي كان مسجوناً في معسكر الاعتقال الأمريكي في العراق (بوكا - (Bucca) على خلفية تأسيسه لجيش "أهل السنة والجماعة" وبسبب علاقته بأبي مصعب الزرقاوي، وتم الاتفاق معه على المهام التي سيقوم بتنفيذها، بعد تمكينه من إنتاج نسخة جديدة من تنظيم القاعدة، وخصص له من أجل هذه الغاية موازنة قدرت بـ 30 مليون دولار أمريكي، فتم بناء معسكرات تدريب خاصة به في صحراء الأنبار.
ومن الجدير ذكره هنا بأن المسؤول الأمريكي السابق في وكالة المخابرات الأمريكية (مايكل فيكرز) هو الذي كلف بمتابعة "أبو بكر البغدادي"، والإشراف على عمليات التنظيم الجديد وهو (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، ومن المعروف عن هذا المسؤول الأمريكي بأنه خبير في ملف (المجموعات الإرهابية)، ويطلق عليه داخل دوائر المخابرات الأمريكية اسم (الذئب الرمادي) وهو من الذين عملوا لسنوات طويلة مع مستشار الأمن القومي الأمريكي "زيبغنيو بريجنسكي" خلال فترة الرئيس "جيمي كارتر"، ويعد "مايكل فيكرز" من أهم المهندسين المشرفين على برنامج الوكالة المركزية للاستخبارات لتفريخ وتدريب وتسليح الحركات المتطرفة، التي تضاعف حضورها منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان في سبعينيات القرن العشرين، وهو حائز على جائزة وكالة الاستخبارات الأميركية، في مضمار التخطيط، لإنجازه وتنفيذه مخطط استخدام (المقاتلين العرب) في أفغانستان لدحر القوات السوفيتية، الذين شكلوا فيما بعد تنظيم القاعدة.
وخدم "مايكل فيكرز" على مدار ثلاثة عشر عاماً في قوات العمليات الخاصة، من عام 1973م إلى عام 1986م، راكم خلالها خبرة مميزة في العمل الاستخباري، بعد ذلك خرج من نطاق الخدمة الحكومية لمدة عشرين عاماً، خلالها تمكن من إكمال دراسته الأكاديمية التي انتهت بحصوله على شهادة الدكتوراه في منتصف تسعينيات القرن العشرين.
وعندما استدعى الرئيس "جورج بوش الابن" مستشار الأمن القومي السابق "زبينغو بريجنسكي" في نهاية عام 2006م للتخطيط لإخراج الجيش الأمريكي من العراق، قام برجينسكي باستدعاء "مايكل فيكرز" على الفور، وكلفه برسم خطة انسحاب الجيش؛ والإبقاء على مجموعه منه تعمل تحت إشرافه، وتكوين خلايا سرية من المتطرفين العرب والأجانب، لتبقى جاهزة للعمل تحت إمرته.
في عام 2007م تم تعينه رئيساً لوحدة (العمليات الخاصة والإرهاب) الكائنة مكاتبها في الطابق الثالث من وزارة الدفاع الأمريكية، وهناك بدأ مشواره المدمر في بناء مخططات تشكيل (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق)، وغيره من التنظيمات التي ستخرج من الأدراج عند الحاجة لها.
جذور داعش
خرج تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) إلى الوجود من رحم تنظيم (جيش أهل السنة والجماعة) الذي شكله "أبو بكر البغدادي" بعد خروجه من سجن (بوكا - (Bucca في العراق عام 2005م، وفي ذلك الوقت وقبله بسنوات، كان البغدادي على صلة وثيقة بتنظيم (جماعة التوحيد والجهاد) الذي كان يقوده "أبو مصعب الزرقاوي"، وتلك الجماعة كانت جزء من تنظيم (القاعدة)، وكان تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) حينذاك على صلة وثيقة أيضاً بـالمجموعة الإسلامية المسلحة في سوريا، المعروفة بجبهة النصرة.
بعد مقتل الزرقاوي انتخب "أبو حمزة المهاجر" زعيمًا لتنظيم (القاعدة في بلاد الرافدين)، وبعد أشهر من ذلك أعلن عن تشكيل (دولة العراق الإسلامية) بزعامة "أبو عمر البغدادي"، لكن قوات الاحتلال الأميركي للعراق نجحت في نيسان 2010م في قتله ومعه أبو "حمزة المهاجر"، فاختار التنظيم "أبو بكر البغدادي" خليفة له، وبعد عام من ذلك، ظهر تسجيل صوتي لزعيم التنظيم الجديد يعلن فيه أن (جبهة النصرة) في سوريا هي امتداد له، وأعلن عن دمجهما تحت مسمى واحد وهو (الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وفي نيسان 2013م أعلن رسميا عن ميلاد تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش)، وهذا يعني بأن جبهة النصرة، هي جزء من ذاك الإعلان، ويتألف اسم (داعش) من الحروف الأولي لأسم التنظيم، وراج هذا الاسم في الإعلام لسهولته في تمييز تلك الجماعة عن الكثير من الجماعات الجهادية الأخرى، ويضم تنظيم (داعش) مئات المقاتلين الأجانب من فرنسيين وبلجيكيين وشيشان وآسيويين.
لكن علاقة جبهة النصرة بداعش انتهت في بداية عام 2014م، واندلعت بينهما معارك شرسة في شرق وشمال سوريا، بعد ذلك أعلنت (داعش) رفضها العلني لسلطة وهيمنة الشيخ "أسامة الظواهري" زعيم تنظيم القاعدة، الذي كان قد طلب من (داعش) في نهاية عام 2013م التركيز على العراق وترك سورية لجبهة النصرة.
مزيد من الشبهات حول نشأة وأهداف داعش
وفي معرض فحصنا لشبهة نشأة تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام) يمكننا التوقف عند ما صرح به "إدوارد سنودن" المسؤول السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، حيث قال "إن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية، وجهاز الموساد الإسرائيلي، مهدوا لظهور تنظيم (داعش)، وهناك تعاون وثيق بين أجهزة استخبارات الولايات المتحدة، وبريطانيا وإسرائيل، لرعاية ومتابعة هذا التنظيم المكلف باستقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، يطلق عليه اسم "عش الدبابير" ومن المعروف إن هذا المصطلح هو من مصطلحات المخابرات والصحافة الإسرائيليتان، وكان يستخدم في وصف مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة خلال الانتفاضة الفلسطينية الكبرى 1987-1993م ويقصد بهم مجموعات الفهد الأسود والنسر الأحمر وكتائب عز الدين القسام وسرايا القدس.
وتهدف هذه الفكرة إلى حماية إسرائيل من أي تطور طبيعي لثورات الربيع العربي، لذلك اجمع المخططون على أن تكون شعارات التنظيم المزمع إطلاقه (إسلامية) مستندة إلى مجموعة من الأحكام المتطرفة التي ترفض أي فكر آخر أو منافس له، وكشف "إدوارد سنودن" عن أن أمير التنظيم الحالي "أبو بكر البغدادي" هو مجرد عميل لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، وخضع في الماضي لدورات مكثفة استمرت لمدة عام كامل في إسرائيل، تلق خلالها تدريب عسكري مكثف ونوعي على أيدي عناصر الموساد، إضافة إلى تلقيه دورات في فن الخطابة ودروساً في علم اللاهوت.
وفي أوائل شهر آب 2014، قطعت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "هيلاري كلينتون" الشك بالقين حول التساؤلات التي تدور حول تنظيم (داعش)، حيث قالت "أسسنا (داعش) لتقسيم الشرق الأوسط، جاء ذلك في كتابها الجديد [خيارات صعبة، كلمة السر 360]، وأقرت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم [الدولة الإسلامية في العراق والشام] بهدف تقسيم منطقة الشرق الأوسط".
وأضافت "تدخلنا في الحرب العراقیة واللیبیة والسوریة؛ وکل شيء کان على ما یرام، بل وجید جداً وفجأة قامت ثورة 30 حزيران 2013م في مصر، وکل شيء تغیر خلال 72 ساعة، وفي يوم 5 تموز 2013م تم الاتفاق على إعلان (الدولة الإسلامیة – داعش)، وکانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مستعدون للاعتراف بحدود الدولة الإسلامية الجديدة بقيادة (داعش)، وخلال زيارتي للعديد من الدول تم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بـ (الدولة الإسلامیة) بعد الإعلان عنها مباشرة.
وفي الأول من تشرين أول 2014م أفصح "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي عن معلومات متممة لحلقة الحقيقة المتعلقة بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المنطقة العربية بالتنظيمات الإرهابية وهن (القاعدة وجبهة النصرة وداعش والخراسانيين) حيث قال: "إن حلفاء واشنطن في المنطقة، ويقصد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وتركيا، ساهموا في دعم القاعدة والنصرة وداعش وغيرهم".
أهداف داعش
تنقسم أهداف (داعش) إلى قسمين، الأول: "الهدف القريب أو العدو القريب" ويقصد به قتل المسلمين الآخرين، وخصوصًا الشيعة؛ وتصفية المملكتين، الأردنية الهاشمية والعربية السعودية، أما "الهدف الثاني أو العدو البعيد" يقصد به الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية كافة، دون ذكر إسرائيل؛ ولا في أي من أدبيات أو منشورات (داعش)، وهذا بحد ذاته يثير الدهشة والاستغراب، لأنه لا يعتبر إسرائيل عدو ولا بأي مرحلة من المراحل، وهذا أمر لم يسبق (داعش) إليه أحد من التنظيمات الإسلامية السلفية، كالقاعدة أو جبهة النصرة، أو الشيعية مثل حزب الله وغيره.
استنتاج
يستفاد من هذه الإطلالة على خلفية تكوين تنظيم القاعدة وسلالتها الخطرة؛ وخاصة تنظيم (داعش) معرفة مبادئه وأهدافه واستراتيجياته المعلنة وغير المعلنة؛ ومعرفة قادته، والإمساك بطرف خيط غاياته الكامنة تجاه الوطن العربي، إلى ذلك يمكن تسجيل النقطتين التاليتين في هذا الاستنتاج وهما:
1- بعدَ مُرور عَشر سنَوات على (تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك في 11 أيلول 2001م) فإنَّ تنظيمَ القاعِدة لمْ يُقدمْ للأُمَتيّن العربيّة والإسلاميّة أيّ عَمل نافِع، بالمقابلِ حَصلَ الغربُ في سياقِ مُطاردته العَسكريّة الساخِنة للِتنظيمِ في ساحةِ الشَرق الأوسط على ما أرادَ تَقريباً، ونقلَ الخرابَ والفوضى من أفغانستان إلى باكستان إلى العراق والصومال والسودان واليمن وسوريا، كقط أشعلت به النار؛ وأطلق في الحقول بقصد حرقها، عليه فإن كل واحدة من الدول المذكورة مرشحة ديارها للخراب بسبب القط القاعدي، الذي سيلحقه رجل الإطفاء الأمريكي بآلاته الحربية وبعد انتهاء المهمة سيستريح رجل الإطفاء في الديار بعض السنين، بعد أن يكون قد أخذ أجرة من خزائن وثروات الأمة، وعلينا أنْ نتذكَرَ دومَاً ما قالته وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة (كوندوليزا رايس) حول مفهوم (الفوضى الخلاقة) التي يجب أن تسود في المنطقة قبل البدء برسم الحدود الجديدة للدول الأثنية والمذهبية.
2- إن مبرر وجود تنظيم (داعش) الوحيد هو استكمال دور القاعدة، في تقسيم الأمة العربية إلى فرق مذهبية ودينية، وتجزئة الدول العربية من جديد، وتم الاستدلال على هذه الحقيقة من طبيعة المهام التي ينفذها التنظيم في المشرق العربي، والتي تصب جميعها في خانة الفرقة، وإغراق المنطقة العربية بسلسلة من الثارات المذهبية والدينية ستعيش لقرون طويلة قادمة داخل الذاكرة الجمعية للأقليات الأثنية والدينية في المنطقة، وهذا ما سيكفل مد أمد القسمة الثقافية والتاريخية إلى أن يشاء الله أمر غير هذا الأمر.
جميع هذا المخرجات التنفيذية تحاكي مشروع "برنارد لويس -Bernard Lews " لتقسيم الوطن العربي؛ الذي جدده الجنرال الأمريكي "رالف بيترز - Ralph Peters" ضمن مشروعه الشهير (حدود الدمBlood borders ) وأسس لهما على الأرض تنظيم القاعدة، عندما كان الهدف محدد بنشر الخراب والدمار في الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية، واستكملها تنظيم (داعش) من خلال حربه المدمرة فوق التراب السوري والعراقي ضد العرب أجمعين.
إذن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو امتداد طبيعي للتنظيم الأم وهو (القاعدة)، ويحمل خصائصه وصفاته المذهبية والسياسية، وشبهة نشأته وأصله، يعني ذلك بأنه كان هناك مهمات متتالية مطلوب من كلا التنظيمين انجازها، فطلب من التنظيم الأول (القاعدة) التمهيد لبعث أجواء الفوضى والخراب، بما في ذلك تدمير الأرث الحضاري للشعوب العربية، كما حدث في العراق وسوريا، تلك الفوضى التي لا يمكن أن تكتمل حلقاتها إلا بشلالات من الدماء وفقاً (لكونزاليزا رايس) وهذا ما تم تجهيزه قبل مقتل "أسامة بن لادن"، بحيث تنشأ مع تلك الفوضى ظروف تسمح للحكومات الوطنية طلب العون العسكري الغربي المباشر، وجلب المستعمر بآلاته العسكرية من جديد، وطلب من التنظيم الثاني (داعش) وريث التنظيم الأول، مباشرة عمليات تهجير السكان من مناطقهم ومدنهم، وفرزهم ومن ثم جمعهم خلف حدود دينية ومذهبية وإثنيه، وهذا ينطوي على عمليات مروعة وشاقة من نقل وتهجير جماعي للسكان عبر الحدود القديمة المطلوب حذفها لصالح الحدود الجديدة، التي تم رسمها ضمن مشروع "رالف بيترز - Ralph Peters" الشهير (حدود الدمBlood borders ) أي إعادة رسم حدود الدول العربية القائمة حالياً، على أساس بنوة الدم والعرق والدين، وليس على أساس انتمائهم الفطري والتاريخي للأوطان، وهذا من شأنه أن ينزع صفة العروبة والانتماء القومي عن الدول الجديدة وشعوبها، بحيث تصبح أديانها ومذاهبها هي قوميتها الجديدة، وهذه بيئة مثالية لقبول إسرائيل بين الدول الأثنية الجديدة، وهو أمر يترك مستقبلاً خيار تقبل إسرائيل من عدمه؛ وإقامة علاقات معها مرهون بظروف كل شعب من الشعوب على حدة، وليس بموقف جماعي مبنى على أسس قومية جامعة ضد إسرائيل.
ما قام ويقوم به (داعش) حالياً ومستقبلاً ينطوي على تنفيذ وحشي كما ذكرت لمشروعي (برنارد لويس ورالف بيترز)، وهي مشاريع معتمدة كإستراتيجيات أمن قومي عليا من قبل الكونغرس الأمريكي، ومن قبل حلف شمال الأطلسي منذ عام 1988م، واليوم أوشك تنظيم (داعش) على إقامة الدولة السنية فوق كامل منطقة الحدود السابقة بين دولتي العراق وسوريا، وإلغاء حدود سايكس بيكو، التي وصفها "رالف بيترز" بالظالمة للأقليات الدينية والعرقية في المشرق العربي، وهنا يجب أن لا يفوتنا أبداً ملاحظة دور المصالح الإقليمية والدولية المتداخلة والمعقدة في المنطقة العربية والتي تساعد جميعها في وصول الامبريالية العالمية المتجددة إلى أهدافها بسهولة ويسر، وفي هذا السياق كان ملفتاً للنظر عدم اتخاذ روسيا و إيران، الداعمتان الرئيسيتان للنظام السوري، الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عدم التدخل لمصلحة ذلك النظام، بينما يواصل تنظيم الدولة تقويض مناطق نفوذه وسيطرته على التراب السوري، وعدم اتخاذ أي خطوة عسكرية لمنع سيطرة (داعش) على مناطق الرئيس "بشار الأسد"، وهو التنظيم الغريب عن الأرض السورية؛ ولا يملك عليها أي حاضنة شعبية، ويلاقي كل أنواع العداء من دول الجوار العربي والتركي والكردي المحيط بسوريا؛ لكنه تمكن من دحر جيوش العراق وكردستان وسوريا، وسيطر على مئات القرى والمدن السورية والعراقية على طريقة (جنكيز خان) حيث يحرق المدن ويقتل الإنسان والحيوان؛ لخلق الرعب في المناطق المجاورة لدفعهم إلى الفرار وترك جميع ممتلكاتهم ومن ثم تتم السيطرة عليهم بالقوة والتنكيل.
تم ذلك كمحصلة لـ 10.000 عملية نفذها التنظيم في العراق وسوريا، خلال الفترة الواقعة بين حزيران 2013 و حزيران 2014م، من بينها 1000 عملية اغتيال، وتفجير 4000 عبوة ناسفة زُرعت في أماكن عامة ودور للعبادة، أسفرت عن مقتل 8000 من المدنيين في العراق لوحده، وقيام التنظيم بمهاجمة العديد من السجون ومراكز التوقيف وتحرير مئات السجناء المتطرفين، مضاف إلى ذلك تمكن التنظيم بطرقة العديدة من تجنيد مئات الشباب العراقيين والوافدين العرب والأجانب، ويقدر عدد مقاتلي التنظيم بـ 50 ألف مقاتل، من بينهم 2000 مقاتل يحملون جوازات سفر أوروبية؛ ويمكنهم التنقل بسهولة عبر الحدود.
السؤال المطروح هنا، من أين استمد تنظيم (داعش) كل تلك القوة ؟ التي مكنته من قضم ما يريد من أراض إستراتيجية تضاهي مساحة المملكة المتحدة، وتحتوي على مطارات عسكرية وآبار بترول وغير ذلك؟
الجواب هو من الطائرات الغربية التي تمده بما يريد من معدات وتجهيزات عسكرية وغيرها، ولن يكون مفاجئاً لأحد العلم بأن حلف شمال الأطلسي قد أوكل مهمة مد تنظيم الدولة الإسلامية بما يريد للجيش الألماني، الذي لا تغادر طائراته سماء المنطقة التي يسيطر عليها (داعش)، أو سماء مخيمات اللاجئين السورين فوق الحدود السورية الأردنية والسورية العراقية والسورية التركية، وهو الأمر الذي يفسر لنا أيضاً سهولة تحرك آليات وأرتال (داعش) العسكرية المكونة من 70 – 100 قطعة حربية في كل مرة تقريباً، بما فيها صواريخ بالستية منقولة من العراق إلى سوريا، قطعت كامل المسافة الواصلة بين مدينة الموصل في العراق ومدينة الرقة في سوريا؟